الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

محمد يوسف: التعليم الفنى فى «الإنعاش»

محمد يوسف: التعليم الفنى فى «الإنعاش»
محمد يوسف: التعليم الفنى فى «الإنعاش»




حوار - نشوى يوسف

على الرغم من عشرات المبادرات التى طرحت لتطوير التعليم الفنى باعتباره القاطرة الوطنية القادرة على إعادة الصناعة المصرية إلى عرشها الذى تربعت عليه لقرون منذ عهد الفراعنة حتى الدولة المصرية الحديثة، إلا أن مصر تعانى فى الوقت الحالى من فجوة حقيقية فى الربط بين مخرجات هذا التعليم والحاجات الحقيقية لسوق العمل.
«روزاليوسف» فتحت الملف الشائك مع اثنين من كبار المتخصصين فى التعليم الفنى والمهنى وذلك بحكم مشاركتهم فى محاولات التطوير المستمرة التى وصفها بالمسكنات التى سرعان ما يزول مفعولها بمجرد انتهاء ولاية كليهما.
«التعليم الفنى فى الإنعاش» جملة بدأ بها الوزير الوحيد للتعليم الفنى فى مصر الدكتور محمد يوسف فى حواره لـ«روزاليوسف»، وأكد فيه أن التعليم الفنى يعانى من العديد من الأزمات منذ فترة طويلة وهو ما حاول التغلب عليها خلال فترة توليه الوزارة ولكن سرعان ما توقف الأمر بعد إلغائها.
وشدد على أن النهوض بهذا التعليم مرة أخرى يحتاج إلى تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى لوضعه فى خطة الدولة للمشروعات القومية التى حققت نجاحا كبيرا بسبب متابعته المستمرة لها، وهو الأمر الذى يحتاجه التعليم الفنى.. وإلى نص الحوار..
 ■ بداية كيف ترى حال التعليم الفنى والتدريب المهنى فى مصر حتى الآن؟
- الحكاية ببساطة عن مدارس التعليم الفنى والمهنى التى يمثل طلابها ٦٤٪ من طلاب التعليم الثانوى وميزانيتها لا تتعدى مليارًا ونصف المليار جنيه موزعة على ألفى مدرسة إضافة إلى ٦٠٠ مركز تأهيلى فنى فى هذا القطاع غير أن الميزانية المرصودة لا تغطى تكاليف سبع مدارس تدخل ضمن برامج التطوير ونفاجأ بأنها تخرج لنا أجيالا دون المستوى ينضمون بعدها لصفوف العاطلين.
ومازال التعليم الفنى والتدريب المهنى يحتاج الكثير من الوقت والجهد والعمل المستمر لإحداث نقلة نوعية ولابد من تحديد القطاعات المستهدفة ووجود سيستم واحد يراعى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التى تمر بها البلاد فى الوقت الحالى وهنا لابد أن أنوه إلى التجارب الموجودة والتجارب المستوردة من الخارج.
نعم استيراد التجارب من الخارج «شيء كويس» لكن ماينفعش أطبق التجربة الخاصة بدولة معينة بمواصفات معينة بها صناعة ناضجة بشكل معين «وتيجى تقولى أطبقها فى مصر مينفعش»، ولذلك لابد من عمل نظام خاص بالتجربة المصرية نابع من فهم أنظمة الخارج والأهم من ذلك قياس طريقة التفكير فى مصر فهناك الكثير من الخبراء يتحدثون عن تجارب فى التعليم الفنى والمهنى لكن القليل منها ماهو مستقى من الحالة المصرية وعناصرها وطريقة تفكير الناس فيها.
لذا فإن التعليم الفنى والمهنى والتدريب يحتاج الكثير من الجهد من قبل الحكومة ولابد من تصنيفه ضمن الأولويات الخاصة بالدولة مثلما فعل الرئيس السيسى فى المشروعات القومية.
 ■ هذا بالطبع يتطلب وجود خطة استراتيجية، فهل توجد؟
- بالفعل هناك خطة استراتيجية للتنمية المستدامة حتى 2030 وضعتها وزارة التخطيط وطبعا هى تضم مجموعة من العناصر العامة والمشكلة عندنا فى مصر تكمن فى تطبيق مثل هذه الأفكار الجميلة على أرض الواقع.
