الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أوريجانوس المظلوم من الكنيسة القبطية

أوريجانوس المظلوم من الكنيسة القبطية
أوريجانوس المظلوم من الكنيسة القبطية




بقلم: رياض فارس

 

من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حرم أوريجانوس، فهناك من الآباء البطاركة والقديسين والمفكرين من عارضه البابا ديمتريوس (12) الذى حرمه فى مجمع الإسكندرية الذى انعقد عام 231 ميلادية، والذى أشار إليه يوسابيوس وايرونيموس اللذان قررا أن هذا الحرم لم يتوقع على هرطقة أو بدعة بدليل أن جميع الفلاسفة المعاصرين لم يعتدوا بذلك الحرم إلا فى حبرية البابا ديمتريوس فقط، حسب ما ذكر فى كتاب الهرطقات ص 43 (لأنه لا صحة لما دونه بعض الكتاب من أن الحكم الذى أصدره ديمتريوس ضد أوريجانوس قد بقى معمولا به فى أيام خليفية ياروكلاس وديونسيوس).
كما أننا نجد البابا ثاؤفيلس (23) الذى كان من أشد أنصار أوريجانوس وكان مشاركا مع الأخوة الطوال فى مخاصمة ابيفانيوس أسقف قبرص لاعتبار أوريجانوس هرطوقيا غير أنه انقلب على أوريجانوس عندما وقع خلاف بينه وبين الأخوة الطوال. ومنهم من سانده البابا ياروكلاس (13) والبابا ديونيسيوس (14) الذى كتب رسالة تعزية له يصبره فيه على ما نزل به وأن اسمه سيظل محبوبًا ومحترمًا إلى الأبد ويدعوه للعودة إلى مصر وطنه ليستأنف جهاده.
كان أوريجانوس ذا شخصية مرموقة لا يختلف عليها أحد فليس هناك أى طعن فى أخلاقه بل أجمع الكل على طهارة ثيابه ونزاهة نفسه، أما فيما يتعلق بآرائه الفلسفية المسيحية التى أثبتها فى مؤلفاته فقد اختلف اللاهوتيون عليها فالبعض نسبها إلى الأرثوذكسية والبعض الآخر نسبها إلى الفلسفة الأفلاطونية.
 افتراءات لا دليل عليها
أما فيما ادعاه خصومه أن معظم أخطاء اوريجانوس اللاهوتية واردة فى كتابة (المبادئ).
ما هى إلا افتراءات للنيل منه والدليل على ذلك ما أورده فى مقدمة هذا الكتاب من وجوب نبذ اكثر ما يقوله أساتذه الفلسفة اليونانية لأنهم ينشرون آراء كثيرة فاسدة، فقد كان اوريجانوس دائما يحذر تلميذة غريغوريوس صانع العجائب من الرجوع فيما يختص بالدين إلى الفلسفة البشرية وبالتالى فهذا الإدعاء لا يرقى إلى مستوى الإدانة.
والواقع أن هذه التعاليم الفاسدة ليست موجودة فى مؤلفات اوريجانوس ولم تظهر إلا فى الترجمات اللاتينية التى وضعها من بعده روفينيوس الاكويلى الذى أقر فى مقدمة كتابه «إنى لم اتصد إلى إصلاح عبارات أوريجانوس إلا بقصد تهذيبها». إلا أن هذا الإصلاح المدعى به قد أدخل على تلك المؤلفات القيمة عبارات فاسدة ما دعا انسطاسيوس البابا الرومانى إلى توقيع الحرم على ترجمة روفينيوس اللاتينية وليس على الأصل اليونانى.
ولا نخطئ إذا قلنا أن ما قرره اوريجانوس من المبادئ الفلسفية الأفلاطونية لم يكن غريبًا عن المسيحية أو مناقضًا له والدليل على ذلك الرسالة التى بعث بها للقديس غريغوريوس صانع العجائب والتى جاء فيها: «كما أن العبرانيين قد صنعوا بذهب المصريين وبفضتهم تابوت العهد والكاروبين وأوانى المذبح كذلك يجب علينا نحن المسيحيين أن نصنع بفلسفة اليونان، الأخطاء اللاهوتية المدعى بها».
 اتهامات مردود عليها
