الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مـَن يملك يـُحدد المذهب

مـَن يملك يـُحدد المذهب
مـَن يملك يـُحدد المذهب




بقلم: مايكل عزيز

بمناسبة مرور 500 عام على الإصلاح البروتستانتى، نستطيع اختصار هذا الاصلاح بتلك العبارة الشهيرة: «مَن يملك، يحدد المذهب»، فعندما أراد الأوروبيون إصلاح أحوال كنيستهم بالعصور الوسطى، لم ترضخ الكنيسة الكاثوليكية ببادئ الامر بتلك الإصلاحات، ورفع بابوات روما حينها سلاح الحرمان والإعدامات لكل مُصلِح ينادى بالإصلاح، كانت الكنيسة وقتئذ تتسلط بشكل رسمى على الحياة الخاصة والعامة لاتباعها، وكانت تُسيطر سياسياً على الدول التى تتبع مذهبها الكاثوليكى، وفى هذا السياق ظهر راهب ألمانى يُدعى: «مارتن لوثر» وقد أحدثت تعاليمه وخطاباته الروحية ثورة داخل الكنيسة الجامعة، ومن أبرز تعاليمه الرسائل «الخمسة وتسعون» الذى كتبها فى بداية دعوته الإصلاحية والرسائل الخمسة وتسعون كانت تتضمن مجموعة من النقاط اعترض فيها «لوثر» على ما يسمى بصكوك الغفران أو لاهوت التبرير، والذى كانت تعتمده الكنيسة الكاثوليكية آنذاك فى جمع الأموال والتبرعات لبناء الكنائس، وقد قام لوثر فى خطوة جريئة تعليق تلك النقاط الخمس والتسعين على باب كنيسة جميع القديسين فى فيتنبرج - المانيا يوم 31 أكتوبر 1517، وكانت تلك بداية النهاية لتعاليم الكنيسة الخاطئة .
لقد شكلت تعاليم لوثر الروحية والفكرية رواجاً كبيراً لدى أبناء الشعب الألمانى، واعتكافه الشهير بإحدى القصور الألمانية وترجمته للكتاب المقدس باللغة الألمانية بدلاً من اللغة اللاتينية (لغة الكنيسة الرومانية) والذى كان مفروض استخدامها على الألمان، كل ذلك أدى إلى تعزيز الهوية القومية لدى الشعب الألمانى، وهو الأمر الذى عارضته الكنيسة الكاثوليكية بشدة، فقد نشب عن ذلك الإجراء حرب دينية أهلية بين مؤيدى الكنيسة الكاثوليكية وبين مؤيدى المذهب اللوثرى الجديد، ففى عام 1546 اندلع الصراع المسلح فى الأقاليم الألمانية بين قوات الإمبراطور نيابة عن البابا فى روما من ناحية، والقوات التى شكلتها المقاطعات المؤيدة للمصلح البروتستانتى مارتن لوثر من ناحية أخرى، واستمرت هذه الحرب حتى انتهت عام 1555 عندما عقد ما هو معروف باسم «صُلح أوجسبورج» بعدما أيقن الامبراطور الرومانى أن الصراع العسكرى لن يحسم الأمر، وهنا تم اقرار مبدأ مهم للغاية أثر مباشرة فى مستقبل أوروبا بأكملها؛ بل غيره تماما من الناحية السياسية، وهو مبدأ «من يملك، يحدد المذهب» والمعروف باللاتينية باسم «cuius regio eius religio»، فكان هذا بداية لمفهوم «السيادة» فى القانون الدولي، وبداية فكرية وعملية لمفهوم «الدولة القومية» المبنية على مؤسسات مدنية، ومنذ ذلك التاريخ صارت أوروبا على دربها السياسى الذى تطور على النحو الذى نعرفه اليوم.