الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حمزة قناوى: الشعر وجهتى الوحيدة وأكتب ما يبشر بخلاص الإنسان

حمزة قناوى: الشعر وجهتى الوحيدة وأكتب ما يبشر بخلاص الإنسان
حمزة قناوى: الشعر وجهتى الوحيدة وأكتب ما يبشر بخلاص الإنسان




حوار - خالد بيومى


حمزة قناوي، شاعر مصرى شاب مقيم فى الخارج منذ نحو عشر سنوات، صدرت له ثمانى مجموعات شعرية هي: «الأسئلة العطشى، أغنيات الخريف الأخيرة، أكذوبة السعادةِ المغادرة، بحارُ النبوءةِ الزرقاء، الغريب- قصائد باريس، وقصائد لها، وفى موعدِ الغيوم)، والصمت والعيون، ولا شيءَ يوجعني، وهو العمل الذى وصل مؤخراً إلى القائِمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب عن فرع المؤلف الشاب، «حقل الشعر».
شارك حمزة قناوى بأمسيات ومهرجانات للشعر فى كُلٍّ من الجزائر والدار البيضاء والرباط، وتونس وصفاقس وباريس وبيروت والكويت ودمشق والإمارات، وغيرها، وهو يُعدُّ الدكتوراه حالياً عن الشعر المصرى الحديث فى ستينيات القرن الماضي.
فى هذا الحوار ندلفُ إلى عالمهِ لنتحدث معه عن الشعر والكتابة والجائزة التى وصل إلى لائحتها الطويلة بمؤلَّفة الأخير، وعمَّن أثروا فى مشواره وكانوا علاماتٍ لافتةً فى طريقه.
■ بدايةً نسألُك عن شُعورِك بعد وصول مجموعتك الشعرية الأخيرة «لا شيءَ يُوجِعُني» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد؟
- أشعر بسعادة حقيقية، وإن كان الأمر لايزال أملاً فحسب، غير أنه يعنى بحدِّ ذاتِهِ الاعتراف بقيمة ما قدَّمت عبر مشوارى الشعرى الذى امتدَّ إلى 21 عاماً، ومنذ نشر نصى الأول فى منتصف التسعينيات. الجائزة أعلنت منذ تأسيسها أنها جائزة «مُستقِلَّة» وتخضع لتقييم مُحكِّمين متخصصين ولجنة علمية، وتحتكِم إلى تقارير نقدية، وهى نقاط تضفى جميعها النزاهة على آليات تحكيم الجائزة. لقد عشتُ للشعر نصف عمرى الفعلي، وكنت سعيداً بما يُزهره فى روحى من محبةٍ للعالم ورؤى تبحث عن جمالياته فى مشوار الإنسان، وبحثه عن الحق والعدل والطمأنينة، لا أعرف الآن إن كان الشعر يُخبِّئُ لى فرحاً آخر عند إعلان النتيجة النهائية واختيار الفائز من اللائحة الطويلة.. فى كل الأحوال أنا سعيدٌ بالشِّعرِ.
■ حدثنا عن آخر محطاتِكَ الشِّعريَّة ديوانك «لا شيء يوجعني»؟
- ربما يُعدُّ الشاعر آخر من يجيد التحدُّث عن قصيدته، ولكن فى هذه المجموعة تحديداً توصَّلتُ تقريباً إلى صوتى الشعرى الأقرب إلى نَفسى من خلال اعتماد الرَّمز وحمولته الإيحائية وقراءة احتمالات تأويلها وفق السياق واحتشاد الرمز لبناء الصُّورَة. المجموعَة تُقدِّم حالاتٍ شُعوريَّةً مختلفةً فى مواجهة العالم، واستبطان حالات الفقد والوحدة والحنين والحزن والموت، والحب بطبيعة الحال، وأحسب أن رمزية الطبيعة وعناصرها احتلَّت مساحة كبيرة فى المجموعة. انزياح المعنى المباشر عن الرمز يمنحه طاقة التعدُّد والتأويل والقراءة الجمالية من أكثر من زاوية، وهو ما حاولت تقديمه فى المجموعة .
■ هل تشعر بأنَّك مُتحقِّق خارج مصر أكثر من حضورك داخلها؟ ولماذا؟
- المسألة ليست فى التحقُّق بحدِّ ذاتِه، فالشاعرُ يُقدِّم الإبداع نفسه سواءٌ فى موطنِه أم خارجه، لا أخفيكَ أن الأمر يحمل لى بعضَ الأسى، خاصةً أن مشاركاتى خارج مصر جابت الكثير من الدول والعواصم، وحصلت على جوائز وتكريمات من هذه الدول، أما فى مصر فمازلتُ غير مشتبكٍ مع المشهد، والأمر لا يرجعُ فقط إلى عدم إقامتى فى مصر، إنما لا أعرف لماذا لم ينتبه لى النقَّاد- شعرياً- والقائمون على فعاليات الشِّعر ومهرجاناتِه!، لم أُدعَ- رسمياً- إلى أى فعاليات فى مصر، رغم أننى عشت حياتى خارج مصر أحاول تسليط الضوء على المشهد الثقافى المصرى بعملى فى الصحافة الثقافية وكتابتى عن الشعراء المصرين ومحاورتهم وتحليل أعمالهم، كانت مصر دائماً بوصلتى ووجهة عملى الثقافي، ولم أقف على منصَّة شعريةـ سواء فى المغرب أو تونس أو بيروت أو غيرها إلا وقلت فى البداية إننى أقف هنا حاملاً اسم بلدي، وفخورٌ به.
