الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«علم الدين» لـ«على مبارك».. المقارنة بين حضارة الغرب والشرق

«علم الدين» لـ«على مبارك».. المقارنة بين حضارة الغرب والشرق
«علم الدين» لـ«على مبارك».. المقارنة بين حضارة الغرب والشرق




كتب – خالد بيومى

يعد على باشا مبارك «1824- 1893» علم من إعلام القرن التاسع عشر، قضى حياته عالما ومعلما وسياسيا وإداريا وأديبًا وصانع تاريخ ومؤرخ، وهو صاحب فضل على كل عربى يعيش فى عصرنا بما أدخله من صناعات وعلوم لم تكن موجودة، حيث أنشأ الدواوين، ونظم عمليات الريّ، وبنى القناطر، وألف الموسوعات الضخمة مثل «الخطط التوفيقية»، وخلاصة تاريخ العرب، وآثار الإسلام فى المدنية والعمران. وقد أنشأ مدرسة دار العلوم كخطوة على طريق تحديث العقلية المصرية، كما أنشأ دار الكتب فلم يكن لديه ميزانية لتأسيسها، فدشنها من فوائض ميزانيات المدارس، وأعجب الخديوى إسماعيل بالمشروع ودعمه، وبذلك أنقذ على مبارك الكتب من أيدى نظار يجهلون قيمتها.
وأنشأ كوبرى قصر النيل للربط بين الجزيرة وقصر النيل، وأنشأ الطرق وفرشها بالأحجار الدقيقة لمنع الأتربة، وعمل وابور ماء لتنقية ماء النيل للشرب، والعناية بشوارع القاهرة وإضاءتها بأعمدة الإضاءة الغاز. ولم يكن على مبارك ينفذ هذه المشروعات بحكم إشرافه على ديوان الأشغال أى كمسئول تخطيط، بل كان يشارك فى وضع الخرائط والتصميمات ومتابعة تنفيذها مع المقاولين.
وقد مثل على مارك الاتجاه المكمل - لا النقيض- لاتجاه رفاعة الطهطاوى فى تطوير التعليم، فقد أدرك الطهطاوى حاجتنا إلى العلوم المعروفة عند الغرب، فاختار منها ما تيسر له اختياره من دراسة وترجمة فى العلوم الاجتماعية والدستور والقانون ودوره فى تأسيس مدرسة الألسن. أما على مبارك فاختار دراسة العلوم بالمعنى العلمى وهى مجموعة المواد التى درسها فى «المهندسخانة»، ثم فى بعثته وقراءاته ومؤلفاته.
أما كتابه «علم الدين» فطبع بالإسكندرية عام 1882 عقب الاحتلال البريطانى لمصر بشهور قليلة ويقع فى أربعة أجزاء فى نحو ألف وخمسمائة صفحة، ولهذا الكتاب أهمية خاصة بين مؤلفات على مبارك، لأنه يعقد مقارنة بين حضارة الغرب فى فرنسا وحضارة الشرق فى مصر.. كذلك تبرز قيمة الكتاب فى تطور النثر العربى؛ لأنه النموذج الرائد لأول عمل أدبى عربى حديث يظهر فى شكل حوار روائى» ديالوج»، كما يخلو الكتاب من أثقال المحسنات البديعية من سجع وجناس التى كانت سائدة فى عصره.
كما يقدم الكتاب رؤية لتطوير التعليم فى لغة أدبية رصينة فى شكل فنى جديد ومتميز هو فن القصة... لكى يتمكن من جذب القراء، فاختار شخصية عالم أزهرى هو» الشيخ علم الدين» وشخصية غربية «الخواجة الإنجليزي» والرابطة التى تجمعهما «تحقيق كتاب لسان العرب «الموجود فى عاصمة بلده. هذا هو الإطار السببى لتوجه الشيخ علم الدين وابنه برهان الدين إلى بلاد الغرب، وهو المبرر المنطقى لنقل تجربة على مبارك نفسه فى بعثته بأسلوب فني.
ويعد «علم الدين» خطوة فنية أكثر تقدمًا من كتاب الطهطاوى «تخليص الإبريز فى تلخيص بارى» فالطهطاوى حكى بأسلوب مباشر رحلته إلى الغرب، وقارن بين الحضارتين، أما كتاب على مبارك فتميز بأمرين: الأول أنه لم يقف عند تجربة المسافر التى تقوم على المشاهدة والوصف بل تجاوزها إلى «تعليم» ما استجد من علوم من خلال سرد مشوق كلما سنحت الفرصة خلال مجريات الرحلة، والأمر الثانى أنه وضع هذه المعرفة فى قالب فنى هو القصة وبذلك أدخل فن القصة إلى النثر العربى من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أضاف إلى ثقافتنا المعرفة بالعلوم التى كنا نجهلها.
ويضم الكتاب مئة وخمسًا وعشرين مسامرة «فصلًا» تشمل فروع المعرفة المختلفة من دينية وأدبية وعلمية فى علوم الأرض والبحار والنبات والحيوان والحشرات، والطب والدواء، والرياضيات، وعلم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا، إلى جانب ما تضمنته من تعريف بالصناعات وبعض مستحدثات المدنية الغربية كالبنوك والبورصة والمسرح أو ما أطلق عليه الاسم الفرنسى معربا» التياترات».
ولم يكتف على مبارك بنقل ما أدهشه فى الغرب من علوم ومخترعات، لكنه تحدث عن فضل العرب فى تأمين فنون الملاحة وعلومها باختراع آلات الملاحظة وتحديد الاتجاه» الإبرة المغناطيسية»، وعن ثراء اللغة العربية بالأسماء والمترادفات التى لا تدل على مسمى واحد، بل على أحوال المسمى ودرجات الاختلاف فيها مما يعكس دقة المعنى اللغوى وثراء اللغة ذاتها.