السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الوجه الآخر للإصلاح البروتستانتى.. «جون كالفن» كان راضياً بقتله!

الوجه الآخر للإصلاح البروتستانتى.. «جون كالفن» كان راضياً بقتله!
الوجه الآخر للإصلاح البروتستانتى.. «جون كالفن» كان راضياً بقتله!




بقلم القس - مايكل ملاك

افتتح البشير والطبيب «لوقا» الإصحاح الثامن من سفر أعمال الرسل فى الكتاب المقدس بالكلمات: وكان شاول راضياً بقتله؟! لمن لا يعرف ربما يتساءل من هو شاول؟ ومن الذى قُتل؟ ومن هم القاتلون؟ بلا شك أنها عبارة قاسية، لكن عندما تعرف أن «شاول» هو «بولس الرسول» الشخصية الأشهر فى المسيحية الكارز الأعظم للمسيح، والمقتول هو «استفانوس» ذلك الشاب الخادم البرىء صاحب القلب الغافر، والقاتلون هم المتشددون، ربما يثير هذا استياءك الشديد، ودون معرفة خلفية أحداث القصة وبعض الحقائق ستصدر أحكام مسبقة وربما تنتابك حالات من المرارة والعثرة والانتقاد .
فمن هو جون كالفن؟ ومن الذى قُتل؟ ومن هم القاتلون؟ هذا ما سوف نتعرض إليه
جون كالفن:
هو أحد القادة البارزين للإصلاح الدينى فى أوربا، وهو لاهوتى فرنسى أسس المذهب الكالفينى (النظام المشيخي، للكنيسة الإنجيلية المشيخية) ولد فى 10 يوليو 1509 فى مدينة «نويون» شمال باريس، درس القانون واللاهوت، ولم يكن الجو فى فرنسا مناهضاً للإنجيليين (المصلحين) لكن «نيقولاكوب» عميد جامعة باريس انتهز فرصة بداية العام الأكاديمى فى سنة 1533 وألقى عظة « طوبى للمساكين بالروح» وكانت هجوماً مباشراً على فلسفة القرون الوسطى اللاهوتية، وبناءاً عليها أعلنوا أن كلمات « كوب» هرطقة فلاذ بالهرب من القبض عليه ولان كالفن كان صديقاً لكوب هرب هو الآخر.
فحدث بعد ذلك أن مجموعة من المتطرفين قاموا بلصق ملصقات فى بعض المدن الكبرى ومنها باريس أعلنوا فيها أن خدمة القداس تتعارض مباشرة مع العشاء الرباني، فتصرفت الحكومة معهم وتم القبض على 200 شخص واعدموا 20 منهم، وكان أحدهم صديقًا لكالفن، فهرب كالفن إلى بازل وهناك ساعد صديقه «اوليفتيان» فى الترجمة الفرنسية للكتاب المقدس،بعدها شد الترحال إلى إيطاليا ومنها إلى جنيف.
وفى مايو1536 دعى المحفل وأعلنت جنيف بروتستانتية، بعدها ظهرت الصعوبة الأكثر خطورة أمام كالفن وهى استقلال الكنيسة عن الحكومة ففى رأيه أن حرية وكرامة الكنيسة تعتمد على انفصال واضح بين السلطة العالمية والسلطة المقدسة، وكلف هذا الصراع كالفن أن يغامر به طوال حياته.
وفى عام 1538 حدثت تغييرات سياسية فى المجالس وكانت هذه ضربة مباشرة لطموح كالفن وعلى إثرها صدر أمر وبالأغلبية بأن يغادر كالفن من جنيف وبعدها التجأ إلى زيورخ ومنها إلى باسيل، ومن هناك بدأ كالفن يستمع إلى أصدقائه الذين يستعجلونه ليأتى إلى استراسبورج بألمانيا (حالياً فى فرنسا) وبالفعل ذهب إلى هناك وتمتع كالفن فيها بأسعد فترة فى خدمته، وبدأ يطور العبادة ويضع ليتورجيا وشكلاً منظم لها وادخل التسبيح الشعبى واستطاع تطوير أعظم مؤلفاته كتاب «الأنظمة» الذى يُعد موسوعة تاريخية لاهوتية أدبية لأسس الديانة المسيحية.
وفى عام 1540 هدأت الأحوال فى جينيف واقترع المحفل على دعوة كالفن للعودة إلى جينيف وعاد بالفعل بعد صراع كبير فى 13 سبتمبر 1541ولم ينته ذلك الصراع فالجو كان مليئاً بالأحداث، وبعد أن هدأت الأوضاع السياسية حول كالفن انتباهه الكامل إلى تحسين المدينة وبدءوا فى تنظيف الشوارع وأحكموا الإشراف على الأسواق الشعبية.
وأغلقوا العديد من الحانات ومنعوا التسول وأسسوا المستشفيات ودور الضيافة والعناية بالمرضى والفقراء وحاولوا إيجاد وظائف نافعة لكل القادرين على العمل ومساعدة اللاجئين وهذا المزج بين النظام والنجاح جعل جون نوكس يقول: إن جنيف هى أكمل مدرسة للمسيح وجدت على الأرض منذ أيام الرسل.
