السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. صالة مطار

واحة الإبداع.. صالة مطار
واحة الإبداع.. صالة مطار




اللوحات للفنانة
أسماء مجدى خورى

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    

[email protected]


 

صالة مطار

قصة قصيرة

كتبها - إيهاب القسطاوى

غادرتنى الروح على واقع قرع نبضات قلبى المتسارعة وإيقاعات نبضها الحزينة، كراقصة إفريقية ترقص رقصتها الأخيرة، وما بين التنهيدات الموجعة ووداع الرفاق، لا تلوى على شيء تمخر عباب الغربة، كانت ممرات المطار الضبابية الطويلة شديدة البرودة، تشبه أرصفة وطنى، وكانت خطوات سلام وبلال وميشيال البطيئة والثقيلة تشبه مشهدًا جنائزيًا مهيبًا لوداع محارب اغتاله وطنه، بينما كان صوت فيروز، يمزق برد الممرات، فيمطر دفئا، فى هذه الأثناء دوى صوت الميكروفون كانفجار عصف بأكبر ساحة لأكبر مدينة حزنًا عن وصول الطائرة ورقم الرحلة، أخذت أقيس المكان طولاً وعرضاً، كعصفور سجين فى قفصٍ، وبينما كان قائد الطائرة شديد الصرامة والذى ترتسم على وجهه علامات الضيق والحيرة والاضطراب، يمطرنى بوابل من الأسئلة، مستنكرًا: كيف تركت روحك أيها اللاجئ القديم، العالق بين ثنايا الغيوم البيضاء، النامش لوجه السماء باستحياء وخجل، كيف تترك وجه حبيبتك فى محطة سفر، سؤال فجر فى مكامن ذاتى وأعماق روحى الدفينة بركانًا يصب جم حممه من الاشتياق والغضب، وينسج من حممه حكاية غربتى بمداد دموع الرفاق، وآهات الاشتياق فوق الجسور الرحيل البعيدة، وتحت ظلال أوجاعها اليانعة، تقبع تفاصيل اغتراب روحى فى دروب جلجلة الألم الطويلة، وحكايات الطّيور التى حطت عليها، فقد كانت طيورًا بلا أجنحة تجتر أحزانى، تجرعت فى نخبى مرارة كل كئوس الأوجاع المترعة على أرصفة ذكرياتى، بحثت فى برهة من نفسى فى ثنايا الذّاكرة فتدخلت الصور واقتربت، وعجزت ذاكرتى عن ترتيب الأحداث، وضاقت بى الأماكن، كتمت أنفاسى وضاع صوتى، حتى عجز حتى عن الصراخ، فاستنشقت عبق عطر مازال عالقًا فى كفى هدهد من بعض أوجاعى المزدهرة، ونبت عود فل وحيد يغنى عن بقية الحقل، فلم أسمع إلا خفقة الورود البيضاء، وفراشات تلاحق ظلى المبعثر فوق وجوه الرفاق، فكتبت على ظهر أرصفة ذكرياتى ودروب غربتى ومرافئ منافى، حكاية عشق لا تسعها المفردات، أما عنى فرحلت كعادتى، تاركا روحى قابعة فى صالة مطار، لا تلبثُ أن تصل وجهتها حتى تستقل وجهةً أخرى، فرحيل الأشياء التى أحبها بات واضحاً، لذا يجب تسميتى «صالة مطار» بدلا من إنسان لأننى لا أرى سوى تلويح الأيدى والوداع.. بيروت لا شىء فى هواك، يستحق النسيان، بيروت الحنين ثقيل.