الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوسف نبيل: آن الأوان لنزع القيود عن «حياة الكنيسة»




بنظرة متأنية عن قرب يطوف بنا الروائى يوسف نبيل فى روايته الجديدة "مياه الروح"، بين أجواء عالم الكنيسة قبل وبعد الثورة فى محاولة منه لرصد تلك التغييرات الفكرية والتحولات الجذرية التى طالت معظم معاصرى الثورة من أبناء الكنيسة، الذين كانوا يقتفون أثر رجال الكنيسة باعتبارهم قدوة ومثلاً أعلى، وأثر صدمتهم فى بعض هؤلاء الرجال على حياتهم، ومن ناحية أخرى وفى بادرة جديدة يتعمق نبيل فى البحث عن العلاقات الروحية بين الأديان بنظرة صوفية، وعقل يبحث عن عالم أكثر رحابة، بغض النظر عن أوجه الاختلاف الواضحة بين الأديان، وإصرار على إبراز أوجه تلاقى روحى صوفى بينها.
 
■ لماذا اخترت عنوانا جاء ملخصا لهدف الرواية بشكل مباشر؟
 
- الماء دائمًا علامة للحياة، والروح طوال الرواية تعانى وتئن من وقع الموت، لذلك كانت مياه الروح هى علامةالجزء الحى داخل الروح، الذى مازال يحارب ويصمد من أجل بقائه حيًا رغم كل شىء، ووسط كل ذلك الركام تستيقظ وتستجيب تلك المناطق الحساسة والمليئة بالماء والحياة داخل الشخصية، عند سماعها الصوت بوضوح.
 
■ ماذا كان هدفك من استخدام ضمير المخاطب فى سردك؟
 
- استخدام ضمير المخاطب أتاح كشف بعض اللحظات التى يرى فيها الإنسان ذاته بوضوح كأنه يرى شخصًا آخر يخاطبه، مما كثّف من وعى الشخصية باللحظة والأزمة النفسية الراهنة، بالإضافة إلى أنه يتيح للشخصية إعادة سرد وتقييم كل الأحداث والأفكار، بما يتيح للشخصية أن تنظر فى مرآة لترى وجهًا لم تره من قبل، ويسرِّع من التصادم، وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك.
 
 

 
 
■ كان للصراعات النفسية للشخصيات النصيب الأكبر من السرد، فكيف تعمقت داخل كل شخصية على اختلاف أفكارها ورؤاها لتصف هذه الصراعات؟
 
- بشكل عام أحب الكتابة النفسية، وأحاول عمل توازن بين العالم الداخلى والخارجى، وهذا النوع من الكتابة يعتبر المفضل لى.
 
أعكف منذ أعوام على دراسة شخصية رجل الدين المسيحى بالذات من خلال تقربى للعديد منهم فى فترات مختلفة، أردت منذ أعوام طويلة الكتابة عنها، ولكنى انتظرت طويلاً حتى استطعت استيعاب الكثير من دوافعهم وحياتهم النفسية من خلال الاحتكاك المباشر، هى شخصية معقدة بشكل كبير تعيش وسط قيود مذهلة قد تقتلها من الروتين والتكرار، شخصية "الشماس" هى شخصية الكثيرين من جيلى الذين عاشوا داخل أسوار الكنيسة، وتم هدم مثلهم العليا بقسوة ولم تكن صعبة علىَّ فى كتابتها، لأنى أحتك بها كل يوم فى نفسى وفى الآخرين، وشخصية "الطبيب" نتاج حلم عبدالناصر المهزوم، التى شاهدت بعينيها تغيرات المجتمع المذهلة وفترة الانفتاح الاقتصادى وصعود التيار الدينى.. أراها كل يوم وألمس ألمها من الشعور الحاد بالاغتراب بعد تفكك الحلم القديم والبحث عن هوية مفقودة وسط أمواج متلاطمة من الأحداث والأفكار.
ربما قراءتى المتأنية منذ وقت مبكر لدستويفسكى عمَّقت من نظرتى النفسية بشكل كبير.
 
■ طرحت الرواية العديد من الأسئلة الوجودية.. ماذا أردت أن تقول من خلالها؟
 
- بشكل أساسى أردت التنبيه لعملية الخداع اليومى الذى نعيش فيه. الأسئلة كما هى بلا إجابة، والفرق الوحيد هو تصاعد أيديولوجيات متعصبة (دينية ولا دينية على السواء) تؤمن بتوفير كل الإجابات، أردت رصد ذلك الخداع النفسى والروحى الذى نعيشه بلا إجابات حقيقية ولا حتى بحث، أردت رصد محاولات الهروب المستمرة من حقيقة ذواتنا التى نمارسها كل يوم، وأنه أجلاً أم عاجلاً سيجد الإنسان نفسه فى تلك اللحظة التى يواجه فيها نفسه كما هى، حتى وإن أتى ذلك الوقت فى لحظة تخدير (كما فى الرواية). لا تشغلنى الإجابات بقدر السير فى الطريق نفسه... طريق الاختبار الروحى، أردت أيضًا التأكيد على أن هذه الأسئلة هى مايحرك الإنسان، ومن الظلم والتعامى حصر الإنسان فى تلك المنطقة المادية، ربما العالم الداخلى أغنى بكثير وأكثر كثافة من العالم الخارجى، وإن كانا لا ينفصلان أبدًا.
 