 لذلك الحل أن يصبح تطوير التعليم الفنى والمهنى أولوية أولى كما عمل المهندس إبراهيم محلب فهو رجل صناعة وبناء بدأ حياته مهندسا حتى أصبح رئيسا للوزراء وحيث أنه لمس القصة بيديه قرر أن يكون هناك كيان موحد يجمع هذه المنظومة واستحدث فكرة وجود وزارة التعليم الفنى التى شرُفت بقيادتها.
 ■ وما الأسباب التى أدت لتدهور التعليم الفنى والمهنى فى مصر بهذه الصورة من وجهة نظرك؟
- لعدم وجود جهة واحدة تقوم على هذا الشأن وكلٌ يعمل فى جزر منعزلة على عكس التعليم الفنى فى أوروبا فهو على رأس القطاعات المدعومة هناك لتحقيق العدالة وتحسين الصناعة.
والمشكلة عندنا أن التعليم الفنى جزء منه تابع لوزارة التربية والتعليم وجزء آخر تابع لوزارة التجارة والصناعة وجزء ثالث تابع لجهات أخرى وده ماينفعش لذلك لابد من توحيد القيادة لتحقيق النتيجة المرجوة والقضاء على فكرة الصراع المؤسسى «ومايجيش كل واحد يقولك دى بتاعتي».
 ■ لكن الصورة الذهنية السيئة عن التعليم الفنى والمهنى هى أيضا أحد الأسباب؟
- التعليم الفنى يعانى عبر التاريخ فعند الفراعنة كان أبناء الأمراء والكهنة يتعلمون الفلسفة والطب وأبناء الفقراء يعملون بالوظائف الحرفية وسرى هذا الكلام فى العهد الإسلامى وسرى فى العهد العثمانى الذى قضى تماما على الصناعة الحرفية فى مصر حيث بعثوا للأستانة 500 فنى وعامل مصرى من أمهر الحرفيين مما أدى لغلق حرف بالكامل فى مصر.
حتى فى أوروبا ينظرون للعمل الحرفى على أنه يحتاج مهارات عقلية أقل من العمل الأكاديمى «لكن الواقع بيقول إن البلد ماينفعش تطلع كلها دكاترة ومهندسين ومينفعش تبقى كلها عمال لازم كده ولازم كده» والشطارة هنا أن نبحث عن الأسباب الأساسية لإحجام الناس عن إلحاق أبنائها بالتعليم الفنى والمهنى ومعرفة طريقة تفكيرهم ثم التحاور معهم وتوفير التعليم الجيد لأبنائهم فى المجال الفنى والمهني.
■ بمناسبة التعليم الجيد البعض يقول أن المدارس الفنية تخرّج طلابًا غير مؤهلين أصلا للالتحاق بسوق العمل، فما تعليقك؟
- هناك مشكلة كبيرة جدا فى الطلاب الذين يلتحقون بالتعليم الفنى والمهنى فى مهارات القراءة والكتابة ولذلك أول مشروع عملته عندما توليت منصب نائب وزير التربية والتعليم أننى ذهبت لمعهد البحوث التربوية لقياس هذه الظاهرة وبالفعل وجدوا أن 60 % من هؤلاء الشباب عندهم مشاكل فى مهارات القراءة والكتابة إضافة إلى أن من يلتحق بهذه المدارس هم أصحاب المجاميع القليلة لذا فلابد من التكاتف لتنشئة الطلاب من البداية تنشئة سليمة حرصا على مستقبلهم.
 ■ ومتى نستطيع إذا تخريج عامل فنى ماهر من هذه المدارس؟
- يمكن أن نصل لذلك ببساطة عندما تتوحد الجهود والرؤى وتصبح هناك مظلة واحدة تتولى التعليم الفنى والمهنى وبعد كده نبدأ عمليات التطوير حتى نصل لتخريج عمالة فنية محترفة.
 ■ ومتى يمكن أن تكون المدرسة الفنية جاذبة للطلاب؟
- لابد أولا من وجود تحفيز معنوى للالتحاق بهذه المدارس بمعنى توفير منح للتدريب فى الخارج مثلا وأن يتمكن الخريج من الالتحاق بالأعمال الدولية من خلال شهاداته وأن يكون دخله المادى كبيرًا.
