الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فتحى التريكى الفيلسوف التونسى فى حواره لـ«روزاليوسف»: علماء الدين لم يساندونا فى مواجهة «داعش وأخواتها» وتقليد السلف يدخلنا فى صراع مع «العالم»

فتحى التريكى الفيلسوف التونسى فى حواره لـ«روزاليوسف»: علماء الدين لم يساندونا فى مواجهة «داعش وأخواتها» وتقليد السلف يدخلنا فى صراع مع «العالم»
فتحى التريكى الفيلسوف التونسى فى حواره لـ«روزاليوسف»: علماء الدين لم يساندونا فى مواجهة «داعش وأخواتها» وتقليد السلف يدخلنا فى صراع مع «العالم»




حوار - محمد شعبان

«ليس هناك دين يقدم نصوصا سياسية وكل النصوص السياسية والقانونية وضعية.. الدين ذو أهمية قصوى فى العلاقات الاجتماعية» «بهذه العبارة المكثفة لخص الفيلسوف التونسى البارز د.فتحى التريكى رؤيته لعلاقة الدين/الإسلام بالسياسة مشددا على انه لا تجديد حقيقى الا بفصل العقيدة الدينية عن الشأن السياسى العام.
التريكى فى حديثه المطول مع «روزاليوسف» كان واضحا بل وغاضبا أحيانًا لكن لم يفقده هذا الغضب النظرة التحليلية العميقة فى قراءة مختلف القضايا التى تعرض لها الحوار... فأكد مثلا أن علماء الدين لم يساعدوا المجتمعات العربية فى مواجهة تنظيم «داعش» الذى رأى أنه ليس ظاهرة مقصورة على المسلمين الآن بل عرفتها المجتمعات الغربية فى العصور الوسطى.
وحول موقفه من «السلفية» قال مؤلف «فلسفة الحداثة» بوضوح: تقليد السلف حياتيا يقودنا إلى صراع مع العالم» مؤكدا أننا صرنا متخلفين لأننا حاولنا معرفة الماضى لبناء الحاضر وإعداد المستقبل ...والمطلوب : معرفة الماضى بالحاضر و بناء المستقبل بالحاضر.

واعترف صاحب «فلسفة الحياة اليومية» بغياب الإبداع عن الفضاء العربى نتيجة هيمنة ما اسماه : كابوس المحرم والممنوع ... داعيا الى تأويل جديد لتراثنا وتعاليم ديننا السمح لنكون فاعلين فى حاضرنا مبدعين لمستقبلنا.
ودعا التريكى إلى خلق ثقافة الحوار القائمة على مبدأين أساسيين هما التعقل والحرية وعلى بعدين مهمّين هما انتاج المعنى وتركيز الاحترام والتسامح... وفيما يلى نص الحوار:
■ شاع أخيرًا مصطلح «تجديد الخطاب الدينى» هل ترون فارقا جوهريا بين هذا المصطلح ومصطلحات أخرى كانت تستخدم فى فترات سابقة مثل «قراءة التراث» و«الاصلاح الدينى» و«الاجتهاد»؟
- ليس ثمة شك أن المصطلحات المستعملة للتدخل فى الشأن الدينى شرقا وغربا تتغير بتغير إحداثيات المجتمع قصد إيجاد مواقع تأقلم وانسجام بين الدين والعصر. وتلك المصطلحات وإن جاءت مختلفة وعامة أحيانا ودقيقة أحيانا أخرى إلا أنها تفيد تقريبا كلها إمكانية تطويع النصوص الدينية بما فيها المقدسة إلى تلك الإحداثيات إما لتثبيتها وتكريسها فى المجتمع أو إلى رفضها وإظهار غرابتها وتضادها مع التعاليم الدينية.
