الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى نهاية فعاليات التجريبى.. دورة هزيلة وختام بلا روح..!

فى نهاية فعاليات التجريبى.. دورة هزيلة وختام بلا روح..!
فى نهاية فعاليات التجريبى.. دورة هزيلة وختام بلا روح..!




اختتمت يوم الجمعة 29 سبتمبر فعاليات الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى على خشبة مسرح الجمهورية، وكانت قد حرصت إدارة المهرجان على استكمال إبراز البعد التراثى من الثقافة المصرية، فقدم حفل الختام أوركسترا بيت العود العربى التابع للموسيقى الأشهر نصير شمة، ثم كان عرض المهرجان «التجربة» إخراج أحمد عزت التابع لمنحة مكتبة الإسكندرية، وكانت صدمة الحاضرين فى عرض الختام أنه لم يكن على المستوى الفنى الذى يؤهله للعرض ضمن فعاليات مهرجان دولى بحجم التجريبى، مما دفع الكثيرون للخروج وترك قاعة المسرح لعدم رغبتهم فى استكمال أحداث المسرحية التى جاءت خالية من أى رؤية فنية حقيقية..

 هى إطار لفكرة جيدة عجز المخرج عن استكمالها، وكما جاء فى ملخص العرض أن المسرحية مستوحاة من الشخصية الألمانية الشهيرة «كاسبر هاوزر»، والذى عاش فى قبو صغير منعزل عن الآخرين حتى كبر دون أن يتعلم بشكل صحيح أبسط الأفعال الإنسانية كالكلام والمشى والسمع، وكان عالم فى علم نمو الإنسان هو من قام بعزل كاسبر عن العالم لإجراء بعض التجارب عليه إلا أن هذا الكاسبر نجح فى الهرب وقرأ فى هذا العلم وقرر أن يجرى تجارب مماثلة ولكن على أربعة نماذج جديدة تجارب فى الوقوف والمشى والحركة والتعرض للضوء والكلام وسماع الموسيقى، الفكرة جيدة ومحفزة على صناعة عمل مسرحى قوى لكن على العكس جاء العرض أضعف من الفكرة المعروضة حتى لو أنك لم تقرأ هذا الملخص المصاحب للعمل لن تتواصل معه، بجانب ضعف التصميم الحركى الذى اعتمد عليه المخرج بشكل كبير فى الخروج بمعنى وفكرة العرض، وكذلك تمتع الممثلون الأربعة بمهارات تمثيلية وحركية ضعيفة كما جاء شكل التناول والمعالجة مملاً وتقليديًا لم يحمل أى ابتكار، وبالتالى خرجنا بعمل لا يليق فى اختتام فعاليات المهرجان.
    أزمة غياب المعيار فى اختيار العروض
لم تقتصر أزمة المهرجان عند رتابة وضعف حفل الختام فقط، بل بدا فى هذه الدورة وكأنه شيخ كبير أصابه الوهن، يرجع ذلك إلى أكثر من عامل، أولها عدم وجود معايير واضحة أو رؤية فنية تجمع هذه العروض تحت مظلة واحدة، خاصة فى آلية اختيار العروض المصرية المشاركة والتى مثلت مصر هذا العام، تم اختيار عروض كلاسيكية تقليدية لا تحمل أى جديد، بعيدا عن ضعف مستوى أغلبها فنيا، فهى خالية من الرؤية أو المعيار، وتمثلت فى «يوم أن قتلوا الغناء» إخراج تامر كرم، «شامان» إخراج سعيد سليمان، «نساء بلا غد» إخراج نور غانم، «التجربة» إخراج أحمد عزت، «قواعد العشق» إخراج محمد فؤاد، «الجسر» إخراج وليد طلعت، «السفير» إخراج أحمد السلامونى عرضت هذه الأعمال تحت مظلة التجريبى ولم يحمل معظمها أية محاولة أو تجربة مختلفة تميزها عن غيرها من أى عرض تقليدى من الممكن مشاهدته خارج إطار المهرجان، ليس هذا فحسب طالت أزمة الرؤية والمعيار فى اختيار العروض الأعمال الأجنبية والعربية أيضا فغاب معيار الجودة وتحقيق المتعة عن هذه العروض، وهما قوام أى عمل مسرحى ناجح، وبدلا من أن يبقى الزحام الجماهيرى على وضعه بها، والذى كنا نشاهده يوميا بشكل متكرر على أبواب مسارح المهرجان، عزف الجمهور عن الاستمرار فى معظم هذه العروض والبقاء فيها حتى نهايتها، وكانت ظاهرة غريبة خروج الجمهور قبل انتهاء أكثر من عرض بسبب فقدان حالة التواصل والمتعة ويأتى على رأس هذه العروض «المرأة الدجاجة»، «the hen woman» لدولة تشيلى إخراج وتأليف فيكى لارين، «بريفاتوبيا»، «privatopia» إخراج هاندان اوزبيلجين، «عطيل» إخراج حسن خايون تأليف رشا فاضل-حسن