الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«أديب نوبل»تحت مجهر النقد

«أديب نوبل»تحت مجهر النقد
«أديب نوبل»تحت مجهر النقد




إعداد – ابتهال مخلوف و رانيا هلال

 


رغم أنه كان بعيدًا عن التوقعات، إلا أن حصول الروائى البريطانى – اليابانى «كازو ايشيجورو» على جائزة نوبل للآداب لهذا العام لاقى ترحيبًا فى أوساط المثقفين فى العالم، وفتح الباب أمام الجميع فى التمني، والتفاؤل بأن الجائزة الأعظم لم تعد بعيدة فالكيف بات معيارها الأساسي، إذ أنه صاحب الـ 8 روايات توج بها هذا العام، ولم ينبس أحد ببنت شفاه أنه لا يستحقها، مثل حدث فى العام الماضى عندما فاز بها مغنى البوب الأمريكى «بوب ديلان»، إذا هو اختيار موفق للجنة الجائزة وفوز مستحق لـ«ايشيجورو» الوافد الجديد ومانح الأمل إلى أصحاب الإصدارات القليلة.

فى هذا التقرير نرصد معا آراء بعض النقاد والكتاب ونتعرف على هذا الكاتب الذى جعلت منه مأساة هيروشيما ومعاناة أمه واحدا من أعظم الكتاب.
■ فوز «إيشيجورو» انتصاف متجدد لفن الرواية
أكد الدكتور حسام عقل أن فوز الروائى البريطانى الجنسية اليابانى المولد «كازو إيشيجورو» بجائزة نوبل هذا العام انتصافا متجددا لفن الرواية الذى يسيطر على مزيد من مساحات الأرض الإبداعية _ بفضل الجوائز الضخمة المرصودة له: مثل «البوكر» و«جنكور» وغيرها - ومن ثم ارتقى فن الرواية فى تقديرى أعلى هرم الأجناس الأدبية فى اللحظة الراهنة، عربيا وعالميا. فقد قدم «إيشيجورو»، ثمانى روايات مصوغة بمهنية راقية وبراعة إبداعية مشهودة، وضمن لها مزيدا من الذيوع بترجمتها إلى نحو من أربعين لغة، وهذه دلالة مهمة فى الخروج بالنص إلى الفضاء الإبداعى الإنسانى بجسر الترجمة النشط، فنجيب محفوظ نفسه لم يحدث الاختراق الإبداعى المتوخى إلا بعد ظهور الجهد النشط فى فرنسا لدار «سندباد» وجهود أخرى فى التعريف بنصه الإبداعى الطليعى للمستشرق الأشهر «أندريه ميكيل» وغيره من الجادين، بما دفعه إلى بؤرة اللقطة على خشبة المسرح الإنسانى المرصود بدقة، وبوضوح فإن الترجمة الوافية الدقيقة، كانت من جملة الأسباب التى دفعت باليابانى البريطانى إلى منصة التتويج فى الأكاديمية السويدية فى ستوكهولم، بما يدفعنا مجددا إلى النظر فى تصويب مسارات حركة الترجمة لدينا، والتأكد من كفاءتها وجديتها.
ويتابع «عقل»: الدلالة الثانية فى فوز «إيشيجورو» تتمثل فى ازدواج جنسيته، فهو من مواليد «ناجازاكي» ونزح إلى بريطانيا حاصلا على جنسيتها عام 1960، بما يؤكد _ فى سيرته الذاتية، الانفتاح بين الكتل الحضارية والإقليمية ورسالة نبذ العنصرية والشوفينية العمياء فى حياتنا المعاصرة، بما يكرس من دلالة الانفتاح الإنسانى والاعتدال. ويحمل فوز الرجل تأكيدا متجددا باستمرار دور الخطاب السينمائى الرفيع فى ترسيخ القيم الثقافية والحضارية الجديدة، فقد حصلت رواياته المختلفة، خصوصا روايتيه: «بقايا دم» و«لا تدعنى أرحل» على دعم القطاع السينمائى الذى احتفى بهذه النصوص ودخل بها إلى كل بيت باستثمار فضاء الكاميرا ولغتها الطازجة المدهشة، وروعة الدراما المرئية الحية.