■ ماذا استفدت من تنوع الديانات والاتجاهات المختلفة لشخصياتك؟
 
- فكرة "التواصل الروحي" تشغلنى فمنذ سن مبكرة وأنا مشغول ببعض الشخصيات التاريخية مثل: غاندى – الحلاج – تولستوى – دوستويفسكى. ورغم اختلاف أديانهم إلا أنى كنت أرى بوضوح وجود حقيقة روحية فريدة تميز كلا منهم، واجهت أسئلة صعبة وسط تياراً محافظ إلى حد كبير عن الحقيقة الروحية رغم اختلاف أديانهم، والتى تجعل واحدًا منهم يتقبل الصلب والموت ويطلب المغفرة لقاتليه، والآخر لا يرد العنف أبدًا ويصرخ فى شعبه إنه هندوسى ومسلم ومسيحى فى آن واحد، رويدًا رويدًا بدأت فى اختبار تلك الحقيقة الروحية التى تتجاوز النظرة الضيقة للأمور، وبدأت فى منع نفسى من الإجابات المفروضة، والبحث بشكل مستقل عن تلك الحالة الروحية التى لا يمكن لأحد إنكارها أبدًا، تلك الحالة من الوصل الروحى عاش أصحابها ومازالوا بين الناس ووسط المجتمع، فلا يمكن أن نصر على العمى وربط تلك الحالة بدين معين، ودراسة الطريق الصوفى وممارسة أفكاره كل يوم تتيح للإنسان الخروج من كل تلك الأطر الضيقة التى تقيد العقل إلى آفاق روحية أوسع وأرحب، ولكن النتائج قد تكون مفاجئة.
 
■ حدثنا عن الأسباب التى أدت إلى التحول الذى حدث لشخصية (الطبيب) بالرواية؟
 
القارئ يمكنه ملاحظة ذلك التحول وأسبابه من قراءة الرواية، ولكن تلك التحولات التى صاحبت شخصيته فى ذلك العمر ربما كانت تحتاج فعلاً إلى تمهيد نفسى أعمق، وقد أشرت بالفعل إلى ذلك العنف الذى تم تعرضه له بشكل مباشر، وصدمته الشديدة فيما آل إليه المجتمع، هو ما أودى به إلى ممارسة العنف هو الآخر.
 
■ عرضت عدد من مشاكل الكنيسة والمجتمع المسيحى بشكل عام قبل الثورة وحتى قيامها، ألم تخش من اللوم على ذلك؟
 
- لا أعتقد أنه هناك عاقل واحد يستطيع إنكار تلك المشاكل التى رصدتها فى الرواية، كان الأمر كله من خلال رصد الحياة النفسية لشخصية رجل دين مسيحى، فى قرارة نفسى أعلم أن المشاكل ربما ستأتى، ولكنى فى جزء آخر من نفسى أتمنى أن تصبح الرواية مصدر إلهام للكثيرين، آن الأوان لتناول تلك المواضيع والشخصيات دون أى قيود، أستطيع أن أجزم بالفرق الواضح بين تعرضى لتلك المشاكل وتعرض آخرين لها، فقد كان التناول داخل روايتى من منظور نفسى عميق غير مشغول بالتقرير والحكم والإدانة.
 
■ كيف ترى المشهد الثقافى فى ظل حكم الإخوان؟
 
- بائس للغاية، يسيطر عليه رأس المال كما كان إبان عصر مبارك بالإضافة لكل تلك القيود على الصحافة والإعلام، والأسوأ ربما سيأتى إن تم صدور الدستور كما هو، الذى نتمنى ألا يحدث ويتم عمل دستور جامع لكل فئات وطوائف المجتمع وليس لفئة بعينها.
 
■ هل يعبر الدستور عنك كمثقف بشكل يرضيك؟
 
- بالطبع لا، ولا يمكن أن تنتج تلك الجمعية التأسيسية شيئًا أفضل من ذلك بشكلها الحالى، ويقلقنى جدًا كل ما يختص بحقوق الأطفال والتعليم فيه، لأن هذا يشكل كارثة مستقبلية لا تقل عن عوار الدستور السياسى، وفى النهاية ترتبط كل الأمور ببعضها.
 
■ هل تنوى استكمال ما بدأته فى البحث عن العلاقات الروحية بين الأديان؟
 
- نعم، بحثى فى ذلك الوقت لا يتوقف فقط على القراءة والدراسة، بل على الممارسة ذاتها، أنا مهموم جدًا بفكرة قد تبدو مبكرة للغاية فى ذلك الوقت ولكنى أعرف أنها ستحدث آجلاً أم عاجلاً، وهى إيجاد شكل عبادة واحد يستطيع فيها المسلمون والمسيحيون فى مصر أن يقفوا فيه على أرض واحدة. لا يعنى هذا ذوبان الأديان والمعتقدات فالذى ينكر الفروق الجوهرية بين الأديان يغالط نفسه، ولكن ما يعنينى هو تجاوز تلك المراحل الأولية والوصول إلى حالة وحقيقة روحية واحدة يقف فيها الجميع دون استثناء. هذا الأمر يقودنى إلى دراسة أشكال العبادة ومبادئها.
 
وسط كل هذا العنف الأيديولوجى قد تكون هذه الفكرة طريقاً لإيجاد حالة حوار وصدق حقيقية.
 
■ ماذا عن مشروعك القادم؟
 
- أعكف الآن على وضع اللمسات الأخيرة على رواية جديدة فى كل شىء... جديدة فى طريقتها وحبكتها وموضوعها، إنها تجربة مشتركة بينى وبين قاصة شابة وهى زينب محمد عبد الحميد، التى تقدم عملها الأول معى، طورنا فى هذه الرواية تقنية جديدة للكتابة المزدوجة من منظورين مختلفين، الرواية تعد جديدة للغاية من حيث الإيقاع والأسلوب بالنسبة لرواياتى الثلاث السابقة، وتناقش أغلب المناطق المحرَّمة بشكل واضح ولغة هادئة.