■ ما تصوركم التفصيلى لما يجب أن يكون عليه «تجديد الخطاب الدينى» من حيث الأسس الفكرية؟ وما الأمور الملحة التى يجب ان يشتبك معها هذا التجديد بجانب «العيش المشترك» التى خصصتم لها مؤلفا مؤخرا؟
- قبل الإجابة عن السؤال يجب تحديد القصد من تجديد الخطاب الديني. هل يدخل ذلك ضمن استراتيجية كبرى للتحكم فى المجتمع فكريا وسياسيا أم يخص ذلك تعامل الفرد مع ذاته ومع خالقه باعتبار أن الدين إيمان وإحسان؟ ففى الحالة الأولى يكون التجديد ذا بعد إيديولوجى وعقائدى يصبو إلى تمكين الخطاب الدينى من المسك بزمام الأمور الدنيوية فى المجتمع. فإذا أخذ هذا التجديد وجهة تقدمية فسيحاول بناء نموذج مجتمعى مشدود نوعًا ما إلى إحداثيات العصر وسيدخل طبعا فى صراعات قد تصبح عنيفة مع السائد. أما إذا أخذ وجهة تراجعية تعتمد تقليد السلف فى نمط فكره وحياته فسيحاول بناء نموذج ارتكاسى قد يقبل نتائج الإحداثيات المعاصرة التكنولوجية أساسا ولكنه يرفض مبادئها ومعالمها ويدخل هو أيضا فى صراعات لا ضد السائد فقط بل ضد كل مظاهر الحداثة فى مجتمعه بل فى كل المجتمعات  الإنسانية.
■ وماذا عن القصد الثاني؟
- فى الحالة الثانية تجديد يكون الخطاب الدينى أساسا خدمة للذات البشرية حتى يناسب إيمانها العصر الذى تعيش فيه. والخطاب الدينى المتجدد خير وسيلة لضمان متانة القواعد الأخلاقية التى لا تعتمد دائما التشريعات الوضعية.
لذلك يكون الأس الفكرى الأول لكل تجديد دينى ممكن هو الفصل الواضح بين العقيدة الذاتية والشأن السياسى العام. أما الأس الفكرى الثانى الذى أريد هنا التأكيد عليه فيتمثل فى عدم إسقاط أفكار ومفاهيم وتصورات ترعرعت فى مجالات أخرى على الشأن الدينى بدون مبررات وبدون مناهج علمية دقيقة. فللدين مجاله ومتطلباته وتصوراته والتجديد الفكرى يبدأ من داخله طبعا ويمكن له دعوة المناهج العلمية والتكنولوجية والمفاهيم المعاصرة فى عملية تجديده مع الإصرار على المبررات حتى لا يقع هذا الإسقاط السطحى الذى يؤدى إلى مزيد الغموض وعدم الفهم.
أما الأس الثالث والأخير فهو المقصد من هذا التجديد الذى يجب أن يكون فى رأيى خدمة للتسالم والتحابب والعيش المشترك فى كنف الكرامة. أما إذا كان هذا التجديد قد أملته اعتبارات اقتصادية مثلا وخضع لمتطلبات البترو دولار فتلك طامة كبرى ستدخل بها المجتمعات الإسلامية فى صراعات متعددة.
■ هل تعتقد أن خلق مجتمع صناعى متطور فى عالمنا العربى كفيل بتجديد الخطاب الدينى دون اجتهادات فكرية؟
- طبعا لا. لأن التنمية الصناعية والاقتصادية عموما لا يمكنها وحدها تغيير الأفكار والعقليات وإحداث رجة ثقافية لتجديد الأقوال والخطب. ثم إن الخطاب الدينى لا يخضع حتما لمعطيات اقتصادية. والمجتمعات التى تطور اقتصادياتها من خلال سياسة السوق العالمية دون تطوير مجتمعاتها سيصيبها الانفصام الاجتماعى وستعيش تذبذبا فى الشخصية. نتيجة هذا الانفصام أن التخلف والجهل والعقليات البائدة أناخت علينا بكلاكلها فتجعلنا دائما تابعين للغرب. فالتنمية شاملة أو لا تكون.
■ إذن كيف يكون مسار تجديد الخطاب الدينى؟
- تجديد الخطاب الدينى يجب أن يكون تجديدا لعقلياتنا وثقافتنا ومجتمعاتنا وهو فى الآن نفسه تحكم فى الموروث الدينى والثقافى والذى يجب أن نسيطر عليه عوض أن يسيطر علينا.
