الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الموالد القبطية: حالة من التمرد والتحرر والاحتفال بالحياة

الموالد القبطية: حالة من التمرد والتحرر والاحتفال بالحياة
الموالد القبطية: حالة من التمرد والتحرر والاحتفال بالحياة




بقلم: بيشوى فخرى  

علينا أن نعرف أن الموالد هى احتفالات مصرية أصيلة انتقلت للمسيحية والإسلام تباعًا، إذ احتفظت بها الشخصية المصرية عندما كان المصرى القديم يحتفل بالمعبود المحلى له فى أقليمه المصرى، ثم انتقل الاحتفال والتبرك من المعبود الشعبى إلى تقديس رجال الله المنتقلين انطلاقًا من توقير المصرى للحياة الأخرى ومهابته للاتقياء.. وقد يرى البعض أن كلمة «مولد» دخيلة على المجتمع القبطى، وأنها مستحدثة، ومن آثار العصور الوسطى والتأثر بثقافة ولغة الوافدين، ويعّرف المفكر الروسى «ميخائيل باختين» المولد بــ(ممارسة تلقائية شبه احترافية ولكنها ذات طبيعة عشوائية وهى خروج عن المألوف والعادى وهى لحظة تمرد على المجتمع المهذب واستبدال الدينى بالدنيوى، والتحرر من القيود وتجاوزها مؤقتًا)، على أن احتفال الكنيسة القبطية بشهدائها وقديسيها يكون فى يوم وفاتهم  وانتقالهم إلى السماء، حيث تؤمن الكنيسة أن يوم موت هؤلاء هو يوم ميلادهم الحقيقى فى السماء.
وعلى ذلك يتوافق تعريف المولد القبطى بالتعريف الإجرائى للمولد، فهو احتفال بيوم ميلاد القديس صاحب المولد، ولكن يوم ميلاده الثانى فى السماء وهو الأهم من الميلاد الأول على الأرض، ولذلك فكثير من القديسين لا تعلم الكنيسة – أو لا تهتم – بمعرفة تاريخ ميلادهم بدقة، ولكن تهتم وتبجل وتحتفل بتاريخ وفاتهم، باعتباره اليوم الأهم فى حياة القديس، والذى يصل له بقدر كبير من القداسة والتقوى ما يستحق معه أن يقام له الاحتفال لتكريمه والاحتفاء به.
ويرجع البعض تاريخ بدء الاحتفال بتذكارات القديسين-الموالد- للقرن الثالث الميلادى بحسب شهادة أحد المخطوطات وسجل لنا أبى المكارم (ق12 م) أكثر من أربعين مولدًا قبطيًا، كما أورد المقريزى تسعة عشر مولدًا فى عصره منها أربعة تخص العائلة المقدسة..
ومن أمثلة الموالد القبطية فى مصر مولد مارجرجس بالرزيقات ومولد مارجرجس بميت دمسيس وهو البطل الشجاع والشهيد الذى فى احتفالته دائمًا ما يجمع قطبى الأمة المصرية للبهجة والسرور ، وهو الذى يذكر الأثريين دومًا بحورس فوق حصانه وهو يقتل الثعبان رمز الإله ست إله الشر بحربته.
ويحتفل الصعيد أيضًا بأشهر شخصية رهبانية وهو الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وهو المولد الوحيد فى مصر كلها الذى يستمر لمدة شهر، وتكثر فيه الأنشطة الروحية والاجتماعية والترفيهية والاقتصادية وينتهى بالاحتفال بعيد القديس فى 14 يوليو الموافق 7 من أبيب.
وفى زيارة الدير يحرص محبى القديس على الغناء اثناء المسير بنغمات شعبية قديمة من مخزون الذاكرة المصرية منها:
طريق أبوشنودة ملفات ملفات.. وإن عطانى ربى لأروحله بزفات
قبتك يا أبو شنودة من البعد بانت.. لما شافتها الجمال هامت وزامت
أما مولد الانبا برسوم العريان الذى يقام فى ديره بالمعصرة -حلوان- فهو شخصية مصرية أصيلة من القرن الثالث عشر وكان والده كاتبًا لشجرة الدر، ولد بمصر وعاش ومات وتألم واضطهد فيها ودفن فيها، ومن اللطيف أن القديس برسوم العريان شخصية محبوبة من المسلمين أيضا ويطلقون عليه «سيدى البرسومى»  و«سيدى محمد البرسومى»  أو «سيدى العريان»، كما يربطون بينه وبين «الرفاعى» فى مسألة التعامل والتعايش مع الأفاعى فتجد الهتاب المكرر:
«عم يا عريان يا طب التعبان».. «عم يا رفاعى يا طب الأفاعى»
كما يربط البعض بينه وبين السيد البدوى حيث عاشا كلاهما على سطح المنازل، كما أن لكل منهما دور فى إنقاذ شعبه من اضطهاد الحاكم.. ومن الجدير بالذكر أن مولد السيد البدوى يحتفل به حسب تقويم الشهداء القبطى فى شهر بابه.
وأطلق عليه لقب «العريان» حيث وجد أيقونه قديمة كانت توجد فى كنيسة القديس مرقوريوس أبوسيفين فى مصر القديمة ومكتوب أسفل الأيقونة: «القديس آفا برسوما العريان من الرذيلة والمكتسى بالفضيلة» فأخذ الناس الكلمة التى تلى اسم برسوم وتداولوها إلى هذا اليوم، والواضح أيضا زهده فى لبسه وأنه كان يكتفى بما يستره فقط.
وهناك مولد القديسة دميانة الفتاة المصرية المسيحية القوية التى قادت أربعين عذراء للشهادة حتى الدم فى برارى بلقاس ويتميز الاحتفال بها بكثرة الخيام وما يشبه المعسكرات التى تختلط فيها الأنشطة الروحية بالترفيهية.
أما صاحبة النصيب الأكبر فى حب الكل وكثرة الأعياد والموالد فهى السيدة العذراء مريم فى كنائسها وتذكارتها المتعددة وهى التى باركت أرضنا الحبيبة برحلة تركت بركتها فى مصر من العريش حتى أسيوط. ولها موالد فى كل بقعة مصرية، بل لها مولد فى كل قلب مصرى أصيل.