الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سبوبة الدروس الخصوصية.. «قاعات مكيفة.. شاشات عرض.. وطبل ورقص»

سبوبة الدروس الخصوصية.. «قاعات مكيفة.. شاشات عرض.. وطبل ورقص»
سبوبة الدروس الخصوصية.. «قاعات مكيفة.. شاشات عرض.. وطبل ورقص»




معايشة وتصوير – هاجر كمال

هى ظاهرة تنمو كل عام بمعدل واسع الانتشار لا يستغنى عنها مدرس أو طالب، «مافيا» أو «غول» يلتهم كل من يحارب تواجدها.
إنها مراكز الدروس الخصوصية أو «السنتر» كما يطلق عليه هذه الأيام، أصبح شريكاً فى نجاح الطالب سواء كان طالباً حكومياً أو IG انترنشيونال فالجميع يلجأ إلى مراكز الدروس الخصوصية.
لم نتطرق فى تحقيقنا إلى واقع المراكز أو انتشارها ولكن ما لفت انتباهنا هو الدعاية التى يلجأ إليها أحد المراكز الخصوصية بوعد الطلاب المجتهدين بالسفر لروسيا فى حالة التفوق وتشجيع المنتخب، كما لفت الانتباه دعاية بعض مدرسى التاريخ أحدهم ارتدى ملابس تاريخية ماسكا بسيف للإعلان عن نفسه، والآخر وضع نفسه بين الزعيمين جمال عبدالناصر والسادات.
فتطرقنا إلى ذلك الملف كمعايشة داخل جدران المراكز الخصوصية نرصد يوميات الطلاب داخل حصة رياضيات ومادة علم النفس واللغة الانجليزية.
لفت انتباهى إعلان أحد مراكز الدروس الخصوصية بمنطقة الزيتون بأن جائزة الطالب المثالى فى نهاية العام ستكون تذكرة سفر لروسيا لحضور كأس العالم، وبالتحقق من عدد أخر من الأعلانات الخاصة بمراكز الدروس الخصوصية فى مناطق متفرقة وجدت أن هناك وسائل تحفيز أخرى كان من بينها تذكرة لدريم بارك وتيشرت للأهلى، وتيشرت رمضان صبحى ومحمد صلاح وكرة قدم وأجهزة موبايل ولاب توب وغيرها من الجوائز التشجيعية.


ومن هنا كانت بداية التعامل مع مراكز الدروس الخصوصية وبطبيعة الحال توجهت للمركز الذى أعلن عن أكبر جائزة وهى السفر لروسيا وعند الاستفسار عن حقيقة الجائزة بصفتى طالبة بالصف الثانوى، قام احد القائمين على إدارة المركز بتأكيد صحة الجائزة وإنها متاحة للطالب المثالى سواء ولداً أو بنتاً ولكنها مقتصره فقط على طلاب الصف الثالث الثانوى واشترط أيضًا أن أتلقى جميع المواد الدراسية بالمركز، وبالفعل طلبت منه أن أحضر حصة علم نفس للتعرف على شرح المدرس وطبيعة الدراسة فى المركز وإن كانت ستناسبنى أم لا وبعدها سأقوم بدفع رسوم باقى المواد، وعند الدخول لقاعة الحصص فوجئت بعدد الطلاب الموجودين وبكثافتهم فقد تعدت كثافة الطلاب الموجودين داخل المركز كثافة 3 فصول بالمدرسة، وهنا تساءلت ما الذى يدفع هؤلاء الطلاب للتهافت على هذه المراكز برغم كثافتها وجاءت إجابة الطالبة إنجى سيد شعبة علمى، بأن المدرسة لم يعد لها أى تواجد وأن ذهابهم يكون مرة أو مرتين فى الأسبوع ويكون من باب الترفيه وليس من باب تلقى العلم، وعبرت عن استيائها من كثافة المراكز ولكن أكدت أنه لايوجد أمامها أى حل بديل .