خايون، «ماسكارا ضد كابيليرا» إخراج ايروين فيتيا، «عربانة» إخراج عماد محمد وتأليف حامد المالكي، «ليلة خريف» تأليف وإخراج سيرين أشقر وهذا العرض على وجه التحديد يندرج تحت عروض اللامعنى ففى هذا العمل تجلس الممثلة فى جانب المسرح متشحة بالسواد وتقوم بتسميع أجزاء من قصيدة شعرية باللغة الفرنسية وأثناء جلسة التسميع يخرج على الحاضرين راقصان يؤديان التعبير الحركى للشعر المسموع، عمل مسرحى مجرد من النص والتمثيل والمعنى فى حين أن المخرجة كتبت شرحًا لقصة العرض وهى قصة امرأة حبست فى مستشفى الأمراض العقلية محاولة التحرر من شغف حب لم يعد وأدت العزلة ببطلة المسرحية لرحلة داخلية تتمرجح خلالها بين ذكريات قصة حب وذكريات الطفولة كل هذه التفاصيل ليست لها علاقة بالعمل الذى خرج على الجمهور، والذى كان عبارة عن حلقة لتسميع قصيدة شعرية فرنسية مترجمة إلى اللغة العربية فشلت فى ترجمتها إلى لغة مسرحية..!
هل ذائقة لجنة الاختيار هى المعيار لفشل أو نجاح المهرجان؟
لا تتوقف أزمة اختيار عروض جيدة تجمعها رؤية فنية واضحة أو معيار فنى يعبر عن فلسفة المهرجان عند تذوق لجنة مشاهدة العروض سواء المصرية أو الأجنبية أو العربية، ولكن هناك أكثر من إشكالية تخص هذا العنصر على وجه التحديد، أولا عدم وجود دعم مادى كاف من وزارة الثقافة يوفر لإدارة المهرجان ورئيسه ولجان مشاهدته الفرصة للقيام بجولات فنية وحضور أهم المهرجانات الدولية سواء العربية أو الأجنبية، لفتح أفق المشاهدة والرؤية والتعرض لأشكال مسرحية متنوعة بشكل أوسع لتحقيق الاحتكاك بالآخر والإطلاع على فرق مسرحية حقيقية، وليست وهمية، وبالتالى ستعود هذه الجولات على مدار العام بالإيجاب على تشكيل فلسفة واضحة يتحرك فى إطارها التجريبي، ثانيا بما أن مصر تعانى من تشويه لصورتها أمنيا بالخارج فكان من الأولى والأجدى أن ينظم المهرجان خلال دورته السابقة والحالية جولات ورحلات للوفود الأجنبية بمناطق سياحية داخل وخارج القاهرة، حتى يساهم بشكل فعال فى تحسين صورة مصر بالخارج، لأن هذا النوع من المهرجانات يكون عادة له وظيفة ذات وجهين، وجه فنى وكذلك سياسى وسياحي، لأنه من الوارد بنسبة كبيرة أن يكون العذر الأمنى وراء عزوف الفرق القوية عن المشاركة!
مستوى العروض وإلغاء التسابق
 هل أثر إلغاء التسابق على مستوى العروض المتقدمة بالمهرجان؟.. بالتأكيد.. فمن المتعارف عليه أن وجود مسابقة رسمية دولية يخلق نوعًا من الحافز على المشاركة، ويحقق هذا الحافز حالة من الوهج ضمن فعاليات المهرجان، فمع وجود منافسة يزداد الحرص على التواجد بل والتجويد بالأعمال المتقدمة كى ترقى لتمثيل مصر أو أى دولة أخرى أمام لجنة تحكيم دولية، لأن التنافس فى حد ذاته طبيعة إنسانية، فدائما ما يسعى كل فرد إلى تحقيق التفوق للتفرد فى مجاله وبالتالى كانت الأمور ستختلف كثيرا خاصة فى حفل الختام الذى جاء رتيبًا وبلا روح، لعدم وجود حدث جلل ينتظره الجميع كما كان يحدث من قبل بإعلان الجوائز والعروض الفائزة بدورة هذا العام، فوقع المهرجان هذه الدورة فى أزمة غياب المعيار وغياب الحافز، فحتى العروض المصرية التى لم يتم اختيارها لم تكن حريصة على المشاركة لعدم وجود حافز يدفعهم إلى هذا الحرص، أما إذا كانت إدارة المهرجان تصر على الاكتفاء بعمل بانوراما مسرحية بلا تسابق فعليها أن تحاكى مهرجانى «D-Caf» مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، الذى ينظمه المخرج أحمد العطار، ومهرجان «الشوارع الخلفية» بمدينة الإسكندرية الذى ينظمه المخرج المسرحى محمود أبودومة سنويا هذان مهرجانان يجمعهما عامل تحقيق الرؤية الواضحة والمتعة والتواصل مع الجمهور فكلاهما يخلق حالة مسرحية مختلفة، وبالتالى يتم تعويض الوهج المسرحى الذى قد يحققه التنافس بالمتعة والإطلاع على أشكال مسرحية متنوعة.