■ الكم والكيف
قال الناقد عمر شهريار: «لقد كان ذهاب الجائزة فى العامين الفائتين إلى مطرب وصحافية محاولة من الجائزة ولجنتها لتوسيع مفهوم اﻷدب، بحيث لا يظل منغلقا على اﻷنواع اﻷدبية التقليدية المعروفة (شعر، قصة، رواية) واعتبار أن الجمال اﻷدبى واللغوى قد يكمن أيضا فى كلمات أغنية أو تقرير صحفي، وكانت هذه مغامرة كبرى من لجنة نوبل أعرق الجوائز العالمية، وفى ظنى أنها مغامرة محمودة، فاﻷدب ليس حكرا على اﻷنواع اﻷدبية المعروفة».
ويواصل حديثه: «من هنا يأتى اختلاف الجائزة هذا العام، ﻷن «كانزو ايشيجورو» روائى يكتب ضمن الحدود المعروفة للنوع، فهو يكتب الرواية باﻷساس، وبعض القصص القصيرة القليلة جدا، ومن ثم فهو ابن المؤسسة اﻷدبية التقليدية، التى تعترف بأنواع أدبية محددة وصارمة، وكأن نوبل تريد أن تقول إن خروجها خارج التصنيفات النوعية فى العامين الفائتين لم يكن سوى محاولة لتوسيع مفهوم اﻷدب، ورفع سقف تعريفه إلى آفاق أرحب، وليس بالضرورة معاداة اﻷنواع التقليدية أو معاداتها».
ويتابع: «ثمة شيء مهم آخر فى فوز «إيشيجورو» هذا العام، شيء دال وواضح، وهو أنه ليس صاحب إنتاج ضخم من الناحية الكمية، فعدد رواياته قليل مقارنة بآخرين كانوا مرشحين للجائزة، أظنها أنها إشارة من الجائزة إلى أن الكم لا يعنيها كثيرا، وأنه ليس المعيار الحاكم بالنسبة لها».
واختتم: المهم بالنسبة لنا كمصريين وعرب، أن الجائزة لم تفاجئنا هذا العام، فقد تنبهت اﻷوساط اﻷدبية المصرية ﻷهمية «ايشيجورو» منذ سنوات، وقبل أن تلتفت له نوبل، فقد ترجمت معظم أعماله إلى العربية وصدرت عن المركز القومى للترجمة، مثل روايات «بقايا اليوم» و«عندما كنا يتامى»، ومن لا عزاء لهم» وغيرها من اﻷعمال، ما يعنى أننا -كمثقفين ومؤسسات- لسنا بعيدين كثيرا عن متابعة ما يحدث فى العالم من تغيرات ثقافية، بغض النظر عن قدرتنا على أن نسمعهم أصواتنا، لكننا نسمع أصوات العالم بوضوح، ويوما سيسمعون أصواتنا.