وعند الدخول لقاعة الحصص فوجئت بعدد الطلاب الموجودين وبكثافتهم فقد تعدت كثافة الطلاب الموجودين داخل المركز كثافة 3 فصول بالمدرسة، وهنا تساءلت ما الذى يدفع هؤلاء الطلاب للتهافت على هذه المراكز برغم كثافتها وجاءت إجابة الطالبة إنجى سيد شعبة علمى، بأن المدرسة لم يعد لها أى تواجد وأن ذهابهم يكون مرة أو مرتين فى الأسبوع ويكون من باب الترفيه وليس من باب تلقى العلم، وعبرت عن استيائها من كثافة المراكز ولكن أكدت أنه لايوجد أمامها أى حل بديل .
داخل القاعة توجد شاشة عرض ويقف المدرس يحمل ميكروفوناً لشرح الدرس
 وعند خروجى للاعتذار عن الحصة بحجة أننى لن أستطيع الفهم فى هذه الأجواء رفض محصل المركز أن يعطينى قيمة الحصة «40 جنيهاً» وطلب أن أحضر فى وقت لاحق بحيث تكون كثافة القاعة أقل من ذلك، وأن أحضر قبل الميعاد بوقت كاف لأتمكن من الجلوس فى المقدمة لتيسير عملية الفهم، ووجدت عدداً من الطلاب يقومون بالاستفسار عن كتاب إنجليزى باسم مدرس معين فسألت احدهم عن معلومات عن هذا الكتاب وجاءت إجابة صفوة محمد «شعبة أدبى»، إن مدرس اللغة الإنجليزية قام بإصدار كتاب خاص به وصل سعره لـ50 جنيهاَ بالإضافة إلى سعر الملزمة الخاصة به 5 جنيهات تدفع عن كل حصة واكدت أن شراء الكتاب أمر إجبارى للتمكن من حضور الدرس على الرغم من أن المعلومات الموجودة بالكتاب مكررة فى باقى الكتب الخارجية التى طلب منهم أيضًا شراء بعضها .
مركز آخر بمنطقة عين شمس
ذهبت لحضور حصة الرياضيات فوجئت بعدد من الطلاب يسألوننى عن سبب تأخير حضورى للمركز وقال حسن محمد شعبة أدبى، أن المركز بدأ فى الدروس فور انتهاء إجازة عيد الأضحى وأنهم أقتربوا من إنهاء المنهج الدراسى وخلال أيام سيتم الإعلان عن الحصص المكثفة للمراجعة ولإجراء الامتحانات، ولكن كان هناك شىء آخر ملحوظ فى الحصة وهو أن المدرس لم يدخل إلا بعد مرور ساعة من وقت الدرس أما فى الساعة الأولى فكان المساعدون الذين بدا عليهم أنهم لايزالون فى الجامعات هم الذين يشرفون على الطلاب أثناء إجراء الامتحان وبعد دخول المدرس قام بتوزيع الملزمة وبدأ فى شرحها لمدة 40 دقيقة فقط ولم يكمل باقى الحصة وقام بالخروج على الفور.
ولكن الزحام الشديد جعلنى لم أتمكن من سماع الدرس من المدرس ولم أستطع حتى التركيز، فيما يشرحه وهذا ما دعانى للتساؤل كيف يستطيع هؤلاء الطلاب استيعاب دروسهم.يرافق ظاهرة مراكز الدروس الخصوصية جروب الواتس آب لكل مدرس بتلقى فيه استفسارات الطلاب، ويعرض شرحاً لبعض النماذج والأسئلة ويعتمد عليه عدد كبير من الطلاب.
فاطمة تبارك الخبير التربوى، تقول إن أعمال السنة التى تم إلغاؤها فى سنوات الشهادة سواء الابتدائية أو الإعدادية مرورًا بالثانوية العامة وراء زيادة نسبة نسب الدروس الخصوصية، وذلك لأن الطالب فى هذه الحالة لايجد مايجبره على الذهاب للمدرسة بعد أن كانت أعمال السنة تضاف للمجموع وكان الحضور والغياب له نصيب من درجات أعمال السنة، ولكن المسئولية هنا لاتقع على الطلاب فحسب وللمدرسين أيضًا دور فى انتشار الدروس الخصوصية بدءًا من مراحل التعليم الأساسية بعد أن كانت الدروس مقتصرة على مراحل الشهادات فقط ويكون ذلك عن طريق استغلال المدرس السلبى لفكرة أعمال السنة حيث يقوم قطاع كبير من المدرسين بربط أعمال السنة بالدرس الخاص عنده ويجبر الطالب على الالتحاق بالدرس الخاص فى مقابل إعطائة درجات أعمال السنة كاملة وقد يخالف قواعد الغياب التى وردت بأعمال السنة فى حالة استجابة الطالب له ويقوم بإعطائه الدرجات كاملة وهنا يأتى دور الرقابة من قبل وزارة التربية والتعليم.