فالموروث الدينى والحضارى شديد التنوع وهائل التراكم ولا يمكننا معرفته معرفة كاملة وشاملة. لذا سنقوم عن وعى أو عن غير وعى بعملية انتقاء لبعض معطياته ونزعم أنها تمثل الموروث كله وذلك حسب مقتضيات عصرنا ومتطلباته أو حسب توجهاتنا الدينية والسياسية والأيديولوجية. فالسيطرة على الموروث تكون بالإقرار بتنوعه وتشعبه وبنقده وتخليصه من الشوائب السياسية والأيديولوجية. وذلك يتطلب ثورة فكرية مهمة تعطى للنقد والإبداع الأهمية القصوى.
■ لو سلمنا بفرضية أن عملية التجديد الدينى فى عصرنا الحديث بدأت مع الشيخ محمد عبده بحكم قراءتكم لواقعنا الحالى ما هى الأمور أو المسائل التى غابت عن رؤية محمد عبده التجديدية؟
- لا أظن أن عملية التجديد الدينى التى بدأها الشيخ محمد عبده ما زالت متواصلة. كذلك لا أظن أنها قد فشلت كما ذهب إلى ذلك بعض المثقفين والناقدين العرب. فالمفكرون الذين عايشوا محمد عبده وأخذوا على عاتقهم تجديد الخطاب الدينى قد حاولوا فهم دينهم حسب مقتضيات عصرهم وقد نجحوا فى تحريك السواكن وتكسير بعض القيود الاجتماعية وكان لهم دور لا يستهان به فى تطوير مجتمعاتهم. وتحرير المرأة فى البلدان العربية والإسلامية حتى وإن جاء محتشما أحيانا هو نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لأفكارهم التجديدية. أما فى عصرنا الآن فنحن نحتاج إلى نوع جديد من التأويل والقراءة لتراثنا وتاريخنا بما فى ذلك تعاليم ديننا حتى نكون فاعلين فى حاضرنا مبدعين لمستقبلنا. فإذا كانت الإشكالية المحورية التى بنت عليها جماعة عبده خطابهم التجديدى تتمثل فى الأمة وكيفية النهوض بها فإن الإشكالية الآن قد تغيرت وأصبحت تتمثل فى الفرد وكيفية تحريره من ضغوطات الأمة والجماعة وبناء نوع جديد من الحياة المشتركة ينبنى على حرية الفرد وكرامته من ناحية وعلى علاقات التسالم والتحابب فى المجتمع من ناحية أخرى.
■ كل حديث عن التجديد يقودنا حتما إلى الموقف من التراث بإيجاز شديد ما هى الأسس التى ينبغى أن تكون حاضرة عند قراءتنا للتراث الفقهى والعقائدى واللغوى والاخلاقى..من ناحية أخرى هل ترى مثلا المجال الفقهى هو سبب اغتراب المسلمين عن العصر أم أن باقى ميادين التراث تحتاج هى الأخرى إلى المراجعة؟
- التراث متغير تتراكم فيه يوميا أحداث متكاثرة وهو لا يوجد إلا من خلال نظرتى إليه ومن خلال فهمى لمعطياته وأركانه. فأن ننظر فى التراث وأن نتمعن فى التاريخ وأن نتجول فى أنحائهما ومنعطفاتهما فإننا نفعل ذلك بعيون الحاضر وبإمكاناتنا الحالية وبخلفياتنا الأيديولوجية والعقائدية مثل الزائر الحديث لمدينة عتيقة فهو ينظر إليها من خلال تكوّنه وانتمائه لحاضره لا كما نظر إليها أبوه أو جده. فقراءتى للتراث هى التى تعطيه المعنى بمنحه مميزات قد لا تكون فيه ولكننا نثبتها تأويلا حسب مقتضيات معاصرة. هناك فى رأيى منهجيتان أساسيتان لقراءة التراث.
