الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد عبدالمنعم رمضان: السينما والرواية وجهان لعالم واحد

أحمد عبدالمنعم رمضان: السينما والرواية وجهان لعالم واحد
أحمد عبدالمنعم رمضان: السينما والرواية وجهان لعالم واحد




حوار - إسلام أنور

فى روايته «رسائل سبتمبر» الصادرة عن دار «توبقال المغربية»، يخوض الروائى المصرى الشاب أحمد عبد المنعم رمضان تجربة مختلفة، يتعامل فيها للمرة الأولى مع دار نشر غير مصرية، فضلًا عن مساحة التجريب داخل الرواية عبر عالم مغاير من «الديستوبيا» يعيشه بطل الرواية فى قاهرة ما بعد الثورة.
يطرح «أحمد» عبر روايته العديد من الأسئلة عن الموت والذاكرة والتاريخ والواقع والخيال والذاتى والعام، عبر بناء سردى ممتع لا تطغى فيه تلك الأسئلة على حيوات الشخصيات وثرائها الإنساني، حول هذه التجربة ورحلته مع الكتابة والعمل كطبيب دار معه هذا الحوار.

■ هناك العديد من الكتب والروايات تناولت أحداث الثورة بعضها حقق نجاح ًالحظيًا كبير وكثير منها فشل لماذا أخترت أن تدور أحداث روايتك عقب الثورة؟
- كان السؤال الذى يطاردنى ويطارد زياد الشافعى، الشخصية الأساسية فى الرواية، متعلقا بقيمة الحياة وأهميتها، ظننت أن هذا السؤال أصبح أكثر إلحاحا بعد الثورة، حيث أصبح القتل فعلا اعتياديا، يدور فى الشوارع وملاعب الكرة والميادين وعلى الحدود وفى المظاهرات بشكل شبه يومى، هذا التواجد المكثف لعزرائيل فى مصر بعد الثورة على يد جنوده المنتشرين فى كل المراكز والأماكن جعل هذا التوقيت مناسبا جدا لشخص يتساءل عن قيمة الحياة، عن ماهيتها، وعن مدى عبثيتها.
■ فى ظل المتغيرات الكبيرة التى نعيشها برأيك إلى أى مدى يمكن للأدب أن يوثق لهذه المرحلة ؟
- أعتقد أن كتاباتنا، أنا وأغلب جيلى ومن عايشوا الثورة، ستظل لسنين طويلة مسكونة بروح يناير، مهتمة برصد بعض من محطات الثورة وتقلباتها، ورصد انعكاساتها على شخصياتنا أو على المجتمع ككل، ستظل ثورة يناير فى خيالنا تجسيدًا للحلم وللألم، وستظهر بين حين وآخر فى ظلال ما نكتب أو على خلفيته.
 نُشرت بالفعل بعض المحاولات الأدبية الشغوفة بالتوثيق للثورة، من خلال تجارب شخصية أو عبر الاهتمام بالتأريخ للأحداث، قرأت بعضها، ولم أجدها موفقة من وجهة نظرى، ربما كان عليهم الصبر حتى نبتعد بعض الخطوات عن قلب الحدث وسخونته لتكتمل الصورة فى خيالهم. أظن أن توثيق الثورة أدبيا سيحدث ولكن من خلال عدد كبير ومختلف من الأعمال، ولن تتم الصورة الكاملة له إلا بعد سنين طويلة.
■ داخل الرواية تظهر هناك إشارات لروايتك السابقة لـ(رائحة مولانا) وكذلك أحد الشخصيات اسمه أحمد عبد المنعم كيف ترى التقاطعات بين الذاتى والروائى داخل العمل؟
- يقول «بول أوستر» فى أحد حواراته أنه جاء على ذكر ووصف كل الأماكن والبيوت التى تنقل بينها وعاش فيها، وهى كثيرة، ضمن رواياته، فإذا تتبعت الروايات قد ترسم خريطة أو خطا متخيلا لحياته. الكتابة بالنسبة لى هى النقيض التام للتمثيل، فالممثل يتخفى وراء صور الشخصيات التى يلعبها والأقنعة التى يلبسها، بينما يحب الكاتب التعرى، يهتم بإظهار كل ما لديه، كل أفكاره، تفاصيل حياته وجوانب شخصيته، فينفث من روحه فى الشخصيات، يعطيها من أفكارها، يسبغ عليها ملامحه ويغذيها بقصصه، فالكتابة فعل مغرق فى الذاتية والشخصية، حتى وإن بدا غير ذلك.
■ التقنيات السينمائية حاضرة بقوة فى المونتاج والقطع والبناء الذى يشبه السيناريو ما سر هذا الشغف بالسينما وكيف ترى علاقة الصورة بالكلمة؟