وأضافت تبارك فكرة الدروس الخاصة أصبحت ثقافة عامة لدى الطلاب ولا علاقة لها بالسنة الدراسية للطالب كونها سنة انتقال أو سنة شهادة والسبب فى ذلك أولياء الأمور والمدرسين فأصبحنا نرى طلاباً فى المراحل الأساسية من التعليم يأخذون دروساً خصوصية، واستسلام أولياء الأمور لهذا الأمر يساعد فى ظاهرة الدروس الخصوصية على التفاقم ويساعد على استمرارها ولهذا لابد من مواجهة أولياء الأمور بالتعاون مع الوزارة فى الحد من هذه الظاهرة، وأكدت إنه فى بعض الأحيان يكون انشغال أولياء الأمور أو تكاسلهم بحجة صعوبة المناهج الدراسية وراء لجوئهم للدروس الخصوصية على عكس السنوات الماضية التى كان للمدرسة دورها وكان للأب والأم دورهما فى البيت مع الطالب وكانت العملية التعليمية تكاملية، أما الوقت الحالى أصبحت العملية التعليمة مقتصرة على المدرس فحسب إن لم يكن من خلال المدرسة فيكون من خلال الدرس الخاص وهذا يخلق جيلاً غير واع ويغرس فى الطلاب أن عملية التعليم مقتصرة على عدد ساعات معينة وبانتهائها تتنهى فكرة التعليم، عن فكرة الكتاب الخاص بالمدرس اكدت تبارك خبيرة التربيةان ذلك مخالف للقواعد لأن المدرس قبل ان يطبع الكتاب لابد أن يأخذ موافقة من وزارة التربية والتعليم وفى أغلب الأوقات يكون الكتاب الخاص بالمدرس مجرد اقتباس من الكتب الأخرى الحاصلة على موافقة وزارة التربية والتعليم وهذا الأمر يعتبر مخالفة أخرى يعاقب عليها القانون وفى حالة رصد أى من هذه الكتب يحال المدرس للتحقيق، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على فكرة الملازم الخاصة فشأنها شأن الكتاب لأنها تكون بدون مراجع علمية كما هو موجود بالكتاب المدرسى أو حتى بالكتب الخارجية الموجودة بالأسواق والمصرح بها.
ومن جانبه علق الدكتور كمال مغيث باحث بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية، على فكرة انتشار مراكز الدروس الخصوصية بهذا الشكل المبالغ فيه بأن هذه المراكز أصبحت تعليما موازيا للمدرسة بعد أن فقدت المدرسة هويتها لدى الطلاب، وذلك بسبب رفع الغياب فى عدد كبير من المدارس وإلغاء حصص النشاط التى كانت من أهم عوامل الجذب للطلاب، وفقدان المدرس لهيبته من خلال التعامل فى الدروس الخصوصية وراء تفاقم هذه المراكز وللأسف عملية التعليم داخل هذه المراكز أصبحت تجارية بشكل مبالغ فيه فعلى الرغم من إنها تأخذ من الطالب مبالغ مادية إلا أنها لا تقدم له عملية تعليمية مرضية كما يجب ولكن هدفهم هو استنزاف الطلاب واستغلال حاجتهم لأخذ دروس خصوصية تعوض غياب المدرس عن المدرسة. وذكر مغيث أن المدرسة تعتبر منظومة ثقافية وإنسانية وليست تعليمية فقط ولهذا لابد من الحفاظ على مكانة هذه المنظومة فالطالب لايتلقى العلم فقط داخل أرجاء المدرسة ولكن يتلقى الأخلاق ويكتشف المجتمع من خلال مجتمعة الصغير وهو المدرسة .
وعبر مغيث عن استيائه من حال الجامعات المصرية خلال الوقت الحالى فلم تعد قادرة على تخريج جيل قادر ومنتج للبحث العلمى نتيجة للبنية الخاطئة التى اعتمدت على الدروس الخصوصية.
