الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«ولاد البلد».. فى جولات بالمحافظات «الكباريه السياسى».. يكشف دفتر أحوال المصريين

«ولاد البلد».. فى جولات بالمحافظات «الكباريه السياسى».. يكشف دفتر أحوال المصريين
«ولاد البلد».. فى جولات بالمحافظات «الكباريه السياسى».. يكشف دفتر أحوال المصريين




كتبت : هند سلامة


«الفن مرآة المجتمع».. مقولة شهيرة اعتدنا سماعها دائما عن الأعمال الفنية، التى تتناول قضايا واقعية، لكن ليس شرطا أن تقدم هذه المرآة كما هى أو كما رأينها بلا تشكيل أو تغيير يذكر، فليس كل ما تعكسه المرآة يصلح تقديمه كعمل فنى، وسمى الفن «فنا» لأنه يحمل قدر كبير من خلاصة الحكمة فى نقل المعلومات أو فى توصيل رسالة وعظة بفطنة ومتعة وذكاء، لأنه فى النهاية يخاطب وجدان المشاهد ويساهم فى ارتقائه وتوسيع قدرة استيعابه على إدراك الحقائق، فهو دعوة للتفكير وتغيير المفاهيم، وأول ما يتطلبه الفن الموهبة ثم الإبداع والحرفة والخبرة فى صياغة وصناعة عمل متقن يترك أثرا.
المسرح تعليم ومتعة
 يقول جان لوى بارو «المسرح تعليم ومتعة»..وفى عرض «أولاد البلد» للمخرج محمد الشرقاوى والمؤلف مصطفى سليم إعتمد المسرح على التعليم وترك المتعة، ظنا منهم أن جمهورهم المستهدف يحتاج فقط إلى رسالة تعليمية مباشرة للغاية لأنه جمهور غير مهييء للمتعة، وهذا عيب خطير وفخ وقعا فيه المخرج والمؤلف معا، برغم ما تحمله وجهة نظر المخرج من نوايا حسنة فى صناعة أعمال مسرحية موجهه لجمهور بعينه، وهو جمهور القرى والنجوع، معسكرات الأمن المركزي، جماهير المحافظات المحرومة من المسرح مثل الأقصر، أسوان، جنوب سيناء، البحر الأحمر، أسيوط، قنا، مدن القناة السويس، بورسعيد، الإسماعيلية، مدن الدلتا إسكندرية، ومطروح، فهو يلعب دور قصور الثقافة فى توصيل الإبداع لمستحقيه وسبق وأن قدم مجموعة جولات بعرضه الأخير «عاشقين ترابك» ونجح فى جولاته نجاحا كبيرا وهو جهد محمود وعمل يستحق الإشادة والتشجيع لكن فى نفس الوقت لابد أن تمتلك هذه العروض أبسط عناصر وأدوات الإجادة الفنية.
مسرح الكباريه السياسى
«ولاد البلد» عرض مسرحى ينتمى إلى مسرح الكباريه السياسى فمن خلال اسكتشات مسرحية متلاحقة تناول المخرج بالنقد والسخرية أزمة تعويم الجنية وغلاء الأسعار، ثم تطبيق قانون الخدمة المدنية وأثره على الموظفين العاملين بالدولة وبالطبع مشكلة الإرهاب وقتل الأقباط وحماية المسلمين للأقباط، الهجرة غير الشرعية وأخيرا عودة هؤلاء المهاجرين فى قرارهم والإلتحاق بالجيش، ثم استشهاد الصديقين المسلم والمسيحى بطلق نارى واحد حتى يموتا متعانقين، بدأ العرض على لسان راوى الأحداث وبعض المشاركين بالتحدث للجمهور أننا منكم احنا «ولاد البلد» مرتدين ملابس كتب عليها اسم العرض وبعض الكلمات التى كتبت بخط ضئيل، بشكل موجه ومباشر للغاية ثم بدأ الراوى كأنه يقرأ عناوين الصحف ويؤكد للجمهور أننا نعانى من الإرهاب ولابد أن نتحدث عنه ونثور عليه ثم يعلن أن اللوحة القادمة عن غلاء الأسعار، وهكذا طوال العرض كلام مرسل وأحاديث مباشرة وجمل رنانة عن الجنيه وتعويمه،.. حتى ينتهى العرض بخطاب للرئيس السيسى عن ضرورة أن تثأر مصر لأبنائها، المعروف أن مسرح الكباريه السياسى يتناول بسخرية لاذعة قضايا المجتمع ويعتمد هذا النوع من المسرح على مهارة المخرج