- دائما ما تؤثر الفنون المختلفة فى بعضها البعض، وبالأخص السينما والرواية، حيث أنهما متقاربان أكثر من غيرهما، أكثر من الشعر أو الموسيقى أو الفن التشكيلى، ولذا ستظل العلاقة بين السينما والرواية محل تساؤل ودراسة وبحث.
فى مراهقتى تمنيت أن أكون مخرجا سينمائيا، ومنذ ذلك الحين تولد لدى الشغف بالسينما وعوالمها. كنت أرى أن المخرج المبدع نصف إله، يصنع عالما كاملا بكل تفاصيله، يبنى واقعا ويتحكم فى المصائر والمشاعر. أردت أن أجلس على ذلك الكرسى وأدير الكون كما أريد ولو لساعتين، أن أصنع دنيا مختلفة عن دنيانا، ولكنى جبنت أمام مكتب التنسيق وأخترت طريقا أكثر تقليدية، حتى تبين لى أثناء دراستى فى الجامعة أننى قد أبنى واقعى المتخيل وأن أخلق عالما مغايرا على الورق، وجدت مبتاغى فى القصص والروايات، وشرعت فى تدشين عالم مختلف يناسبنى ويخصنى.     
■ تعمل كطبيب وتكتب عن السينما بالإضافة للكتابة الأدبية كيف ترى هذه العوالم المتنوعة وما الذى وجدت فى كلًا منهم ولم تجده فى الآخر؟
- السينما والرواية وجهان لعالم واحد، أما الطب فهو عالم مختلف وبعيد، عالم مؤلم وشديد التعقيد، ولذا فأنا أسعى للهرب منه عبر الأفلام والقصص. ربما للسبب نفسه تقع كتابتى فى مساحة بين الواقع والخيال، فعملى فى الطب يمثل علاقتى بالعالم الواقعى، بينما تُغذى السينما والأدب الجانب الخيالى والجمالى فى وجدانى، ليمتزجا معا فيما أكتب.
■ تنوعت أعمالك ما بين القصة  القصيرة والرواية ما الذى يميز كلًا منهما وهل روادتك رغبة كتابة الشعر خاصة وأن والدك شاعرًا ؟
- أغلب كتاب النثر يتنقلون بين الرواية والقصة عبر حياتهم،  وأسمح لى أن أكرر لك ما قلته فى حوار سابق من سنين، وهو أننى أعتقد أن كل منا هو إما روائى وإما قاص، وينتقل تحت سطوة فكرة معينة أو هاجس محدد إلى العالم الآخر حاملا معه أدواته الأصلية، فيكتب الرواية بروح القصة أو القصة بطعم الرواية.. الروائى ينظر إلى العالم نظرة بانورامية، أما القاص فينظر بتقنية الزووم، يرصد تفاصيل لقطة صغيرة ويفصصها، حتى تعكس لك قصته الصورة الأشمل والأعم، فتكشف التفاصيل ما قد تعجز الصورة البانورامية عن كشفه رغم اتساعها.
الروائى والقاص مختلفان حتى وإن تبادلا المواقع، مختلفان حتى فى نسق حياتهما وتعاملهما مع الكتابة، فالروائى أكثر التزاما، أكثر احترافية، يجلس إلى مكتبه فى ساعات معينة، يغالب ملله ويستخدم خبرته ليتم مشروعه الذى يتخيله، ولكن القاص أكثر عشوائية، يعتقد أنه كالأنبياء، يوحى إليه، يستجيب لأفكار سريعة خاطفة ويبثها وهى تتدافع داخل عقله، فيجرى وراء الكلمات وتلاحقهما الأفكار، يلهث، تتقطع أنفاسه، ويقضم على أظافره.
أما بالنسبة للشعر، فلا أفكر فى كتابته، أولا لأننى لا أملك الموهبة والأدوات اللازمة، وثانيا للسبب نفسه الذى ذكرته فى سؤالك، لأن والدى شاعرا.
■ الرواية صدرت عن دار نشر مغربية كيف كانت هذه التجربة ولماذا أخترت التعامل مع دار نشر غير مصرية؟
- ترددت طويلا قبل أن أُقدم على تلك الخطوة، كنت أفكر فى أثر النشر فى المغرب على توزيع الرواية فى مصر، ولكنى تذكرت أن أغلب الدور المصرية لا توزع كتبها بشكل مرض فى بلدها الأصلى، ولا تبذل مجهودا فى تسويقها والدعاية لها، ولا تحب الروايات القصيرة، وبالتأكيد لا تحب القصص القصيرة أو الشعر، وتستنفذ الكاتب، عصبيا وماديا إن أمكن، فهربت إلى المغرب، وكان مغريا أن أنشر فى دار عريقة مثل توبقال، نشر فيها كتاب كبار مثل «محمود درويش وأدونيس وعبد الفتاح كيليطو»، وكذلك أحمد فؤاد نجم وسعيد الكفراوى وعبد المنعم رمضان من مصر. أنا سعيد بتلك التجربة فى مجملها.