ونشط كالفن فى التعليم والإنتاج وبدء الطلبة فى نسخ محاضراته نظراً لقيمة علمه الغزير، وبدأت قوته الجسدية تخور وفى يوم 2 فبراير 1564 ألقى أخر محاضرة له فى الأكاديمية وفى 2 إبريل شارك فى أخر عشاء رباني، ورحل بسلام عن عالمنا فى 27 مايو 1564.
ميشيل سرفه (سيرفيتوس)
ولد فى 29 سبتمبر 1511 فى مدينة «تولاد» فى إسبانيا، كان يعمل خادماً لأحد الكهنة الذين كانوا يصطحبون جيش الإمبراطور شارل الخامس، زار ألمانيا وإيطاليا وهناك تعرف على بعض المصلحين وناقش معهم بعض الأمور العقائدية، درس القانون فى تولوز ودرس اللاهوت، وتخصص فى الطب وكان له الفضل فى اكتشاف مرور الدم فى الرئتين وكتب بحثًا عن هذا الاكتشاف، ودرس الفلك والفلسفة وأحب الجغرافيا ودرس السحر والتنجيم.
فى عمر العشرين نشر كتابه الأول « ضلال عقيدة الثالوث» الذى أثار غضب الكاثوليك والبروتستانت معاً، كذلك نشر كتاباً بعنوان» إصلاح المسيحية» مهاجماً كتاب كالفن « الأنظمة»، وكانت تعاليمه الدينية مزيج من اليهودية والمسيحية والوثنية، وكان لا يؤمن بأزلية الابن وعلم أن المسيح ليس الاقنوم الثانى واتفق مع «اريوس» وأنكر وجود الخطية الأصلية.
وكانت هناك مراسلات بين كالفن و «سرفه» لمناقشة الكتب والأفكار، وكانت الخطابات المرسلة من «سرفه» إلى كالفن دليل إدانة فقبض على «ميشيل سرفه» فى 4 أبريل 1553.
ولكنه استطاع الهرب فحكمت المحكمة الكاثوليكية عليه غيابيًا بالموت حرقًا، وأحرقوا دمية له ونسخًا من كتابه.
بعدها غامر «سرفه» بالذهاب إلى جنيف؟! وصلى فى كنيسة القديس بطرس وقبض عليه وقدموه للمحاكمة 38 تهمة قدمت ضده أهمها الهرطقة، وفى المحاكمة طلب «سرفه» بمناقشة مفتوحة مع كالفن أمام شعب المدينة وقبل كالفن هذا الطلب ولكن مجلس المدينة لم يوافق لأسباب سياسية لكنه وافق على حضور كالفن.
حاول كالفن قيادة «سرفه» إلى طريق الحق وإقناعه بأخطائه للهرب من الموت، إلا أن «سرفه» كان عنيدًا متعجرفًا، والحق يقال انه لو أن النقشات اللاهوتية كانت الموضوع الوحيد فى القضية ربما كان الوضع أهون، لكن الوضع السياسى بين سلطة المجمع ومجلس المدينة لم يكن فى سلام، وقد حاول خصوم كالفن استخدام المحاكمة لإضعاف قوة كالفن.
أصدر مجلس المدينة حكمًا على سرفه بالموت حرقاً ففى يوم 27 أكتوبر 1553 قيد سرفه إلى مقر مجلس المدينة لكى يسمع قراءة الحكم الذى صدر ضده فلم يرجع عن معتقداته، وتم تنفيذ الحكم، بعدها سادت موجه من الانتقادات اللاذعة للحكم بين مؤيد لغيرتهم على المسيحية وبين معارض لهذا العمل الشنيع الخالى من الإنسانية.
من هم القاتلون؟
الذى حكم على سرفه هو مجلس المدينة والأغلبية الساحقة من الحزب المعارض لكالفن، فقد رأوا أن الرجل يسبب خطرًا على سلامة البلاد وسمعة جنيف فى البلاد الأخرى، وأراد مجلس المدينة أن يعلن للجميع أن المدينة محافظة متدينة.
بلا شك أن ما حدث جريمة إنسانية كبرى لا يمكن إنكارها، ومن اشتركوا فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لسنا بصدد الدفاع عنهم، لكن هذا هو التاريخ بما له وعليه، ولكل إنسان مهما علا قدره ومكانته وإيمانه بأخطائه أيضا التى ربما يسلط عليها الضوء أكثر.
لكن كما نشيد بالإيمان علينا أن نعترف بالخطأ أيضا، وهذا ما فعلته الكنائس المصلحة فى فرنسا وجنيف بإقامة حجر تذكارى فى مكان حرق «سرفه» ففى 27 أكتوبر 1903 (وقت الاحتفال بالإصلاح) أزيح الستار عن الحجر التذكارى باجتماع الكنائس المصلحة بجنيف وفرنسا وسويسرا وقرأوا هذه الكلمات الخالدة: نحن أبناء كالفن العظيم الذين يحترمونه ويعترفون بفضله، ولكننا ندين غلطة كانت معهودة فى عصره، وإذ نتمسك بحرية الضمير حسب المبادئ الصحيحة للإصلاح والإنجيل نقيم هذا الحجر التذكارى.