الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بالأرقام.. نرصد زواج القاصرات غير الرسمى

بالأرقام.. نرصد زواج القاصرات غير الرسمى
بالأرقام.. نرصد زواج القاصرات غير الرسمى




كتبت ـ مروة عمارة

 

«أكثر من 12 ألف طفل مجهولى النسب تتبناهم أسر بديلة و 9729  طفلًا يتواجدون  فى 468 مؤسسة إيوائية بالأعمار المختلفة».
فالعثور على طفل رضيع ملقى بجوار مسجد أو مستشفى وقسم  أصبح بالأمر الطبيعى حيث لا يمر يوم إلا ونسمع عن تلك النوعية من الحوادث.. ومؤخرًا أعلن العثور على رضيع بجوار مسجد بشارع «المدارس» بالغردقة تم التوصل لوالديه، حيث قام  جده  بإلقائه خوفًا من العار، لارتباط طفلته بعقد زواج عرفى بآخر.. وبالمثل قررت نيابة مركز «ديرمواس» تحت إشراف المستشار أحمد الفولى، المحامى العام لنيابات جنوب المنيا، إيداع طفل رضيع، عثر عليه على قيد الحياة ملقى بأحد اكوام القمامة، بإحدى دور رعاية وزارة التضامن، وعثر أيضا بمدينة أبوصوير بمحافظة الإسماعيلية، على طفل رضيع ملفوف ببطانية، بجوار مدرسة السبيل.

وأعلنت دكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى، أن عدد الأطفال مجهولى النسب لدى الأسر البديلة بلغ 12.336 ألف طفل حتى الآن، علاوة على وجود  9729  طفلًا بـ468 مؤسسة إيوائية بالأعمار المختلفة، وطبقاً للاجراءات المعلنة من قبل وزارة التضامن، عقب العثور على الطفل مجهول النسب، يتم التوجه إلى أقرب قسم شرطة، لتتولى الشرطة أمره، وفى حال عدم الوصول لولى أمره، يتم  تحويله إلى أقرب وحدة صحية تابعة للمنطقة التى يقع بها القسم، لتقديم الرعاية الطبية للطفل ومعرفة سنه وحالته الصحية، وهناك يتم تسجيله رسمياً فى سجلات الدولة، ويأخذ اسماً عشوائياً مكوناً من أربعة أسماء، لاستخراج شهادة الميلاد، وبعد مرور عام، يتم إبلاغ وزارة التضامن الاجتماعى التى يحضر عنها مندوب لاستلام الطفل من المركز الصحى، وإيداعه دور الرعاية الحكومية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، وتتولى الدار تسليم الطفل إلى «الأسر البديلة»، التى لم يرزقها الله بالذرية على أن يتم عمل تحليل DNA للأطفال مجهولى النسب قبل اعطائهم للأسر البديلة لعدم اختلاط الأنساب أو التلاعب فى نسبهم وفى حالة استمرار الطفل فى دار الأيتام إلى أن يبلغ السن القانونية ويستطيع الخروج للعيش خارج الدار والاعتماد على النفس فور بلوغ الطفل سن الـ 18 سنة.
ويتم تسليمه الأوراق الرسمية الخاصة به مثل شهادة ميلاد وبطاقة وشهادة من الدار ومبلغ مالى تم ادخاره من خلال التبرعات، ليساعده على إيجاد سكن ووظيفة وإكمال الدراسة، وهو ما أكده هانى هلال عضو المركز القومى لحقوق الطفل المصري، أن «قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 يكفل للطفل الحق فى الاسم والنسب، وهو ما دفع المركز للقيام بدور فى كل قضايا النسب المرفوعة أمام المحاكم من منطلق حقوق الطفل ووفقًا لاتفاقية حق الطفل فى الحصول على اسم ونسب وجنسية».
زواج القاصرات يترتب عليه صعوبة إثبات النسب لأبناء الفتاة المتزوجة أقل من 18 عاماً، حيت تنظر اغلبهن لحين إتمام الثامنة عشرة للسعى لإصدار شهادات ميلاد لإبنائها وتوثيق العقد العرفى وتحويله لعقد شرعى، وأزمة مجهولى النسب ليست فقط للفتيات القاصرات ولكن أيضا لأبناء الزواج الرسمى والعرفى، بالاضافة للعلاقات غير الرسمية.
