الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رسالة جندى فى جبهة السويس





شعر / نزار قباني
 
 
يا والدي!
 هذى الحروفُ الثائرة
تأتى إليكَ من السويسْ
 تأتى إليكَ من السويسِ الصابرهْ
 إنى أراها يا أبي، من خندقي، سفنُ اللصوصْ
 محشودةٌ عندَ المضيقْ
 هل عادَ قطّاعُ الطريقْ؟
 يتسلّقونَ جدارنا..
ويهدّدون بقاءنا..
 فبلادُ آبائى حريقْ
إنى أراهم، يا أبي، زرقَ العيونْ
سودَ الضمائرِ، يا أبي، زُرقَ العيونْ
 قرصانهم، عينٌ من البللورِ، جامدةُ الجفونْ
 والجندُ فى سطحِ السفينةِ.. يشتمونَ.. ويسكرونْ
 فرغتْ براميلُ النبيذِ.. ولا يزالُ الساقطونْ..
 يتوعّدونْ
الرسالة الثانية
هذى الرسالةُ، يا أبي، من بورسعيدْ
أمرٌ جديدْ..
لكتيبتى الأولى ببدءِ المعركهْ
 هبطَ المظليّونَ خلفَ خطوطنا..
 أمرٌ جديدْ..
 هبطوا كأرتالِ الجرادِ.. كسربِ غربانٍ مُبيدْ
 النصفُ بعدَ الواحدة..
وعليَّ أن أُنهى الرسالة
أنا ذاهبٌ لمهمّتى
لأرُدَّ قطّاعَ الطريقِ.. وسارقى حرّيتى
لكَ.. للجميعِ تحيّتي.
الرسالة الثالثة
الآنَ أفنَينا فلولَ الهابطينْ
أبتاهُ، لو شاهدتَهم يتساقطونْ
كثمارِ مشمشةٍ عجوزْ
يتساقطونْ..
يتأرجحونْ
تحتَ المظلاتِ الطعينةِ
 مثلَ مشنوقٍ تدلّى فى سكونْ
 وبنادقُ الشعبِ العظيمِ.. تصيدُهم
 زُرقَ العيونْ
 لم يبقَ فلاحٌ على محراثهِ.. إلا وجاءْ
لم يبقَ طفلٌ، يا أبي، إلا وجاءْ
لم تبقَ سكّينٌ.. ولا فأسٌ..
ولا حجرٌ على كتفِ الطريقْ..
إلا وجاءْ
 ليرُدَّ قطّاعَ الطريقْ
 ليخُطَّ حرفاً واحداً..
حرفاً بمعركةِ البقاءْ
الرسالة الرابعة 
ماتَ الجرادْ
أبتاهُ، ماتتْ كلُّ أسرابِ الجرادْ
لم تبقَ سيّدةٌ، ولا طفلٌ، ولا شيخٌ قعيدْ
فى الريفِ، فى المدنِ الكبيرةِ، فى الصعيدْ
إلا وشاركَ، يا أبى
فى حرقِ أسرابِ الجرادْ
فى سحقهِ.. فى ذبحهِ حتّى الوريدْ
هذى الرسالةُ، يا أبي، من بورسعيدْ
من حيثُ تمتزجُ البطولةُ بالجراحِ وبالحديدْ
 من مصنعِ الأبطالِ، أكتبُ يا أبى
 من بورسعيدْ..