■ أدب حزين
صرح الكاتب والسيناريست محمد رفيع أن أول ما لفت انتباهه عند سماعه خبر فوز الكاتب البريطانى يابانى المنشأ «كازو إيشيجورو» هو أن رصيده فى الأدب ثمان روايات فقط، يا له من خبر سعيد ومخيف فى نفس الوقت!، سعيد لأن الأمر لا يبدو مستحيلا ومخيفا لأنه يعنى أن الروائى عليه أن يبذل جهدا كبيرا فى إتقان عمله لأن الكيف هنا ومنذ سنوات أصبح بشكل ما عوضا عن الكم الكبير من المؤلفات، فنجيب محفوظ على سبيل المثل له قرابة الخمسة والثلاثون رواية وقرابة العشرين مجموعة قصصية عدد هائل بدا لنا فى وقت سابق أنه مستحيل الوصول لهذا العدد من المؤلفات، ناهيك عن الجودة لكن نوبل فى سنواتها الأخيرة بددت حلما غير مستحيل، ثمان روايات فقط لكنها تشى بجديد شديد الحساسية يلفها دائما مسحة من الحزن الدفين وتبدو النهايات مفتوحة بعيدة عن التشدق بالألفاظ والتقعر باللغة، تحضرنى رواية «لا تدعنى اذهب أبدا»، رواية متخيلة لكنها تقنعك بكل ما فيها، يلفها حزن شفيف ورقيق وعواطف جياشة جعلتنا أكثر تقبلا للفكرة المرعبة حول استنساخ أطفال فقط كى يكونوا قطع غيار بشرية وتنشئتهم على أنهم معدون لهذه المهمة، مما يجعلهم يتقبلونها وكأنها حتمية لا فكاك منها، ورواية «بقايا النهار» التى تخبرنا أن تاريخ الفرد كتاريخ الأمم يمكن مراجعته وإعادة صياغته والإضافة والحذف منه وهذا المفهوم الذى يخلخل قداسة التاريخ الفردى للأشخاص ما بالك بتاريخ الأمم. مناطق جديدة دخلها «إيشيجورو» جعلته يتوج مشواره الأدبى بأكبر جائزة أدبية.
■ «إيشيجورو».. طفل طاردته أهوال القنبلة النووية حتى العالمية
وبعيدا عن آراء النقاد والأدباء والكتاب وعن حلم الجائزة وإبداع «إيشيجورو» وترجمة أعماله، يبقى الأهم هو اختلاف الكاتب فى رصده معانات البشر فى رواياته، وامتلاكه لطاقة عاطفية اختمرت فى قلبه وعقله من فرط ما عاناه فى حياته، لذا جاء فى مسوغات منحه الجائزة للفائز رقم 114 على مدار تاريخها: «قدم فى أعماله طاقة عاطفية قوية كاشفًا الهاوية التى تقبع خلف شعورنا الوهمى بالارتباط بالعالم». وفى تقديمها عرض أسباب اختياره للجائزة، ذكرت ساره دانيوس أمين الأكاديمية السويدية أن أسلوب الروائى هو مزيج بين أسلوب الكاتبة البريطانية «جين أوستن» والكاتب التشيكى «فرانز كافكا».
الجدير بالذكر أن هذه هى المرة الثالثة التى تمنح لأديب يابانى، إذ حصل الروائى الكبير «ياسونارى كواباتا» على الجائزة عام 1968 وفى عام 1994 منحت للروائى «كنزابورو أوى» ورغم ذلك أصيب عشاق الكاتب الشهير «هاروكى موراكامى» بخيبة أمل، إذ جاء اسمه ضمن قائمة المرشحين للفوز بنوبل منذ سنوات عدة وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية كان ترتيبه الثانى فى ترشيحاتها لهذا العام بعد الكاتب الكينى «ونجوجى وا ثيونجو».
وعن مشوار «إيشيجورو» من المهد حتى منصة التتويج فقد ولد عام 1945 فى مدينة ناجازاكى التى ضربت بالقنبلة النووية مع قرينتها هيروشيما فى نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان قدره البعد عن بلاده عندما رحلت عائلته لبريطانيا وهو فى عمر الخامسة لعمل والده فى علم المحيطات وآثرت البقاء فى بريطانيا.
ولقد تأثر الكاتب كثيرًا بمعاناة أمه، التى وصفها بأنها سيدة يابانية مميزة، من تجربة سقوط القنبلة النووية على مسقط رأسه مدينة «نجازاكى» وفقدها لمنزل عائلتها جراء الانفجار وإصابتها بشظية من الحطام، وهو ما شق طريقه على صفحات رواياته التى جاءت كصرخة ضد أهوال الحروب.
