الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

نشوى مصطفى ترافق الموت على مسرح ميامى..!

نشوى مصطفى ترافق الموت على مسرح ميامى..!
نشوى مصطفى ترافق الموت على مسرح ميامى..!




 يقول صمويل بيكيت «لاشيء يثير الضحك والسخرية أكثر من البؤس» ..وبين الضحك والسخرية وواقع مليء بالبؤس والألم عاشت بطلة العرض نشوى مصطفى فى أجواء أحدث أعمالها المسرحية على خشبة ميامى «سيلفى مع الموت» تأليفها وإخراج محمد علام، ينتمى العرض إلى مسرح المونودراما ومن الجرأة أن تقدم مصطفى على هذه الخطوة التى تتطلب منها تواصلاً مباشراً وحياً مع الجمهور بمفردها، تتحدث لمدة ساعة كاملة مع وإلى الجمهور وهو ما يحتاج إلى إمكانيات تمثيلية شديدة الحرفية، تجاوزت نشوى مصطفى بالطبع هذه الأزمة واستطاعت إدارة الحوار بينها وبين الجمهور بإتقان واحتراف، فلم تخرج عن النص، ولم تسمح بالإفراط فى هذا التواصل حتى لا تخرج الأمور من تحت سيطرتها، فعندما تقرر اعتلاء خشبة المسرح بمفردك عليك أن تتحمل المسئولية كاملة.

تحقيق الحميمية والتواصل مع الجمهور
لم تقتصر أزمة المونودراما عند مدى احتراف الممثل فى السيطرة على أدائه والتمكن منه خاصة وهو يتحدث طوال العرض بمفرده بينما أزمة ضخامة مساحة المسرح التى تحتضن هذا العرض، فمن المعروف أن مسرح ميامى يمتلك خشبة كبيرة وليس مجرد مسرح قاعة لكن تجاوز المخرج محمد علام أزمة المسرح بإغلاق الصالة عند الجزء الأمامى من المقاعد حتى لا تتسع رقعة المشاهدة بالعرض وكى يشعر الجمهور أكثر بحالة الالتصاق والحميمية من الممثل وهو المطلوب فى هذه النوعية من العروض تحقيق قدر من التواصل والحميمية خاصة وهى تتحدث مع الجمهور ويشاركونها بالحدث المسرحى فى بعض الأحيان وبالتالى كانت فكرة تضييق المسرح واقتصاره على الجزء الأمامى فقط فكرة جيدة ساهمت فى تحقيق عنصر التواصل والاقتراب من الحاضرين.
فلسفة الحياة والموت
«سيلفى مع الموت» عرض مسرحى يتناول فلسفة الحياة والموت.. ليس فقط بمعناهما المادى وهو العيش على قيد الحياة أو الموت والانقطاع عن الحياة لكن قصدت نشوى مصطفى أن تتناول  فكرة الموت بالحياة بمعنى كيف يعيش البعض وهم أموات على قيد الحياة حينما يعيش كل فرد على هامش الحياة دون أن يستمتع بها أو يتفاعل معها فعندما يقرر الإنسان الاعتزال والتخلى عن أحلامه وطموحه فهو مات حيا ففى بداية العرض تخرج مصطفى على الجمهور من حفرة بعمق المسرح وكأنها تصعد إلى مقبرة تفتح أبوابها كى تدخل على الأموات وتتحدث إليهم وهى لا تدرى أين جاءت وما هو هذا المكان وتظل تتساءل طوال العرض.. «أين أنا لا أعلم لأننى نسيت كل شيء»، ثم تستعرض رحلة شائقها ومعانتها بسبب مواجهتها لشبح العنوسة وعدم قدرتها على التواصل مع من حولها والكثير من المشاكل الإنسانية التى تتعرض لها النساء بالمجتمعات الشرقية تناولتها مصطفى فى سرد مكثف وبسيط، وربما كان الجزء الثانى الذى تضمن فلسفة العمل أقوى ما جاء بالنص المسرحى وهو الجزء الذى حمل القدر الأكبر من فلسفة العمل بالكامل، عندما واجهت الموت بحوار طويل معه وأن هناك من ينتحلون شخصيته لقتل البشر باسم الدين ثم تعلن له أنها أصبحت لا تخشاه طالما هو الطريق الموصل للنور وهو طريق الحياة الأبدية، فلسفة مغلفة بحالة من اليأس والإيمان ففى الحوار الأخير تتدرج من قمة اليأس والإحباط بطلب الموت وإعلانها الإستسلام له ثم قمة الأمل فى الحياة  ما بعد الموت أو فى محاولة رفضها للذهاب معه فى نهاية العرض وطلبها الاستمرار بالحياة كى تستكمل ما لم تكمله بها.
حوار مع الموت
يقترب العمل فى فلسفته مع مسرح العبث باعتماده على حالة حوار متخيل مع غائب وغير معلوم وهو الموت الذى تخيلته فى صورة شخص تجادله بلا جدوى، وعرضه لصراع الإنسان ووحدته أمام مصيره فهى شخصية وحيدة تعيش فى مونولوج مستمر بمفردها تتساءل فيه عن الحياة وعن الموت وشكل الموت ثم تتحدث إليه وكأنه كائنا حيا يقف أمامها وتسأله وتجيبه ويجيبها وتحدث حالة من الرفقة بينها وبينه فتزول هيبته وتذهب خشيته أمام هذه الحالة الحميمية والحقيقية، التى خلقتها بخيالها تجاهه كما أنها تنتقده وفى نهاية العرض نكتشف أنها ميتة وكانت تطل علينا من خلال مقبرتها التى أحيطت بأشخاص مكفنة حولها وكأنها جاءت تواجه الأحياء بموتها أو برفقتها مع الموت التى كانت فى حوار دائم معه.
استخدم تقنية التصوير الحي
حرص المخرج محمد علام على استخدام تقنية التصوير اللايف فى فترة صعودها من القبو إلى خشبة المسرح وهى تسير فى مكان ضيق معتم أشبه بالطريق إلى المقابر ثم ظهورها أمام الجمهور وكذلك أثناء خروجها من نفس المكان وسيرها بنفس الطريق وبنفس الكيفية، ساهمت مقاطع الفيديو المصورة فى تعميق الشعور بحالة التوهان والوحدة والإحباط التى عانت منها بطلة العرض وكذلك فى الإيحاء بسيرها فى طريق الموت ..!