■ وهما؟
- هناك قراءة تحاول بكل موضوعية فهم عناصر التراث باعتبار أن التراث غنى ومتشعب ومتكاثر لا يمكن البتة معرفته معرفة كاملة وقراءة ثانية تأويلية بالأساس تأخذ من التراث العنصر الذى يهمها مباشرة. وفى كلتا الحالتين فإن معرفة التراث بالتراث مستحيلة. فمهما قمت بمجهودات للتجرد من المنهجيات الحديثة فإن قراءتى تبقى قراءة ابن عصرنا بمنهجيات جديدة وأفكار أصبحت أعرف بها تراثي. لذلك لابد من التأكيد هنا أن ما نسميه تراثا هو عملية تجريدية شائكة تمّت بها غربلة الأحداث والأعمال الإنسانية وتطويعها للجهاز الفكرى والإيديولوجى التأويلى حتى يتكوّن منطق خاص يربط الأحداث بعضها ببعض. فقراءتى للجهاز الفقهى والأخلاقى يخضع فى الأخير لهذا الجهاز إما تأكيدا للنهج السياسى والفكرى الذى أريد أن أمرره وإما دحضا لمنهج أراه غير صالح حسب نظرتى للحياة. فالعودة إلى التراث عملية شائكة تتطلب التأنى فى البحث لا محالة ولكنها تتطلب أساسا الوعى الكامل بأنها عملية تدخل ضمن معرفة الحاضر وتغييره أكثر من معرفة الماضي. ولعل محاولة معرفة الماضى لبناء الحاضر وإعداد المستقبل هى التى جعلتنا متخلفين ذهنيا. فعلينا معرفة الماضى بالحاضر وعلينا بناء المستقبل بالحاضر.
■ كيف ترون علاقة الدولة بعملية التجديد هل ينبغى أن تكون عملية التجديد بمعزل عن الدولة؟ أم يجب أن تتبنى الأنظمة العربية فكرة التجديد؟
- فى الديمقراطيات العالمية لا دخل للدولة فى النقاش العام حول قضايا التجديد الفكرى والديني. أنا شخصيا أرى أنه لا فائدة من أن تتدخل الدولة فى مثل هذه القضايا. فالحوار هو الوحيد الذى يطوّر المفاهيم والتصورات الفكرية بشرط ألا يتحول هذا الحوار إلى العنف المِودى إلى الغلبة. لقد دأبت الدولة الديكتاتورية على استعمال الخطاب الموجه إلى الناس بدون واسطة ودون تشارك فى التفكير لأن همها الأول هو الإقناع وغايتها الثانية هى الانضواء تحت أيديولوجية معينة. فالحوار المنتج للمعنى يجب أن يبقى بعيدا عن الانفعال الأيديولوجى والوجدان العاطفي، بحيث أنّ العقل والتعقّل سيكون الأسّ الأول والأهم فى كل تحاور ممكن وهذا شرط أوّل. أما الشرط الثانى فيكمن فى الفكر الحر بمعنى أن تكون لكل محاور قابلية قصوى لفهم آراء الآخر ومناقشتها بكل حرية دون خوف ودون تعطّل. ذلك لا يعنى طبعا أن يأتى المحاور دون مواقف فكرية أو دون محددات فلسفية و أيديولوجية، بل يعنى أن يكون الفرد مستعدا للتحرى فى هذه المعتقدات والتصرف فيها وإعادة النظر فى مكوّناتها وحتى فى إعادة صياغتها وتكوينها. أما الشرط الثالث فهو يخص النتيجة الفعلية للحوار. فليس المهم أن يكون فى كل حوار غالب ومغلوب، بل يعنى أن إنتاج المعنى يجب أن يكون دائما حاضرا فى الحوار، لأنه مهما كانت صعوبة الحوار سيكون هو الواصل الدائم بين المحاورين وهو الفاتح لآفاق التعايش والتسالم. ونضيف شرطا رابعا ذا أهمية قصوى ونعنى به أخلاقيات الحوار وأدبياته. هكذا إذن تقوم ثقافة الحوار على مبدأين أساسيين هما التعقل والحرية وعلى بعدين مهمّين هما إنتاج المعنى وتركيز الاحترام والتسامح. فإذا ما تواجدت هذ الأدبيات وهذه الشروط فى مجتمع الفكر والمعرفة فلا حاجة لنا بتدخل الدولة. أما إذا أراد طرف فى الحوار فرض أفكاره وتطبيق آرائه بالقوة والعنف فعلى الدولة إذن التدخل السريع لأن العنف هو حق للدولة فقط تستعمله للردع حسب القوانين العامة الضابطة للحياة الاجتماعية.