■ بدأت رحلتك مع الشِّعر منذ عشرين عاماً، فهل الجوائز كانت وجهتك أو هدفكَ، وهل هى غاية بحدَّ ذاتها للمبدع؟
- وجهتى الوحيدة كانت الشِّعر، وأن أكتبَ ما يضيفُ قيمةً جماليةً ما إلى الأدب، وما يُبشِّر بخلاص الإنسان ويوسّع من مساحة حلمهِ بالغد، وبالعدل والحرية. كتبت للحبِّ طويلاً لأننى أرى فيه خلاص الإنسان وسعادته، وأن أراكم رؤيتى جمالياً فى قصائدى بينما أشتغل على تطويرها. الجوائز ليست غاية بحدَّ ذاتها للمبدع،  ولم تكن هدفى من رحلتى مع الشعر يوماً، إنما هى لفتات مُشجِّعة تدعمه لمواصلة طريقه، قناديل مضيئة تساعده على اجتيازه، أما الطريق نفسه فشيءٌ آخر.  من يكتب من أجل الجوائز فقط سينتهى تاجرَ أوسمة دون أن يضيف قيمةً للبشر تنفعهم أو تضيء لهم شيئاً فى الغد، وسيكون مصير إبداعه النسيان.
■ ما شعورك الآن وأنت تنتظر الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة، ومن ثمَّ المترشِّح الفائز؟
- أشعر بالأمل والترقُّب معاً، ولا أحلُم كثيراً. فى حياتى محطَّات كثيرة وصلت فيها إلى قوائم طويلة (وقصيرة أيضاً) لجوائز كُبرى أخلفت وعدَها فى اللحظات الأخيرة، لم أشعر بالأسى، وضعت نسيانى كله فى قصائدى وذهبت كأن شيئاً لم يكُن، أشعر بالإنصاف لأن عملى قُرئَ جمالياً كما انتظرتُ فى المرحلة الأولى من المسابقة، وأتطلع إلى ما بعد ذلك بأملٍ واعتزاز.
■ ما الوجوه التى تحضركَ فى هذه اللحظة، وأنت على أعتاب تكريمٍ قد يكتمل عمَّا قريب؟
- ثمة وجوهٌ لا تغادرني، كان لها الفضلُ على مشوارى منذ بدايته، الكثير من أصحابها غادروا عالمنا آخذين من روحى الكثير بينما أدين لهم، فى طليعتهم أساتذتى الراحلون: د.عبد القادر القط، ود.عز الدين إسماعيل، ود. مصطفى ناصف، ود.ثناء أنس الوجود التى كتبت لى مُقدّمة أولى مجموعاتى الشعرية وأنا لأزال طالباً، حين اعتذر الكثيرون ورفضوا الرِّهان عليّ، ود.إبراهيم عبد الرحمن، إضافة إلى الناقد الكبير الدكتور محمد عبد المطلب الذى أهدانى مقدمةً نقديةً ضافيةً وعميقةً تصدَّرت مجموعتى المُرشَّحَة للجائِزة، ولا أنسى دعمه لى فى مشوارى الشعري. أما أكثر اسمين أدين لهما فهما الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، الذى لم يدخر أى دعمٍ أو مساندةٍ لى أدبياً وإنسانياً عبر عشرين عاماً، وكان يقول لى دوماً إن الكتابة «مبرر وجودك لا فائضَ وقتك»، والاسم الآخر هو الناقد الكبير الدكتور سيد البحراوى الذى تعلمت على يديه النقد والقيم معاً، والثبات على المبدأ والانتصار للموقف.    
■ أشعر أن هناك أسىً ما فى نفسكَ بين كلمات هذا الحوار.. فما الذى يثقلها؟
- لا يوجد شاعرٌ لا تَخلو نفسه من الحزن، صلاح عبد الصبور كان الألم هو أكبر بواعث إبداعِه العميق والرائد، والأمر نفسه لدى محمود درويش الذى شكَّل الحُزنُ رُوحه بين مفردات الاغتراب والمنفى والموت، الحُزن مُلازمٌ لروحِ الشَّاعِر لأنهُ يتمثَّل مواجع البشر وآلامهم، وأنا عانيت طويلاً الحزن والغربة وأشعر بأننى لا أنتمى إلى هذا العالم الغريب الذى يشيّئ الإنسان ويقسو على البشر ويفصلهم عن إنسانيتهم، لولا الشِّعر لاحترقت روحى من وقتٍ طويل، وهو كينونةٌ وجوهر وجودٍ وقدر، لا أعرف ما الذى تخبئه لنا الأيام القادمة معاً، ما يعنينى أن تظل روحى ممتلئةً به، وأن أواصل الغناء للناس، حالماً بغدٍ أكثر وفرةً للفقراء، وأماناً للمشردين ورحمةً بالأطفال اليتامى.