وحسب التعداد السكانى على مستوى الجمهورية لعام 2017، بلغ عدد المتزوجين أقل من 18 عامًا فى مصر 18.3 مليون نسمة، وتمثل حالات زواج القاصرات 14% من إجمالى حالات الزواج فى مصر سنويًا، وتصدرت المحافظات الحدودية القائمة بنسبة 23% وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40% بالصعيد والقرى والأرياف.
وفى دراسة حديثة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، كشفت أن زواج القاصرات انتشر خلال الفترة الأخيرة من خلال عقود الزواج العرفية، وارتفع بنسبة 33% عن المعدلات الطبيعية، حيث ، يتراوح عدد حالات الزواج العرفى التى تتم يوميًا، من 622 إلى 820 حالة يوميا، وأكثر من 5 آلاف فرد بين محامين وسماسرة يعملون فى الزواج العرفى وزواج القاصرات فى مصر ويدرون يوميًا ما يزيد على 4 ملايين جنيه، من حالات الزواج المختلفة، لفتيات صغار فى السن من الأثرياء العرب، و76% من الفتيات اللاتى يتزوجن وهن فى عمر أقل من 13 عاما.
وأشارت الدراسة إلى أن أكثر من 123 ألف حالة زواج عرفى تمت بين مصريات وأشخاص عرب، وصلت نسبة زواج القاصرات منها حوالى 58%، بالإضافة إلى ظهور أنواع مختلفة من الزواج، منها الزواج السياحى وزواج المتعة، وقد ارتفعت نسبة هذه الزيجات فى مصر ليصل إجمالى هذه الزيجات إلى 348 ألف حالة، كانت أغلبها لزواج مصريات من عرب، وهناك مناطق انتشر فيها زواج القاصرات، منها بعض القرى التابعة لمحافظة الجيزة، وهى قرى طموه والحوامدية والعزيزية.
تشهد المحاكم  آلاف القضايا لإثبات النسب، لمن لم يقوموا بالتخلص من أبنائهم، ويسعوا من أجل استخراج شهادة لميلاد الطفل والحصول على النفقة، والكثير منهم لم يتجاوز الـ 18 عاما، وهو ما حكته لنا « م. ن»، أنها تزوجت بعقد عرفى من ابن قريتها بالصعيد، لكونها لم تتجاوز الثامنة عشرة، وبعد عدة أشهر حدثت خلافات وتركها الزوج ولكن بعد علمه بحملها، ورغم إنجابها لطفلها الذى تجاوز عمره الثمانية أشهر، إلا أنه رفض إثبات النسب لها، «طالبوا أهل القرية بأن يحول عقد الجواز لشرعي، لإثبات نسب الابن، ولكنه رفض قائلا مش ابنى».
لا تزال «م. ن» تعانى محاولة إثبات نسب طفلها، بالورقة العرفية التى بحوزتها، ومثلها «أ . م»، والتى قام والدها بتزوير شهادة تسنين لها، واتمام عقد  زواجها لدى مأذون القرية، لكى تتزوج من رجل عربى، ولكن بعد فترة من الزواج هرب الزوج واكتشفت أن العقد مزور وأن المأذون «نصاب»، لتواجه مشاكل أثبات نسب طفل لأب خارج البلاد وعقد زواج «مزور».
وصلت نسبة الدعاوى للأمهات القاصرات أمام محاكم الأسرة خلال عام 2015 وعام 2016 الباحثات عن حقوقهن بعد الزواج بعقود مزورة، حوالى 16 ألف دعوى إثبات الزواج، و14 ألف دعوى إثبات النسب، و12 ألف دعوى النفقة، فيما تصل مدة دعوى إثبات النسب أو إثبات الزواج أمام محاكم الأسرة فترة ما تقارب سنة إلى سنة ونصف سنة وأقيمت ١٢ ألف دعوى إنكار نسب تراوحت مدد الزواج فيها من سنة إلى ١٨ عاماً، وعدد المحاضر المحررة فى أقسام الشرطة خلال عام 2015 بسبب الخلاف على صحة النسب إلى ٤٥٠٠ بلاغ.