 ■ ولماذا فشلت إذن فكرة فصل التعليم الفنى عن التعليم العام رغم وجودها فى كثير من دول العالم؟
- لم تفشل ولكن «نفسها كان قصير» «وياما شوفنا وزارات فى مصر انضمت ثم انفصلت مثل الاستثمار والتعاون الدولى ومثل القوى العاملة والهجرة» لكن فعلا الموضوع كان يحتاج مزيدا من الوقت وماينفعش تحكم على وزارة من خلال 6 شهور فقط.
 ■ ما مدى صحة مقولة أن خريجى التعليم الفنى لا يجدون فرص عمل مناسبة؟
- فرص العمل الفنية متوفرة ولكن مهارات خريجى التعليم الفنى غير مناسبة له.
 ■ ولماذا؟
- للإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نفهم أولا حاجات الاقتصاد القومى وما يرتبط به من صناعات وهو المر الذى يحتاج إلى خطة عمل محكمة تربط ما بين الاحتياجات الحقيقية للصناعة والأعداد المناسبة للالتحاق بالتعليم الفني.
 ■ وكيف نربط مخرجات التعليم الفنى والمهنى باحتياجات سوق العمل الفعلية من وجهة نظرك؟
- هذا هو جوهر المشكلة.. فالصناعة طرف أساسى فى الموضوع لأننا يجب أن نكون مدركين لتنوع متطلبات الصناعة فى مصر فالميكانيكى مثلا الذى يعمل فى مرسيدس مهاراته مختلفة تماما عن الميكانيكى الذى يعمل فى بى إم دبليو.. لذا لابد من وضع نظام لتحقيق رغبات الصناعات المختلفة والجلوس مع الشركات الكبيرة لوضع تصور بشكل احترافى.
 ■ هل ترتبط تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالتعليم الفنى والمهني؟
- بالتأكيد فالدول الأوروبية والصين قامت أساسا على الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
 ■ وهل هناك دور للقطاع الخاص فى التعليم الفنى والتدريب أم يقع الموضوع كله على عاتق الحكومة؟
- من خلال خبرتى الكبيرة فى العمل بالشركات عندما أخاطب القطاع الخاص لابد أن أخاطبه بلغة يفهمها وليس من منطلق واجبه الوطنى فقط.. لكن الحل المستدام هو أن الحكومة تبحث عن حلول لتحقيق مكسب للحكومة وكذلك للقطاع الخاص من عمليات التطوير وهو مايعود بالخير على خريجى هذه المدارس لذا لابد من إعطاء الحافز للقطاع الخاص لإنشاء مدارس بمصروفات ومدارس تعليم مزدوج ولك حرية فى الالتحاق بها من عدمه والمصروفات هنا نظرا لأنه يتحمل تكلفة كبيرة جدا فى إنشاء البنية التحتية لهذه المدارس وتجهيز الورش والمعدات.
 ■ لو حددنا فترة زمنية لتطوير التعليم الفنى فى مصر. كم تكون؟
- مش أقل من 7 سنوات لإعداد البنية التحتية وتأهيل المعلمين وتأهيل المدارس وتطوير المناهج وتحسين الصورة الذهنية وايجاد نوع من التحفيز ولابد حتى ننجح من وضع تطوير التعليم الفنى والمهنى كأولوية قصوى من الأولويات التى تقوم الدولة بتنفيذها.
 ■ سؤال أخير.. التعليم الفنى فى مصر إلى أين؟
- ماتم إنجازه خلال الثلاثة أعوام الماضية أشبه بمريض أعطيته جرعة مضاد حيوى حتى يتعافى لكنك أوقفت العلاج فجأة فتأزمت حالة المريض مرة أخرى وعليك أن تبدأ معه من الصفر مرة ثانية.. لذا أعتقد أن التعليم الفنى والمهنى فى مصر خلال الفترة المقبلة يحتاج إلى علاج فعال ووجود مظلة واحدة تقوم على تطويره بشكل احترافى وتوحيد الرؤى وتكاتف الجميع للخروج مما نحن فيه.