«وفاة بائع متجول».. «death of salesman»
نجت من أزمة الضعف والأشكال المسرحية المكررة هذه الدورة ثلاثة عروض فقط، «الشقيقات الثلاث» إخراج قنسطنطين بورتسيلادزى تأليف انتون تشيكوف جورجيا، «رحلة فوق المدينة» إخراج نارين جريجوريان تأليف أنوش اسليبيكيان أرمينيا، ثم «وفاة بائع متجول» أو «death of salesman» إخراج روبن بوليندو تأليف آرثر ميلر أمريكا، يعتبر من ضمن الأعمال الأكثر متعة بالمهرجان وقدمه صناعه بحرفة فنية عالية لما احتواه من معالجة مسرحية مبتكرة لقصة هذا البائع المتجول ويلى وأسرته، زوجته ليندا والداه بيف وهابي، والذى يواجه صراعًا مع ابنه بيف بسبب ما بناه عليه من طموحات وأحلام كبيرة فى حين أنه لم يحقق منها شيئًا بجانب أن هذا الرجل لديه قناعات راسخة بأن حسن المظهر هو الذى يجلب له حسن الحظ والنجاح بمهنته، وعندما يكتشف زيف وفشل نظريته فى الحياة يصاب بحالة من الإحباط الشديد خاصة بعد أن يتأكد من مقت ابنه «بيف» عليه وعلى أحلامه، خاصة بعد أن علم عنه خيانته لوالدته فى إحدى المرات فيسقط والده من نظره ويظل فى حالة عداوة وكراهية دائمة له، قدمت مخرجة العرض مسرحية ميلر فى شكل مختلف ومعاصر، فلم تستخدم أى عناصر تقليدية بالعرض حتى بالتمثيل لم يشبه الشكل التقليدى المعتاد فى هذا النوع من الأعمال المسرحية، كما استخدمت عزفًا موسيقيًا حيًا على المسرح مع الممثلين بجانب لعبها على الأقنعة التى تتبدل بها الأزمنة فعندما يرتدى ويلى وزوجته القناع يتحولان إلى الزمن الحالى وعند نزعه يعودان إلى ذكريات الماضى حتى أنك تلاحظ تبدل سنهما بارتداء ونزع القناع، كما أن هابى الابن الثانى لم يظهر سوى بارتداء بدلة سوداء يختفى وراءها طوال العرض وأكدت مخرجة العرض أنها استخدمت هذا الشكل من المسرح محاكاة للمسرح اليابانى الذى يستخدم هذا النوع من العرائس لكنها فضلت الاستغناء عن العروسة بوجود شخص حقيقى يختفى وراء هذه الملابس وكأنه عروسة يتم تحريكها بشكل آلى على المسرح وهو بالفعل سيكون الابن الذى سيصر على استكمال مشوار والده بعد انتحاره حين يكتشف فشل نظريته وأحلامه، قدم فريق العمل هذا العرض بمزيج من الحركة والرقص والغناء فجمع العرض بين متناقضات كثيرة الفانتازيا والكلاسيكية البهجة والإحباط، فالبطل يقوم بالتمثيل والغناء معا دون أن تشعر معه بأى حالة من الانفصال أو أن هذا الغناء دخيل على العرض، قدم العمل فى هارمونى وانسياب شديد بالجمع بين ذكريات الماضى والحاضر والرقص والغناء والتمثيل ثم هبوط وصعود الإيقاع بالحزن والمرح، فهو رجل يتأرجح بين الماضى والحاضر فى خياله ومع من حوله ويعيش حالة من الصراع النفسى والزمنى مع أبنائه ونفسه حتى ينتهى به الأمر إلى الانتحار وكراهية الحياة التى يرى أنه أفسدها عليهم فيتركها لهم كى ينتفعوا بمبلغ التأمين من بعده، وفى ظل هذه الأجواء يلعب الممثلون الأدوار بين الجد والهزل والغناء والحركة بمهارة فنية عالية لكن يؤخذ على العمل الطول المبالغ فيه حيث تجاوز الساعتين، وكذلك اعتماد المخرجة على العامية المصرية الركيكة بالترجمة فأدت إلى إثارة ضحك الجمهور فى مشاهد جادة وبالتالى لم تعبر الترجمة عن مواضع فنية كثيرة بالعرض فضرته أكثر ما أفادته، بسبب انفصال الجمهور فى مشاهد كثيرة عن خشبة المسرح!