ويقول نقيب المأذونين إسلام عامر «الزواج العرفى للقاصرات، منتشر بصورة مفزعة بسبب أئمة المساجد المتورطين فى قرابة 90% من الحالات، ويتورط أيضا بعض المحامين، بعقد عقود عرفية مقابل عمولات مادية»، ويضيف  «هناك ما يقرب من 4 آلاف شخص ينتحلون صفة مأذون، ويعقدون الزواج العرفى للقاصرات، وتم توثيق ما يزيد على 970 ألف حالة زواج فى 2016، وما يقرب من 50 ألف عقد زواج غير موثق تحت السن القانونية لزواج القاصرات، وذلك بسبب أن قانون الأحوال الشخصية لا يُجرّم عقود الزواج العرفى، وهو ما يشجع البعض على تزويج الفتيات فى سن صغيرة دون خوف، وبالتالى لابد من تجريمه».
وقعت مصر على اتفاقية عام 1990 لحماية الطفل والتى يُجرم توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة، وتضع شرطًا للتوثيق بإتمام الفحص الطبى للراغبين فى الزواج، ويعاقب تأديبيًا كل من وثّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة. وبالمثل أقرت المادة 31 مكرر، والتى أضيفت إلى قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، بشأن الأحوال المدنية، ويعاقب تأديبيًا كل من وثَّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة، وبالمثل المادة رقم (227/1) من قانون العقوبات نصَّت على أنه «يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على 300 جنيه كل من أبدى أقوالاً أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق».
وتتحدث سيدة إخرى عن معاناة قضايا النسب وتدعى «م . م»، تبلغ من العمر 24 عاما، رفض زوجها إثبات نسب الطفلة، رغم انهما مرتبطان بعقد عرفى، فقام بطردها، وبقيت القضية حوالى سنة تقريبا دون فصل، وتقول  إجراءات إثبات نسب  الطفل، تتم من خلال عقد زواج عرفى وشهادة شهود لتأكيد علاقة الزواج، أو من خلال إثبات الإقامة مع الزوج فى منزل زوجية، «واذا كنت فقدت العقد او الشهود كنت سأواجه مشلكة او الشهود، لابد من اجراء الـ DNA ، ولو امتنع عن إجراء التحليل باعتباره غير ملزم، فلا يوجد ما يثبت نسب الطفل لأبيه و يتم رفض دعوى النسب لأن القضاء يستند إلى الراجح فى الفقه بأن الابن للفراش».
وأكد على قولها، المحامى بقضايا النسب، دكتور مدحت عوض الله، قائلاً «تتم الدعوى على عدة مراحل أمام محكمة الأسرة، وتبدأ بتقديم طلب رفع دعوى إثبات نسب، لمكتب التسوية الموجود بمحكمة الأسرة، التابع لها المدعى عليه، وإذا لم يتم الفصل فى المشكلة وديًا، أمام الخبيرين النفسى والاجتماعى بمكتب التسوية، تقدم بطلب آخر لإقامة دعوى قضائية أمام نفس المحكمة، ويرفق عقد الزواج للطرفين إن كان موجودا، ويتم إحالة الطفل إلى اللجنة الطبية لتقدير أعمارهم، وفى حالة عدم إقرار المدعى عليه بادعاء المدعية وإنكار النسب، تتم إحالة الأطفال إلى لجنة طبية بمصلحة الطب الشرعى، لفحص الحامض النووى «DNA».
وتابع: «يتم الحكم بثبوت نسب الولد إلى والده المدعى عليه من فراش الزوجية للمدعية  فى حال توافر شرط عقد الزواج او الشهود، ولكن أغلب دعاوى إثبات النسب ترتبط بحالات زواج عرفي، أو سري، بعد إنكار الأب للأطفال من تلك الزيجات، إلى جانب حالات زواج شرعي. وتستغرق وقتا طويلا فى حالة عدم استطاعة المرأة إثبات علاقة الزواج، أو قدرتها على أحضار شهود».