رواتب المدرسين
 وأضاف مغيث يأتى دور وزارة التربية والتعليم فى الرقابة على تواجد المدرس فى المواعيد المخصصة له داخل المدرسة، وعلى الوزارة إعادة النظر فى القوانين الخاصة برواتب المدرسين حتى تكون العملية عادلة ولاأجد المدرس مبرراً لترك المدرسة والأنصراف للدروس الخصوصية بحجة قلة الراتب الخاص به، وذلك لأن مرتب المدرس يعد عصب العملية التعليمية وإعادة النظر لتطويره يعتبر حجر الأساس فى النهوض بالعملية التعليمية وهذا الأمر قد يحتاج جهداً فى بداية تطبيقه ولكن إذا تم البدء به بشكل تدريجى سنرى خلال السنوات المقبلة تطوراً ملحوظاً فى العملية التعليمية وسنلاحظ تقلص فكرة الدروس الخصوصية والمراكز الخاصة بشكل كبير مقارنة بالفترة الحالية، وأكد مغيث ان حل أزمة التعليم وإصلاحه تحتاج لإرادة من القيادة السياسية تتمثل فى زيادة ميزانية التعليم وتوزيعها على الرواتب والأنشطة المدرسية والرحلات العلمية التى تساعد فى تثبيت المعلومة لدى الطالب بشكل مبسط .
المراكز الخصوصية كارثة تهدد المجتمع المصرى
وأشار مغيث إلى أن الدروس الخصوصية والمراكز الخاصة تخلق جيلاً غير واع يفتقد المعلومة السليمة ويجعل ورقة الامتحان هى أخر صلة للطالب بفكرة التعليم وهذا يؤثر على مراحل تعليمه فى الجامعة وخاصة فى الكليات العلمية وهذه تعتبر كارثة تهدد مجتمعا بأكمله،  فخلال السنوات المقبلة سنكون بحاجة لدكاترة ومهندسين على درجة من الخبرة والكفاءة وسيكون الوضع كارثياً فى هذا الوقت لأننا لم نعدهم من الأساس على هذا الأمر بل استجبنا لفكرة الحفظ دون فهم للمعلومة وبشكل أوضح أصبحت المناهج الدراسية تفتقد المعلومات القابلة للنقاش والفهم وأصبحت المناهج هدف المجلس هو التأكد من أن المعلم يقوم بواجبه بشكل حقيقى وفعال والتأكد من وجود فاعلية فى العملية التعليمية عن طريق إجراء الأبحاث العملية.
الطبل والأغانى بمراكز الدروس الخصوصية
وعن طريقة بعض المدرسين فى توصيل المعلومة للطلاب عن طريق الأغانى والرقص فأكد كمال مغيث أن طبيعة المناهج القائمة على الحفظ هى حجر الأساس لابتداع هذه الطريقة، ورتابة المناهج سمحت للمدرسين بذلك وهذه الطريقة تتنافى مع أخلاق المهنة وأخلاق العملية التعليمية، كما أنها تعتبر طريقة مؤقتة لحفظ المعلومة وبالتالى من الممكن نسيانها مع الوقت وهذا يخالف الهدف من التعليم حيث نهدف للحفاظ على المعلومات لدى الطلاب بهدف الاستفادة منها وتطويرها مع الوقت وتطبيقها على أرض الواقع وليس نسيانها بعد الخروج من الامتحان.
مجموعات التقوية للضعفاء فقط
وذكر مغيث ان فى السنوات الماضية منذ السبعينيات فكرة الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية لم تكن إلا نادرة وفى حالات استثنائية للطلاب الضعاف فى بعض المواد وليس كل المواد كما هو منتشر فى الوقت الحالى، وكان المتفوقون  لايلجأون للدروس الخصوصية لأنها كانت مقتصرة على الطلاب «الفاشلين» كما أوضح مغيث، ولكن خلال الوقت الحالى بعد فقدان أولياء الأمور الثقة فى المدارس أصبحت الدروس ثقافة عامة لجميع الطلاب حتى المتفوقين دراسيًا وأصبحت المدرسة تفقد عقيدتها وطالب مغيث ان تكون هناك نقابة معلمين قوية تقوم بدورها بشكل فعال تجاه أعضائها وتساهم فى تطوير العملية التعليمية بشكل إيجابى.