الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المثقفون فـى مواجهة الإرهاب

المثقفون فـى مواجهة الإرهاب
المثقفون فـى مواجهة الإرهاب




كتبت- مروة مظلوم


تشكيل العقل  ليس بالأمر الهين وتهذيب النفس وصقلها يحتاج لحروب أشد شراسة من تلك التى تستخدم القنابل العنقودية والرءوس النووية .. تهذيب النفس يحتاج صقل الروح والفطنة والمنطق يحتاج إلى ثقافة  فهى قوام الحياة الاجتماعيّة، ولا يخلو أى عمل فكرى أو فنى جمالى أو اجتماعى منها، تيسر التفاعل بين البشر توحد الصفوف وتدعم القيم تجدد التراث وتدمجه برؤى المستقبل.. نافذة العقل على العالم وجدار يعزله بالعلم عن عالم الجريمة والتطرف .. وهو ما يعانى منه المجتمع المصرى الآن فحضارة الـ 7 آلاف سنة لم ترفع جداراً ثقافياً صلباً قادراً على صد هجمات الفكر المتطرف فأصبح عالماً من ليس بعالم ومفتياً من ليس أهلاً للإفتاء ..واليوم فرض علينا قتال الجهل بالسلاح ونحن على يقين أن العلم أولى به. «روزاليوسف» رصدت آراء مثقفى مصر عن دور الثقافة فى مواجهة الإرهاب.

د.مدحت الجيار أستاذ النقد الأدبى يرى أن الثقافة لها دور كبير فى إضافة الوعى السياسى والثقافى فى الحياة اليومية لتكون الناس على بينة بحقيقة الصراع الدائر على الساحة السياسية وتتخذ مواقف واضحة للقضاء على الإرهاب كفكرة تسعى للانتشار ومن يروج لها، واعتقد أن الحادث الإرهابى الأخير مصيبة كبيرة ستحتاج إلى وقت طويل من أجل إزالة آثار هذه الكارثة البشرية .
ويضيف «الجيار» أنه فيما يخص دور المؤسسة الثقافية المتمثلة فى وزارة الثقافة بهيئاتها والمؤسسات الأهلية التابعة لها أقترح أن تزيد من نشاطها فى الفترة المقبلة من ندوات وحلقات نقاشية فى ربوع مصر تنبه لخطورة الإرهاب وما يحدث من قتل جماعى بلا أسباب واضحة ويستهدف المجتمع ككل بأفراده بلا تمييز، وفى رأيى على الشباب الدور الأكبر فى نشر الوعى داخل مؤسساتهم التعليمية المدارس والجامعات والأندية الثقافية الأحياء التى يقطنونها، ولإطلاق حملات مماثلة لتلك التى انتشرت أيام ثورة 25 يناير من حماية الأماكن العامة ومنشآتهم الخاصة، الشباب لهم دور أمنى كبير فى حماية مجتمعهم ومدينتهم من أفكار تسعى لتدميره.
ويؤكد د. صلاح فضل - الناقد الأدبى وعضو مجمع اللغة العربية - أن أزمة ثقافة المجتمع المصرى تكمن فى ربطه العلم بالدين، وأنه لابد من فصل العلم عن الدين فلكل منهما طريق بحثى مختلف وهو ما تطرق إليه عميد الأدب العربى طه حسين من قبل وتسبب فى الهجوم عليه لاختراقه المقدس الدينى، بينما يميل المصريون لمقارنة الحقائق العلمية ومطابقتها بالنصوص الدينية وهو أمر غير صحيح فالتاريخ لا يعتمد على النصوص الدينية، بل يعتمد على الحقائق والنقوش والبرديات بغض النظر عن توافقها مع النص الدينى أم لا، العلم يعمل على أدواته والدين يعمل على أدواته، فضلا عن تلك القوانين التى يسوغها البرلمان لدعم الرموز الدينية والرموز القومية لا يجب أن يكون لأى رموز سلطة تتفاقم ولا قواعد ونظريات لا يجوز مراجعتهم فيها فكل شيء قابل للنقض والتحليل بما فيه فتاوى رجال الدين .. إذ يجب أن تكون القيمة المسيطرة والمهيمنة لأى قرار أو فتوى أو قانون  هى الحرية  وما يمضى فى تعزيزها فهو يسير فى الاتجاه الصحيح وما يمضى فى تقييدها يسير فى اتجاه مضلل.
