الحكومة "المرعوبة"
عبد الله كمال
في الخامسة من مساء الثلاثاء أمس الأول، شرفنا الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف في ندوة مجلة "روزاليوسف"، دعوناه لكي نناقشه في مسائل كثيرة.. علي رأسها بالطبع موضوع النقاب.. فقد كان صاحب سبق حين أصدر عشرات الألوف من نسخ الكتاب المعروف قبل أشهر "النقاب عادة وليس عبادة".. وكان أن سألناه: لماذا لا تتقدم الحكومة بمشروع قانون لمنع ارتداء النقاب في الدواوين الحكومية؟
إجابته الفورية أدهشتني جداً.. إذ قال: لا أعتقد أن قانوناً بهذا الشكل يمكن أن يمر من مجلس الشعب، ومن ثم كان أن عدنا إليه بالاستفسار: لماذا؟ فقال: إن بعض النواب سوف يقولون إن النقاب حرية شخصية!
وأزعجني تقدير الوزير علي الرغم من احترامي لصراحته، ولكن بلغني صباح أمس الأربعاء كلام آخر.. فسر لي تحفظ الوزير.. إذ تبين أن الحكومة قد ناقشت بالفعل هذه المسألة.. مسألة النقاب في عموميتها وليس القانون في أهميته وخصوصيته.. واتضح أن مجلس الوزراء لم يتمكن من إصدار بند في بيان الأسبوع الماضي يقول فيه إنه يساند الوقفة التي أخذها بعض وزرائه ضد النقاب والمنتقبات.
بصريح العبارة وبكل وضوح وكما قالت لي مصادري فإن عدداً من الوزراء قالوا إن النقاب في رأيهم "حرية شخصية".. وفيما يبدو فإن هذا التوجه قد دفع الحكومة لأن تتجاهل الأمر.. وتتعامل مع موقف وزرائها: حمدي زقزوق وحاتم الجبلي وهاني هلال ويسري الجمل.. كما لو أنه لا يخصها.. ومع كلام شيخ الأزهر بكل قيمته الدينية وكأنه لا يعنيها.
هذه حكومة مرعوبة.. وحين لا تتصدي بهذه الطريقة لموقف من هذا النوع.. وتتراجع.. وتتراخي.. وتخشي.. وتخاف.. وتنفخ في "الزبادي".. وتتحجج بالحرية الشخصية فإن هذا يعني أنها غير قادرة علي المواجهة.. وأنها يمكن أن تمالئ التطرف.. وتهادن المتطرفات.. وحين كنت أكتب في مقال الأسبوع الماضي في المجلة أن بعض الوزراء يؤخر ساقًا ويقدم أخري في مثل هذا الموقف.. فإنني كنت أقرأ عدداً من المؤشرات.. ثم تبين لي أن المؤشرات وقائع وحقائق.. وما جري في مجلس الوزراء دليل عليها.
ماذا تحتاج الحكومة المرعوبة أكثر من حكم أصدرته المحكمة الدستورية.. ينص بوضوح علي أن القرار بمنع النقاب الذي أصدره حسين كامل بهاء الدين عام 1994.. أي قبل 15 سنة.. لا يتعارض مع الحرية الشخصية.. هل علي المحكمة أن تنفذ الحكم بيدها.. لكي لا تتورط الحكومة مع المتطرفات.. أم تري أن الوزراء الذين عارضوا إصدار البيان لم يقرأوا الحكم أصلاً.. ولم يطالعوه.. وعرقلوا المجلس عن اتخاذ موقف دون دراسة؟
كيف يمكن أن يمر هذا الذي يحدث؟ وأي حكومة تلك التي تدعي أنها ليبرالية وعصرية.. بينما هي تتراخي أمام خطر من هذا النوع الداهم الذي يغير في شخصية المجتمع.. ويبدل في ملامحه.. ويحول مصر إلي أفغانستان.. والمدارس المصرية إلي كهوف في تورا بورا.. وإذا كانت الحكومة بهذا المستوي من الخوف أمام بضع منتقبات فماذا ننتظر منها إذا اقتضي الأمر وقفة أكثر صلادة في مواقف أكثر وضوحاً وتوجب عليها التزامات أكبر وصراحة أشرس.
ليس علي الدكتور أحمد نظيف أن يتفاخر فيما بعد بأن حكومته تلك هي الأكثر عصرية وليبرالية.. بصراحة شديدة الليبرالية ليست مجرد توجه إلي اليمين الاقتصادي.. بل إن هذا التوجه الاقتصادي لا لزوم له إذا لم يكن الغطاء الفكري للحكومة واضحاً في توجهاتها السياسية والفكرية والثقافية.. ولست أدري كيف يمكن أن تكون تلك هي توجهات الحكومة بحيث تبدو خائفة وغير قادرة علي مساندة وزرائها كما لو أنهم تصرفوا من عندياتهم وبسبب مواقف فردية.
إن علي الحكومة أن تعرف خطورة هذا الموقف.. وأن تنتبه إلي ضرورة علاجه.. وأن توجه إلي المجتمع رسالة صريحة.. وإلا فلينتشر النقاب كما يشاء تحت رعاية الحكومة.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]