الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تقرير لجنة تقصى الحقائق الإسرائيلية

تقرير لجنة تقصى الحقائق الإسرائيلية
تقرير لجنة تقصى الحقائق الإسرائيلية




لواء أح متقاعد/ محمد سالم الأهل

الخبير الاستراتيجى وزميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا

بعد الهزيمة القاسية لإسرائيل فى حرب أكتوبر 1973 أصدرت القيادة الإسرائيلية قرارا بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور «شمعون إجرانات» رئيس المحكمة العليا وعضوية موشيه لندا وقاضى المحكمة العليا والدكتور إسحاق نفتالى مراقب الدولة والجنرال بيجال أيادين والجنرال حاييم لاسكوف رئيسا الأركان العامة السابقين للنظر فى أوجه القصور التى تسببت فى هزيمة القوات المسلحة الإسرائيلية فى الجولة الرابعة وخلص التقرير إلى الآتى: (صدر التقرير فى أول إبريل 1974).
1 - إن مصر وسوريا فاجأت إسرائيل يوم السادس من أكتوبر الساعة 1400 (الثانية ظهرا) بالهجوم وذلك لأن القيادة الإسرائيلية العليا السياسية والعسكرية لم تقدر حتى ساعات الصباح من ذلك اليوم أن حربا شاملة على وشك الاندلاع.. وفى الصباح عندما أصبح واضحا أن الحرب سوف تشتعل فورا افترضت هذه القيادة العليا خطأ أنها تبدأ قبل الساعة 1800 (السادسة مساء) وتقع هذه الأخطاء الجسيمة فى التقديرات على عاتق شعبة المخابرات برئاسة الأركان العامة وعلى قسم الأبحاث الحربية إذ أخفقتا فى توفير الإنذار الكافى للقوات المسلحة الإسرائيلية عن نوايا العدو (مصر - سوريا).
2 - عندما أعلن رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية أن مصر وسوريا تزمعان شن الحرب فى الساعة 1800 مساء على الجبهتين الشمالية والجنوبية، لم يمكن هذا الإنذار القصير المدى أجهزة التعبئة الإسرائيلية من حشد الاحتياط بصورة منظمة، واقتضى العمل بسرعة التنفيذ بالجداول الزمنية مسبقة التجهيز وأدى هذا الخطأ الثانى إلى مزيد من الارتباك فى استعداد القوات الإسرائيلية النظامية على مختلف الجبهات وكذا الارتجال والعفوية فى نشرها فى المسرح وخاصة على جبهة قناة السويس.
3 - لقد كانت هناك فى الواقع ثلاثة أسباب جوهرية لهذا الفشل الجسيم انبعثت كلها من تمسكنا بذلك التصور الخاطئ والذى لم يكن هناك فى الحقيقة ما يبرره والذى يقضى بأن:
أ‌- مصر لن تشن حربا على إسرائيل إلا بعد أن تضمن لنفسها العمق خصوصا مطارات إسرائيل الرئيسية وقواعدها الجوية حتى تتمكن من شل سلاح إسرائيل الجوى بالدرجة الأولى.
ب- سوريا لن تشن هجوما شاملا على إسرائيل إلا فى وقت واحد مع مصر وطالما أن مصر لن تتوافر لديها القدرة الجوية على مهاجمة مطارات وقواعد إسرائيل فى العمق فإن سويا بالتبعية لن تجرؤ على خوض القتال.
ج- وتأتى هذه الأسباب فى الثقة المفرطة لدى جهاز المخابرات والتى لم يكن لها أساس فى قدرته على إعطاء الإنذار المسبق للتعبئة وثالثهما أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية فشلت فى تقدير المعلومات وتحليل حشود العدو على جبهتى القناة وسوريا بالحجم الذى لم يسبق له مثيل وراحت تؤكد أن كل هذه الإجراءات إنما هى استعدادات دفاعية من جانب سوريا وإجراءات مناورة الخريف المعتادة من جانب مصر وبهذا تمادى جهاز المخابرات الإسرائيلى فى الخطأ واستطاع العدو تضليل جيش إسرائيل ومفاجأته تحت قناع (مناورة الخريف المزعومة).
4 - لم تكن أخطاء جهاز المخابرات العسكرى الإسرائيلى هى الأخطاء الوحيدة التى أربكت تحركات جيش الدفاع الإسرائيلى فى بداية الحرب بل أضيفت إليها أخطاء فى استعداد الجيش خلال الأيام القليلة السابقة على السادس من أكتوبر أدت إلى:
أ‌- تأخير الاحتياط بصورة لا مبرر لها.
ب‌- إهمال إعداد خطة دفاعية مسبقة التحضير يصير اتباعها فى حالة الاضطرار إلى الاعتماد على القوات النظامية فقط فى هجوم العدو «مصر وسوريا» إذا ما نجحتا فى مفاجأتنا قبل أن تستكمل التعبئة لقواتنا الاحتياطية.
ج- قصور نشر القوات المدرعة على جبهة القناة وتقاعس قائد المنطقة العسكرية الجنوبية (سيناء) عن إصدار توجيهاتها إلى المرؤوسين بالقدر الذى يرشدهم إلى مهامهم التالية وتأهبهم لمواجهة الهجوم الأمر الذى ترتب عليه أن ساد الغموض أرجاء الجبهة كلها.
وفى رأى هذه اللجنة أن رئيس المخابرات العسكرية يتحمل كل المسئولية عن الخطأ الفادح جدا الذى ارتكبه جهاز المخابرات ولهذا السبب لا يصح أن يبقى فى منصبه بعد اليوم.
5 - كما توصلت اللجنة إلى اتفاق على أن رئيس الأركان العامة (الجنرال دافيد اليعازر) يتحمل بدوره مسئولية شخصية لما حدث عشية الحرب بالنسبة للخطأ فى تقدير الموقف والقصور فى تعبئة وحشد القوات المسلحة الإسرائيلية والإهمال فى وضع خطة منفصلة تكون معدة مسبقا لمقابلة أى هجوم تشنه مصر أو سوريا ضدنا على أساس تقدير واضح لقوات العدو وتأهبه ونواياه. لقد وثق رئيس الأركان العامة بصورة مبالغ فيها وبأنه سوف يحصل دائما على إنذار كاف لتعبئة الاحتياط وإذا ما أضفنا إلى ذلك التصور الخاطئ الذى لم يكن هناك فى الواقع ما يبرره وتلك الثقة المفرطة والمبالغ فيها فى قدرة القوات المسلحة الإسرائيلية على صد وتدمير أى هجوم عربى شامل ضدها على الجبهتين بواسطة القوات النظامية.
وإزاء هذا الإهمال والتصور نرى من واجبنا التوجيه بإنهاء تولى الجنرال دافيد إليعازر منصب رئيس الأركان العامة لإسرائيل.
د- وفى رأى اللجنة أيضا أن الجنرال شموئيل جونين قائد المنطقة الجنوبية «جبهة سيناء» لم يمارس سلطاته أو مسئولياته ويتحمل الجزء الأكبر من المسئولية عن الوضع الخطر الذى دهم منه العدو (مصر) قواتنا فى الجبهة الجنوبية فى يوم الغفران عندما بدأت مصر هجومها.
وينطبق على الجنرال شموئيل جونين نفس القرار الذى اتخذناه حيال رئيس الأركان العامة لإهماله وتقصيره قبل الحرب ويوم اندلاعها.
وتجدنا متفقون على اتخاذ القرار الخطير بإعفائه من منصبه.
6 - إن الحقيقة التى توصلت إليها اللجنة هى إنه حتى بدء إطلاق النار من العدو على امتداد جبهة القناة لم تكن القوات الإسرائيلية قد انتشرت أو اتخذت أوضاع المعركة بعد.. وعندما اشتعلت الحرب كانت قواتنا على مسافة بعيدة من خط انتشارها النهائى فى الأمام وعندما بدأت مدرعاتنا تتقدم نحو القناة اصطدمت بكمائن من مشاة العدو المسلح بالمدافع والصواريخ المضادة للدبابات كان أفرادها قد تمكنوا من اتخاذ مواقعهم بمهارة من دباباتنا فعطلوها وضربوها بشدة.. لقد أبرز الجنرال شموئيل جونين ذلك الأمر البائس بعدم نشر مدرعاته كما ينبغى وفى الوقت الملائم بخوفه من استثارة العدو ودفعه إلى بدء القتال دون تخطيط مسبق وقال أيضا أنه خشى أن يقصف العدو «مصر» دباباتنا قصفا مركزا بالمدفعية لو أنه نشرها مبكرا فى مواقع المعركة وفى رأينا أن هذه المخاوف لا تبرر بأى حال من الأحوال تأجيل نشر قوات المنطقة الجنوبية وهو خطأ فاحش ارتكبه الجنرال جونين وأدى إلى نتائج وخيمة جدا.
7 - كان يوم الغفران يوما حرجا على أى حال إذ واجه الجيش الإسرائيلى تحديا من أصعب التحديات التى يتعرض لها أى جيش نتيجة الوضع الخطير الذى كان قائما عندما بدأت الحرب وبسبب الأخطاء التى ارتكبت فى تلك الجولة والتى سبق تفصيلها.
مستخرج من التقرير الصادر عن لجنة إجرانات للتحقيق فى تقصير وأخطاء القيادة الإسرائيلية.
صدر فى القدس فى 1 إبريل 1974