ويؤكد الكاتب الصحفى والمؤرخ صلاح عيسى أن الحادث الأخير ينطلق فى الأساس من الدوافع الفكرية والثقافية غير باقى العمليات الإرهابية الأخرى التى استهدفت كمائن الجيش ذات البعد والخلاف السياسى، لكن ما يحدث فى صحراء سيناء الآن وردود الأفعال داخل الوادى هو قتال على الهوية وآن الأوان للتخلص من مدارس الفكر الإسلامى التى أضافت على الدين بما ليس فيه وغالت فى بدعها دون أن تخضعها للتفكير والمنطق، هذه العملية الإرهابية بما فيها من غلظة وقتل جماعى لفئة تؤدى طقوسها وصلاتها دون تمييز بين شيخ وطفل لابد وأن يكون الحراك الثقافى خلال الفترة المقبلة قائماً على برنامج للتعريف بمبادئ تلك الجماعات واتجاهاتها الفكرية المضللة والتوصل لحلول بالحوار والمناقشة على الساحة الثقافية فنحن نواجه أمية صارخة فى الصعيد والقرى وأفرادا حالتهم الاقتصادية حرمتهم التفكير إلا بهذا الأسلوب وجعلتهم هدفا سهلا لتلك الجماعات وهم بحاجة إلى تنوير أما على الساحة العسكرية فيجب ردع هؤلاء بالسلاح أيضاً لابد من استخدام كل الأساليب جنباً إلى جنب لإحداث أثر على ساحة تلك المعركة الفكرية.
ويوضح أشرف عامر نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أن الإرهاب لا يواجه إلا بالثقافة فمواجهة الإرهابيين أمر أمنى بحت منوط به الدولة أما الإرهاب والتطرف الفكرى فهو شأن ثقافى بحت لا يشاطر الثقافة فى دورها أحد وليس مقصود بالثقافة مفهومها العام أدب وشعر وفن وموسيقى وإنما المقصود بالثقافة هنا التربية والتعليم أولاً تربية النشء داخل المؤسسات التعليمية وداخل الأسرة غرس القيم والمبادئ والحس على القراءة والتفكير العلمى المنظم، ثم يأتى دور وزارة الثقافة بما توفره من آليات تدعم هذه الفكرة مكتبات منتديات معارض وما تنظمه قصور الثقافة من أنشطة داعمة للإبداع، فى اعتقادى اكتمال هذا المثلث الذهبى تربية تعليم ثقافة، المنزل والمدرسة والهيئات الثقافية   قادرة على أن تخلق جبهة فكرية رادعة لكل فكر مستجد مستحدث متطرف يهدف إلى هدم الدولة أو إرهاب مواطنيها.
ويضيف عامر أن الثقافة بشكل خاص عليها دور كبير خلال الفترة المقبلة لابد وأن يتسع نشاطها على نطاق المعمورة «الجغرافيا المصرية» حتى تشمل القرى والنجوع المهمشة، فضلاً عن محو الأمية المنوط به وزارة التربية والتعليم  إلى جانب دور قصور الثقافة جنباً إلى جنب  فى دعم الفنون الجميلة بتوفير قاعات للأنشطة داخل المدارس المكتبات المسارح، تنمية روح الإبداع داخل الطفل بمنحه ريشة وقلما وألوانا إشراكه فى كورال ووقوفه على خشبة المسرح، الثقافة والفنون قادرة على إعداد  كوادر ثقافية تواجه الإرهاب بكل شراسة وإجهاض أى فكر متطرف قبل ميلاده، فى رأيى أن الحادث الأخير دلالة على إفلاس شديد لتلك الجماعات الإرهابية بعد فشلهم فى مواجه الجيش والشرطة ميدانياً نقلوا ساحة المعركة إلى دور العبادة وقتلوا العزل فى المسجد، وبذلك هم حرموا نفسهم من هالة التعاطف المزيف الذى كان لدى البعض تجاههم بدعوى أنهم يواجهون العنف بالعنف، وفى الحقيقة هم يوجهون طاقاتهم التدميرية لأى فئة ولأى شيء دون تمييز بين مسلم ومسيحى فهم جماعات مأجورة مغيبة.
