الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفتاوى الشاذة خطر على المجتمع

الفتاوى الشاذة خطر على المجتمع
الفتاوى الشاذة خطر على المجتمع




طالب الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية- بضرورة وجود تشريعات لضبط الفتاوى الشاذة التى تؤثر على استقرار المجتمع ويجرم الإفتاء على غير المتخصصين لما للفتوى من دور فى استقرار المجتمعات أو اضطرابها، وقال فى تصريحات له لابد وأن تسود ثقافة علمية فى الأوساط العلمية، وألا يتصدر للفتوى إلا من هو أهل لها، وألا تكون هناك جرأة على الفتوى.
ووصف مفتى الجمهورية الفتاوى الشاذة بأنها خارجة عن نطاق الفتوى والمألوف، وأنها تربك المشهد، فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى بناء إنسان معطاء، يعطى بلا حدود، ولا نشغله بالتفكير والنقاش فيما لا يفيد ولا يجدي.
وأكد أن بعض هذه الفتاوى لا تستند إلى أساس صحيح، علاوة على أن هذه القضايا مربكة للمجتمع، وعليه فإن المتصدر للفتوى ينبغى أن ينظر إلى الآثار المترتبة على الفتوى التى يصدرها حتى لا تتسبب فى إحداث بلبلة أو ارتباك فى المجتمع.
وشدد على أن مسألة الفتوى صنعة فيها مهارة ودقة، وهى صناعة ذات ثقل فى المجتمع، فهى مؤثرة وتحدث تغييرًا فى المجتمع.
وأوضح أن بعض أسئلة المستفتين تحتاج إلى التمعن والنظر فى خلفيات السائل، وهذا يحتاج إلى دراسات يتدرب عليها المتصدر للفتوى، مؤكدًا أن دار الإفتاء حريصة على التدريب المستمر لمن يتصدر للفتوى وتستدعى من أجل ذلك الخبراء والمتخصصين.. مشيرًا إلى أن القضايا السلبية التى ظهرت فى المجتمع مؤخرًا ومنبهًا على علاجها فى إطار حكيم وعلمى مبنى على دراسات، لأنه فى شأن الفتوى لابد من البحث واستيفاء مآل الفتوى وهو جزء أساسى منها.
من جهة أخرى أكد د. شوقى علام مفتى الجمهورية أن من يقلل من قيمة وأهمية المذاهب الفقهية لا يعلم شيئًا عن هؤلاء العلماء الذين كانوا يكنون لبعضهم كل تقدير واحترام، وسيرتهم فى ذلك معروفة مشتهرة، كعلاقة أبى حنيفة ومالك، والشافعى ومالك، وابن حنبل والشافعي، فقد أخذ أبو حنيفة عن إبراهيم النخعى وأقرانه، وقد جمع أبو حنيفة علوم هؤلاء ودوَّنها بعد أخذٍ وردٍّ سديدين فى المسائل بينه وبين أفذاذ أصحابه فى مجمع فقهى من نبلاء تلاميذه المتبحرين فى الفقه والحديث وعلوم القرآن والعربية، وقد أسهم علماء الحنفية كمحمد بن الحسن الشيبانى فى تقعيد العلاقات الدولية كما فى مصنفاته «السير الكبير» و«السير الصغير»، ثم نشأ الإمام مالك فى بيئة تشتغل بعلم الحديث فتلقى عن سعيد بن المسيب والفقهاء السبعة وغيرهم، ثم جاء الإمام الشافعى الذى تفرد بكثرة الرحلات العلمية ولقائه مع المدارس الفقهية المختلفة، وكذلك حُمل الإمام الشافعى بعد مولده فى غزة إلى مكة وهو ابن عشر سنين ليستقر هناك ويتثقف بثقافة أهله وذويه، وكان مغرمًا بالعلم منذ نعومة أظفاره، وروى الموطأ عن مالك ولزمه يتفقه عليه، ثم درس فقه العراقيين وقد أخذت شخصية الشافعى تظهر بفقه جديد، حيث عاصر ظهور المذهبين الحنفى والمالكى وترتيب أصولهما وفروعهما فنظر فى صنيع المذهبين واستفاد منهما، ثم كوَّن لنفسه منهجًا آخر يتوافق مع ما وصل إليه الوضع العلمى فى زمنه من توثيق للأحاديث وجمع كثير من النقول عن الصحابة والتابعين، فأسس الأصول الخاصة بمذهبه واجتمع عليه الفقهاء ونشروا بعد ذلك مذهبه فى مختلف الأقطار. ثم نشأ بعده الإمام أحمد بن حنبل فى بغداد وتتلمذ على يد الشافعي، وهو إمام حافظ صاحب سنة وصاحب روايات وله مذهبه المعتد به والمعتبر فى مشارق الأرض ومغاربها.
وأشار المفتى إلى أن كل هذا التسلسل من الأئمة والتابعين ثم الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤكد مدى اتصال هذه المذاهب وتراثها الفقهى بالمنهج النبوي. وهذه الخلفية عن أئمة المذاهب الفقهية تؤكد لنا بما لا يدع للشك مجالًا كيف أن تقليد مذاهبهم ليس فيه مخالفة للكتاب والسنة، بل إنه الطريق الصحيح للسير على منهج الكتاب والسنة، فهذه المذاهب حظيت بعناية علمية شديدة، ساهمت فى تأصيل وحفظ علم الفقه وإثرائه باجتهادات علماء هذه المذاهب على مر العصور، فلا يجوز بحال أن يدعِيَ مُدَّعٍ بأن تقليد هذه المذاهب يُعَدُّ خروجًا عن الطريق الصحيح لتلقى علوم الشرع الشريف.
وأضاف: «إن التجربة أثبتت على مر القرون أن من يطالع الجهد الذى بذله هؤلاء الأئمة فى بيان أحكام شرع الله ليدرك كم يجب علينا أن نحفظ مذاهبهم ونعتنى بها وننتسب إليها، ولماذا ندعو الناس إلى ذلك. إن هذه المذاهب حفظت لنا الدين وحملت عنا عبء طول النظر والاستدلال الذى يستغرق سنوات وسنوات من الجهد المضنى والتعب الشديد، وحفظت علينا العبادات والمعاملات وكل شؤون الحياة نؤديها ونحن مطمئنون إلى صحة ما ورد إلينا من أقوالهم فيها مع ما اشتملت عليه من اختلاف فى طرق الاستدلال وتباين وجهات النظر، وكل هذا لا يمنع من التفاعل مع ما يقع من حوادث ومستجدات، فهذه المذاهب تركت لنا المناهج التى تتيح لنا التعامل مع الواقع وفق مراد الشرع الشريف، إن عقلية المذاهب والمدارس الفكرية مهمة جدا، صغرت تلك المذاهب والمدارس أو كبرت؛ لأنها تنشئ فكرًا منتظمًا متسقًا له غايات واضحة على مدى زمنى طويل، فتحقق تراكمًا وإنجازًا علميا، وتمكن من المراجعة والتقويم باستمرار، مما يمنح هذه المذاهب والمدارس مكانة وإمكانية فى التعامل مع النصوص الشرعية والوقائع الحادثة بالمجتمع».
وشدد قائلًا: «ومن العسير على النفس - فضلًا عن الواقع العملى - التفريط فى هذا التراث العلمى المتراكم عبر القرون بدعاوى حرية الرأى والتفكير، وعلى الجميع أن يطالع هذه الكتب الفقهية من أمهات الكتب ليدرك حجم الجهد المبذول فيها».