■ ألا ترون ان تقديم نموذج محدد للتجديد يعنى عمليًا استبعاد الرؤى التى لا تؤمن بهذا التصور ومن ثم تصبح عملية التجديد سلطة استبعادية لأطياف أو لتيار محدد فى المجتمع؟
- ليس هناك نموذج واحد ومحدد للفكر والتجديد والإبداع. ومن يريد فرض نموذج واحد فكأنه أراد أن يفرض رأيًا واحدًا وفكرة واحدة وحزبا واحدا وهلم جرا. انتهى بدون رجعة فكر توحيد الحياة فى المجتمعات المتنوعة. والذين بقوا متشبثين بهذا الرأى قد أجبروا على استعمال العنف كالحكومات الاستبدادية أو كالجماعات الإرهابية. فالعقل يرفض ذلك والحوار يقر بمبدأ الاختلاف والتنوع وشخصيًا ناديت بفلسفة التنوع منذ أواخر السبعينيات وكتبت الكتب والمقالات دفاعا عن حرية الفكر والإبداع وتنوّعهما.
■ يفجر الحديث عن داعش واخواتها مفارقة شبيهة بالمفارقات اليونانية القديمة وهى: إذا كانت داعش نتيجة حتمية للتراث الفقهى فلماذا لم تظهر سوى الآن؟ وإذا كان التراث بريئا من الحالة الداعشية فكيف نفسر النصوص التراثية التى يستند إليها هذا التنظيم؟
- ليست داعش وأخواتها نتيجة حتمية للتراث الفقهى لأن هذا التراث ثرى ومتنوع وشائك أدرسه وأقرأه حسب معطيات عصرى كما بينت ذلك. فليس بالغريب أن تقوم داعش باعتماد عناصر من التراث قامت بفرزها واقتلاعها من محيطها ومن أسبابها وجعلت منها عناصر أزلية أبدية تبرر بها وحشية لم تعرفها الحضارة الإسلامية بتلك القوة وبذلك الجبروت. داعش هى نتيجة تحديث المجتمعات العربية الإسلامية وهى ردّة فعل تكاد تكون عادية ضد هذا التحديث. ولو عدنا لتاريخ تحديث أوروبا لوجدنا أنها مرت تقريبا بنفس الوضعية إذ قامت حركة ارتكاسية إرهابية أتت على الأخضر واليابس تزعمها سوفانرول فتصدت له كل القوى التحديثية عصر ذاك بما فى ذلك الكنيسة وتم التغلب عليه. قوى التحديث فى بلداننا لم تجد السند من طرف أهل الدين وعلمائه الفاعلين نحن الآن بحاجة إلى محمد عبده جديد أو الطاهر حداد جديد لتحريك السواكن والنضال من أجل تطوير الإسلام السمح الذى كان ومازال ديننا المتسامح الذى علمنا السلام والتعايش فى كنف الكرامة.
■ تظل علاقة الإسلام بالسياسة هى المشكلة الأبرز فى عالمنا العربى كيف يمكن التوفيق بين نصوص دينية تقدم رؤى سياسية عامة ومطالب عصرية ترفض قيام السياسة على أساس دينى؟
- ليس هناك دين يقدم لنا نصوصا سياسية. كل النصوص السياسية وقوانينها فى العالم وضعية. بقى أن الكثير منها يستأنس بأفكار عامة وبقواعد وردت فى النصوص الدينية وهذا عادى باعتبار أن الدين عنصر حياتى واجتماعى ذو أهمية قصوى فى العلاقات الاجتماعية. على هذا الأساس يمكن التوفيق بين النصوص الدينية والمطالب العصرية. فالسياسة تحدد ميدانها وضعيا وتعتمد فى قوانينها كل ما تراه صالحا للتسالم والعيش المشترك فى كنف الكرامة. والدين يحدد ميدانه بالتوجه إلى الفرد فى المجتمع لتطوير أخلاقياته من خلال قاعدة الإيمان والإحسان حتى يكون عنصرا فاعلا فى مجتمعه يساهم فى هذا التسالم والعيش المشترك. عندئذ سينتهى كل تناقض بين الدين والسياسة وسيتعاون الدين مع السياسة لبناء حياة كريمة للفرد وعلاقات متسالمة للمجتمع.