من جانب قصور الثقافة هناك 300 فاعلية يومياً على صعيد الـ 6 أقاليم مابين حلقات نقاشية وندوات ومهرجان ومؤتمر وإن لم تحمل شعار مواجهة الإرهاب لكنها تدعو إلى الإبداع فن أدب  فكر واق ضد الإرهاب.
و يرى د.عمار على حسن الباحث والمفكر السياسى أن هدف الجماعات الإرهابية إرهاق الجيش النظامى فى حرب عصابات كما فعلت بالجيش العراقى وتحاول مع الجيش السورى الآن إلا أنه بدأ يتعاون مع جماعات «غير نظامية» فى مواجهة داعش داخل الأراضى السورية، الجيش المصرى لم تدخل فى ثقافته العسكرية وتدريباته التعامل مع العصابات، فى حين أنه يجب أن يعاملهم بنفس أسلوبهم وزرع أفراداً بين جماعاتهم من المدنيين إلى جانب الغطاء الجوى، فالتكلفة العسكرية وتحركات فصائل الجيش مكلفة جداً قياسا بإمكانيات المدنيين المتورطين فى حرب العصابات، فضلاً عن تعزيز الثقافة العسكرية بآخر التطورات والدراسات عن كيفية التعامل مع الجماعات غير النظامية -حرب العصابات والشوارع- فالإعلام لا يتحدث إلا على حروب الجيل الرابع ولكن لماذا لا نستعد لمواجهتها.
يضيف «عمار» أنه لا يمكن للثقافة أن تلعب دوراً إلا من خلال التعليم فالندوات والمؤتمرات والمهرجانات وطباعة الكتب مسألة فاشلة والناتج عنها صفر، إذ إن الثقافة العلمية هى الأهم فى مواجهة أى أفكار متطرفة لابد أن نعلم أولادنا أساليب التفكير العلمية وتحليل الأمور فالإنسان الذى لديه القدرة على التفكير المنظم لا يمكن السيطرة عليه، إلى جانب إحياء الثقافة الفنية داخل المدارس، شعر وأدب وفنون فهى أحد أهم وسائل الثقافة لمواجهة التطرف فالإنسان الذى له حظ من فن بداخله عصى على أى فكر أو جماعة استقطابه، وبناء عليه يجب على كل مؤسسات الدولة المشاركة فى المعركة ضد الإرهاب والتركيز على القيم التى تعزز مواجهة هذا النوع من التطرف الفكرى.
ومن جانبه يقول د. شريف عرفة فنان الكاريكاتير والباحث فى علم النفس الإيجابي: مهارات التفكير والبحث - فى رأيي- أمور ضرورية للتخفيف من التطرف الفكرى الذى تعانى منه مجتمعاتنا. فالتطرف ينشأ من فكرة «الإجابة النموذجية» التى لا صواب غيرها، بينما النجاح فى الحياة العملية، يحتاج للتفكير الإبداعى وإدراك نسبية المعرفة وتعدد الخيارات، وبالتالى تقبل الآخر المختلف الذى اتخذ خيارا مختلفا فى حياته، هو صحيح من وجهة نظره هو. المتطرف لا يدرك أو يستشعر نسبية المعرفة. لم يتدرب على هذا. المناهج الدراسية عندنا -عموما- تعتمد على الحفظ والتلقين، وهو ما يؤدى لجمود الفكر (إما أبيض أو أسود، صواب أو خطا..إلخ) الذى يؤدى بالتالى للصدام مع الواقع قيم الحداثة وعدم القدرة على التكيف، أو اللجوء للغيبيات لسد الفجوة المعرفية الحادثة بين الواقع والمنظومة الفكرية للشخص.
لذلك أرشح وضع هذين الكتابين ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم: «التفكير العلمي» وكتاب «المغالطات المنطقية» لعادل مصطفى. على أن يكون الامتحان معتمدا على الفهم والتطبيق، لا حفظ المحتوى!.