الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وداعا «ورد الصمت» محمد أبوالمجد

وداعا «ورد الصمت» محمد أبوالمجد
وداعا «ورد الصمت» محمد أبوالمجد




كتبت- مروة مظلوم

«لا أنام.. إنما تنضم أجفانى لأراك».. بضع كلمات ودع بها الشاعر محمد أبو المجد عالمنا، وكانت آخر ما كتب على مواقع التواصل الاجتماعى قبل وفاته بساعات قليلة، شاعر موهوب عرقلت إنسانيته مسيرته الشعرية فظل يدعم الإبداع ويضيء طريق مبدعيه حتى نسى أو تناسى تجربته الخاصة، وما إن تنبه إلى كونها الأصدق كان القدر فى حياته الأسبق .. فكلمة الراحل سبقت كلمة  المبدع.
قال الشاعر والناقد شعبان يوسف عن أبو المجد «فقدت صديقى العزيز وهو أعز أصدقاء من عرفوه، علاقتى به كلها مودة يتخللها بعض العمل، فقد صدر لى فى الثقافة الجماهيرية ثلاثة كتب كان يتابع الكتب باهتمام أكثر من المؤلف نفسه، فيحرص على أن تكون الكتب مدققة وإخراجها أنيق.. فضلا عن كونه شاعرا موهوبا، ربما عطله شعريا انشغاله بالعمل العام  واهتمامه بالآخرين، بالرغم من عمله الطويل فى الوسط الثقافى إلا أنه إنتبه منذ عام تقريبًا إلى تجربته الشعرية والتى بدأها بديوانه «ورد الصمت عام 1995» أعقبه بست سنوات ديوان «فقط يعوزه الحزن» وكان ينوى نشر الدواوين تباعا مؤخرًا لكن القدر لم يمهله واستبق اصدارها بحادثه الأليم .
كذلك الحال بالنسبة لموهبته فى الأداء الإذاعى والإعلامى  فقد أعد وقدم أبو المجد برنامجًا ثقافيًا وشعريًا فى البرنامج الثقافى، وقد أهله لذلك بدايته فى الشعر العربى وثقافته الموسوعية وقدرته على تحليل النص الأدبى .
وعن عرقلة مسيرته كشاعر قال أبو المجد فى حوار سابق له: «لم أتمكن طيلة عشرة أعوام عملت فيها مسئولا أن أصدر أعمالى الشعرية والنقدية اللهم إلا ديوانًا واحدًا على نفقة الناشر (دار ميريت)، وتعطّل لى خمسة دواوين، ومسرحية شعرية، وكتاب نقدى عن الشعر. تأجّل إصدار دواويني، لكننى تبيّنت فى نفسى مناطقَ قدراتى الإدارية، ولم أستطع أن أخلص نفسى من ربقة المسئولية إلا نادرًا، وعملت فى هذه المناصب بالشكل الذى يرضى ضميرى تماما عندما يُطلب منى تركُ العمل فى أى وقت.
وأوضح ابو المجد (رحمه الله ) تفاصيل تجربته الشعرية الأولى  فقال: «خرجت تجربتى الأولى فى ديوان «وِرد الصمت» (1995) من مظلة القصيدة التفعيلية محتميةً بتجريبية ما حسب ما أتصور اتكأت على دلالة الصورة الكلية ولغة الوعى الصوفى. وفى الديوان الثانى (فقط يُعوِزه الحزن ــ 2001م) جرّبْت توظيف السردية أفقًا للنص الشعرى الذى يتجاوز السردية إلى أفضية الشعر، وكنت على وعى يحرضنى على أن أستدعى من المعرفى ما يقيم بنيانا شعريا لتجاربى الإنسانية (حتى لو كانت ذاتية) ولا أتخيل أن التجريب فى الفن يستنهض مبررًا ما ليثبت من خلاله أحقيته بانتسابه إلى فن بعينه، وإنما تصبح التجربة فى صورتها النهائية شاهدة إمّا للشاعر وإمّا عليه، فالجماليات التى ربما نظنها راسخة بما يحفظ للإبداع صورته وحيويته، تصبح هى ذاتها أحد أدوات تقويض هذا الإبداع لا دفعه إلى آفاق مستقبلية