العجيب أن خصوم اوريجانوس قد وجهوا له أكثر من اتهام على سبيل المثال (أن الارواح تتقمص ــ أن الشياطين والهالكين يخلصون ــ أن نفس المسيح خلقت واتحدت باللاهوت وذلك قبل زمن التجسد) مع أن هذه التهم مردود عليها فى ذات الكتاب والكتب الأخرى، وبالتالى فطالما أن هناك خصومًا لأوريجانوس وأصدقاء له مساندين من الكنيسة القبطية إذن فالتهمة ليست ثابتة أو واضحة عليه خاصة أن المساندين له يعتبرون من الشخصيات التى لا جدال فى صحيح عقيدتهم الأرثوذكسية مثل البابا ديونيسيوس (14) وتيوسيستوس اسقف فلسطين، والكسندروس أسقف أورشليم وغريغوريوس صانع العجائب وأخوه، والقديس غريغوريوس النزنيزى والقديس باسيليوس الكبير وغريغوريوس أسقف نيصص الذى كان يدعو اوريجانوس (أمير الفلسفة المسيحية) والقديس ديديموس الإسكندرى الضرير الذى اشاد بكتاب المبادئ قائلا (إن هذا المؤلف لهو أرثوذوكسى المبنى والمعنى أما الذين يرون فيه هرطقة فقاصرون عن ادراك مكتوب أسراره).
ومن الشخصيات المساندة لأوريجانوس القديس اثناسيوس الرسولى الذى رفع شأن كتاب المبادئ ورفع عنه كل تهمة، وأيضًا يوحنا ذهبى الفم الذى لم ير له معلما عدا اوريجانوس، والذى حرمه البابا ثاؤفيلس البطريرك 23 بسبب صداقته لأوريجانوس، والذى أعاد له مكانته ابن أخته البطريرك كيرلس الإسكندرى وأحله من الحرم بعد موته فى المنفى، وهذا يؤكد لنا أن سلطة الحرم التى وردت على بعض الشخصيات الكنسية إنما كانت تميل إلى الميول الشخصية للبطاركة وليست إلى الواقع.
فإذا كانت الاتهامات الموجهة لأوريجانوس غير متفق عليها من آباء الكنيسة فى عصره وفى ظل وجود مؤلفاته فى القرنى الثانى والثالث فليس من العقل أن ندينه ونحرمه لمجرد ادعاءات بلا دليل ومع فقدان معظم تلك المؤلفات، وبالتالى هل نحرم من حارب البدع بناء على تكليف البابا ديمتريوس؟
 تساؤلات جوهرية
هل نحرم أوريجانوس بدون الرجوع إلى مؤلفاته؟ وكيف نفسر موقف الآباء البطاركة الأرثوذكسيين أصدقائه؟
أسئلة تطرح نفسها بالنظر فى حرم هذا العلامة الذى كان له الأثر الأول فى نشر التعاليم المسيحية بشكل جديد ومحاربة البدع والهرطاقات داخل وخارج مصر وتأسيس المدرسة الفكرية الرمزية فى تفسير الكتاب المقدس والتى تميزت بها مدرسة الإسكندرية حينئذ عن مدرسة أنطاكية.
الكنيسة القبطية لديها من السوابق فى رفع حرومات أقامها بطاركة على شخصيات مثل:
1- الحرم الذى حرمه واوقعه البابا ثاوفيلس 23 للقديس يوحنا ذهبى الفم، والذى رفعه البابا كيرلس الإسكندرى (24) بمجرد جلوسه على الكرسى المرقسى.
2- الحرم الذى حرمه البابا كيرلس الخامس للأنبا إيسيذورس ورفعه الأنبا يؤانس التاسع عشر وبالتالى فالحرومات هى اتجاهات شخصية يمكن للكنيسة أن تراجع نفسها بشأنها.

ضرورة المطالبة برفات أوريجانوس
عيب علينا أن نتنازل عن رفات شخصية مؤثرة فى الكنيسة القبطية مثل اوريجانوس والذى أثرى الكنيسة بمؤلفاته وتفاسيره للكتاب المقدس بعهديه وشروحاته الرمزية له ودفاعه عن الفكر الأرثوذكسى والحفاظ عليه من الأفكار الفلسفية الوثنية أيا كانت ألقابه قديس أو علامة فهو مصرى يتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. فى الوقت الذى كرمته فيه مدينة صور التى دفن فيها تحت مذبح فى قبر مزين بالرخام منقوش عليه عبارة (هنا يرقد أوريجانوس العظيم).