«أثبات النسب فى مصر يقوم على الأدلة الشرعية، ولا إلزام للوالد بتحليل الـDNA، وهو ما يتسبب فى رفض الدعوى وتستغرق أعوامًا بسبب عدم التزام الوالد بالحضور أيضاً».
جهود حماية «مجهولى النسب»
وفى مجال حل أزمة مجهولى النسب، أصدرت رئاسة الوزراء قرار رقم 178 لسنة 2016 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الطفل، ويسمح التعديل الجديد بتسليم الأطفال للأسر البديلة الراغبة فى احتضانهم بدءًا من 3 أشهر بدلًا من سنتين، واحتوى التعديل ايضًا على توسيع دائرة الأسر البديلة التى مسموح لها كفالة الأطفال مجهولى النسب، برفع سن الزوجين الراغبين فى الكفالة إلى 60 عاماً بدلا من 55 عاماً، مع إتاحة ظروف صحية واجتماعية ومادية ونفسية تعوض الطفل فقدان والديه.
وهو ما أكدته دكتورة غادة والى، وزير التضامن، على حرص  الوزارة  على توفير أوجه الرعاية الكاملة للأطفال مجهولى النسب، وأن يكونوا التقدم بطلبات لكفالة الأطفال مجهولى النسب إلكترونيا من خلال ربط المديريات، ومعرفة كل المشاكل التى تواجه المديريات والعمل على حلها، إضافة إلى انه سيتم إعداد مشروع قانون جديد من قرارات الرئيس.
كما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن القرار الجمهورى رقم 15 لسنة 2015، لتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعى 137 لسنة 2010، وتضمن التعديل استبدال الفقرة «ج» من المادة الثانية، الخاصة بتعريف اليتيم، ليكون «كل من توفى والداه أو توفى أبوه ولو تزوجت أمه، أو مجهول الأب أو الأبوين»، وجاء للقرار ليحل أزمة كبرى عانى منها مجهولو النسب، وهى استخراج أوراق رسمية، ووفقا القرار يتم بمعاملة الطفل مجهول النسب، كالطفل اليتيم، وأصبح بمقدورهم استخراج أوراق يحصلون بمقتضاها على ضمان اجتماعى وتأمين صحى وشهادة ميلاد، ويحدد طبيب الصحة له سنا، ثم يختار له اسما ثلاثيا عشوائيا، بشرط، ولا يُكتب بالشهادة ما يشير إلى كونه مجهول النسب، وتكتب المنطقة التى عُثر عليه فيها كمحل للميلاد.
وعلى صعيد الآخر، سعى الرئيس عبدالفتاح السيسى لحل أزمة الزواج المبكر، بعد الاشارة لها خلال مؤتمر الاعلان عن التعداد السكانى، وبدأت أكثر من جهة حكومية تعلن عن آليتها لمواجهة خطر زاوج القاصرات، وأبرزها قطاع التشريع بوزارة العدل وتتم دراسة مشروع قانون يجرم الزواج المبكر لمن هم أقل من سن الـ18 عامًا، وتعده وزارة الصحة والمجلس القومى للسكان وأرسلته إلى الوزارة، لوضع العقوبات الرادعة المناسبة لتجريم الزواج المبكر، تمهيدًا لإرساله إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه ثم مجلس النواب لمناقشته وإقراره، وسيتضمن تعريف الزواج المبكر، واعتبار الزواج المبكر لأقل من 18 عامًا هو اتِّجار جنسى، بالإضافة إلى شمول العقوبة لكل من شارك وتورط فى ارتكاب الجريمة، وأبرزهم ولى الأمر، والمأذون أو المحامى المسئول عن توثيق عقد الزواج وكل من شارك فى ارتكاب تلك الجريمة.
وهناك تعديلات جديدة لقانون المأذونين، تقوم بإلغاء اعتماد المأذون على شهادة تسنين الزوجة قبل عقد الزواج، وباعتماد بطاقة الرقم القومى لمعرفة سن الزوجين عند الزواج كشرط أساسى لتحرير عقد القران، ويستند المأذون فيما يتحقق منه على ما تتضمنه البطاقة من بيانات الحالة المدنية، ويثبت بالوثيقة رقم بطاقتى الزوجين وجهة صدورهما.