حصل «إيشيجورو» على ليسانس فى الفلسفة واللغة الإنجليزية من جامعة «كنت» البريطانية عام 1978 وتقدم لنيل شهادة الماجستير فى مجال الكتابة الإبداعية عام 1980 وعمل فترة من حياته فى العمل الاجتماعى وفى هذه الفترة ألف روايتيه الأوليتين «منظر شاحب للتلال» و«فنان من العالم العائم» ليستقيل بعدها ويتفرغ للأدب نهائيًا وحينها أبدع روايته «بقايا النهار» التى كانت سببًا هامًا فى منحه جائزة نوبل ووصفتها اللجنة فى خطاب منحه الجائزة بأنها رواية بديعة.
■ أعماله
8 كتب هى حصاد أعماله الإبداعية، ترجمت أربع روايات للعربية هى «بقايا النهار» و«عندما كنا يتامى» و«من لا عزاء لهم» و«فنان من العالم العائم» واضطلع المركز القومى للترجمة بهذه المهمة.
أما رواياته الأخرى فهى: «منظر شاحب للتلال» و«العملاق الدفين» و»لا تدعنى أرحل أبدًا» وآخر أعمال المؤلف هى مجموعة قصصية قصيرة بعنوان «مقطوعات موسيقية».
تركز موضوعاته على اللعب على فكرة الذاكرة الجماعية لأمة أو شعب ما وعلاقتها بقدرة الفرد على النسيان وأيضا وجع المغترب عن بلاده وحياة الأسرة اليابانية البعيدة عن بلد الشمس بسبب الهجرة والحروب. ففى روايته الأولى «منظر شاحب للتلال»، التى كتبها عام 1982، تناول مكابدة عائلة يابانية لألم البعد عن الوطن الذى غادرته وهو يعانى من أهوال سقوط القنبلة النووية عليه.
كما عمد فى روايته الشهيرة «بقايا النهار» إلى طرح سؤال مفتوح: «ما الذى يحدث عندما تتغير قيم المجتمع؟ وهل هناك قيم تقاوم التغيير عبر الزمان والمكان؟
دومًا ما يترك عقدة التى تقوم عليها الحبكة الدرامية فى أعماله بدون لحظة التنوير أو الخلاص كان قدر أبطال رواياته التيه فى عوالم الصراع بين الوعى واللاوعى.
ودومًا ما يلعب على وتر الصراع بين الثنائيات المتقابلة مثل الذاكرة والنسيان والوطنية والخيانة، الكبرياء الوطنى والخزى الشخصى، والماضى والمستقبل.. وفى تصريحاته الصحفية كثيرًا ما يؤكد «إيشيجورو» أنه لا يكتب روايات تصنف فى خانة روايات الخيال العلمى أو المستقبليات أو روايات تاريخية بل يرى أنها روايات ما يسمى «التاريخ الموازى أو البديل»، يعيد من خلالها تشكيل فترة تاريخية عبر وضع فرضية بسيطة «ماذا لو»: مثل ماذا لو لم يكن المسئولون عن الحروب فى اليابان والحرب العالمية الثانية على قيد الحياة؟ ماذا لو اختفوا من الحياة مثلما جاء فى روايته «فنان العالم العائم».
■ «نوبل لم تتخل عن عادتها»
ورغم أن اختيار «إيشيجورو» من قبل لجنة نوبل لنيل الجائزة هذا العام لاقى ارتياحًا وترحيبًا فى الأوساط الثقافية فى العالم، إلا أن لجنة نوبل لم تتخل عن عاداتها السنوية فى إثارة دهشة العالم واختيار شخصية لم تكن مطروحة على صفحات الجرائد والمواقع الثقافية ولم تتصدر قائمة الأدباء الأكثر مبيعًا.