ويروى لنا الشاعر سعد عبد الرحمن الرئيس الأسبق للهيئة العامة لقصور الثقافة مشواره مع  صديقه الراحل محمد أبو المجد فيقول: «تعرفت إليه فور نزولى إلى القاهرة قادمًا من الصعيد فقد قرأت له نصوص شعرية وأخبار كشاعر وأديب وزميل فى ديوان الهيئة العامة لقصور الثقافة، عندما تركت الهيئة العامة أيدت قرار د.أحمد مجاهد وعززت إختياره لمحمد أبو المجد مديرًا عامًا للثقافة العامة، فقد نجح أبو المجد فى جميع المواقع التى شغلها، فقد كان شخصا محبوبا دمث الخلق عرف عنه  اهتمامه بالخدمة العامة للمثقفين بشكل عام والأدباء بشكل خاص بحكم إبداعه الشعرى وقربه منهم تمنيت أن يمهله القدر لاستئناف مشاريعه الثقافية وتجربته الشعرية فقد كان تجسيدًا حيًا لوصف الفارس النبيل محمد أبو المجد.
ويصف الشاعر أشرف عامر، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الراحل محمد أبو المجد
 فيقول: «شخصية شديدة التهذيب والأخلاق والوعى الكامل بشئون الحياة وحركتها الغير المتقلبة، عندما شعر بظلم وقع عليه اختفى من المشهد دون أن يحدث ضوضاء لإنه يؤمن بأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة رجل لا يتفق الناس على اثنين تهذيبًا وخلقًا إلا وكان محمد أبو المجد واحدًا منهم، آخر حوار جمعنى به أخبرته عن حاجتى إليه كمستشار وطلبت منه العودة إلى بيته فى هيئة قصور الثقافة، وكنت أعد العدة لموقع يناسبه داخل الهيئة لكن القدر كان أسبق فى قراره
الشاعر وكاتب المسرح والمحقق، فالشاعر محمد أبوالمجد.
أبو المجد  لم يمنعه عمله الإدارى لسنوات طويلة من أن يبدع فى مجالات شتى، فهو الشاعر وكاتب المسرح والمحقق، فالشاعر محمد أبو المجد الذى انتقل من القصيدة التفعيلية إلى القصيدة النثرية لا يعول كثيرا على التقسيمات المتداولة للنص، بقدر ما يسعى لحالة شعرية تخصه، حول مكابدات الواقع الثقافى وهمومه وكان الشاعر ذو الثقافة الموسوعية له رؤية خاصة  للمشهد الثقافى فى مصر  بشكل عام وفى الحركة الشعرية بها على وجه الخصوص إذ دعا إلى التفاف الشعراء المصريين حول المقول الشعرى الذى أنتجته الحركة الشعرية المصرية خلال الأعوام السبعين الأخيرة، وأخص النماذج اللافتةَ منه، حتى لو كانت نصًّا واحدًا لشاعر. وهدف دعوته هذه إعادة اكتشاف الذات الشعرية المصرية، بدلًا من ممارسة جلد الذات، أو السادية ضدها.
ورأى أن الأدب بشكل عام، وعلى المستوى العالمى سيحتفظ بقدرة هائلة ربما لعشرات الأعوام القادمة على الفوز فى صراع التنافس الصاخب بين وسائط التعدد الإعلامى (الميديا) وستكون له القدرة على إحداث التغيير الفارق فى الوعي، وفى التحولات النفسية. وذلك لأن التحولات الكبرى فى التاريخ  تطلع من جوهر الفن الحقيقي: التصوير، والأدب، وقبلهما الفلسفة، وكل فن منها ينضوى على مجموعة هائلة من الأفكار أو الإيحاءات القادرة على مخاطبة الوعى والضمير والروح، وهذه القدرة هى التى تحرّك القلةَ ذات الإمكانات المستطيعة تحريك الرأى العام، فلا يوجد تحركٌ جماهيري، لأى سبب، إلا على خلفية معرفية أو تبنيًا لفكرة.