والمؤلف ثم الممثلين فى صياغة مشاهد مسرحية منفصلة تتعرض بالنقد لقضايا المجتمع بحرفة فنية سواء على مستوى التمثيل أو التأليف أو على مستوى صناعة الإفيهات الكوميدية اللاذعة، وبما أننا بصدد عرض ينتمى لهذا النوع، كنا تتنظر أن نرى هذا المستوى من الإبداع فى صياغة مشاكل المجتمع، اعتمد الكثير من أبطال العرض على الإستظراف الشديد، وبعضهم كان ينتظر سماع ضحك الجمهور بجانب التطويل وتكرار نفس الكلام والمعلومة فى المشهد الواحد، لم ينج من فخ الإستظراف سوى مشهدى المسلم والمسيحى وتحديدا المشاهد التى جمعت كل من الممثل شادى أسعد فى دور الفلاح المسلم وياسر الرفاعى فى دور المسيحى كلاهما تمتع بموهبة وحرفة فنية عالية استطعا الخروج بذكاء من فخ المباشرة والسطحية أو بمعنى آخر تفوقت موهبتهما وآدائهما على مشاكل العرض فجاءت مشاهدهما معا أقوى وأمتع ما فى العمل، تميز ياسر بالصدق الشديد فى أدائه لشخصية المسيحى وشادى بضبط لكنته الصعيدية فخرجت منه بعفوية وتلقائية بعيدة كل البعد عن أى تلعثم أو افتعال، أما باقى العناصر المشاركة لم يبذل بعضهم جهدا فمنهم من امتلك موهبة تحتاج إلى توجيه وآخرون يحتاجون للتعرض إلى مراحل تدريب طويلة.
تغيير ذائقة المشاهد الفنية
أخلص المخرج محمد الشرقاوى لفكرة التجوال بالمحافظات وكما سبق وذكرنا من قبل أنه تجول بعرض «عاشقين ترابك» فى أكثر من محافظة وبمعسكرات الأمن المركزى ولأن هذا هو جمهوره المستهدف بالغ الشرقاوى مبالغة شديدة فى صناعة عمل ينتمى للمسرح التوثيقى أو التسجيلي، فما الفائدة من إعادة فرز وتكرار ما يراه الجمهور يوميا بنشرات الأخبار دون تطويعه فى عمل ذكي، حتى لو كان جمهوره محدود الثقافة أو فقير فى تعرضه للمسرح، كان من الممكن أن يجذب الشرقاوى هذا الجمهور لفنون المسرح بإستخدام حيل مسرحية من الثقافة الشعبية وهى كثيرة، أو أن يعرضه لجماليات المسرح، وبذلك قد يعتاد عليه مستقبلا ويحب مشاهدته، لأن التعرض لهذا الجمهور فكرة فى منتهى الأهمية وهو ما ننادى به جميعا، ضرورة تغيير الخطاب الثقافى بوضع المسرح فى أولويات الجمهور المثقف والعادي، لذلك كان من الأولى أن يحسن محمد الشرقاوى استغلال الفرصة بالاستعداد القوى لهذه الخطوة، وتقديم عمل يحقق رغبته فى توصيل الفن للجمهور، ثم الاهتمام بتغيير مستوى تذوق ووجهة نظر هذا الجمهور للفنون ليس بعرض استكشات تعليمية إرشادية، لكن بإبداع يترك أثرًا فى نفوسهم لأن التواصل الوجدانى هو أساس اللعبة المسرحية حتى يحبها المشاهد ثم يستوعبها فيطلبها وتصبح جزءًا من حياته اليومية، لذلك كان من الأجدى الحرص على تغيير ذائقة المواطن المصرى بتدرج تعرضه إلى صورة مسرحية جيدة وفتح أفق خياله على شكل أوسع وأرحب من المتوقع والمعتاد، فما حدث متوقعا واستهسالًا لم يكن على مستوى الفكرة التى يطمح الشرقاوى إلى تحقيقها على أرض الواقع فهو قام بمبادرة مهمة لم يستعد لتنفيذها جيدا..!
«ولاد البلد» إنتاج فرقة المسرح الحديث التابع للبيت الفنى للمسرح ويعرض يوميا بقاعة صلاح جاهين بالبالون شارك فى بطولته شادى أسعد، وائل مصطفى، عبد العزيز التونى، آية جمال، شروق، ضحى محمد، رنا، إبراهيم طلبة، محمد صالح، عادل يوسف، أمير عز، أحمد مجدي، أمير الصم، محمود فتحى، ياسر الرفاعي، تأليف موسيقى والحان حازم الكفراوى أزياء أميرة صابر، استعراضات فاروق جعفر.