الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد كامل: الكتابة رهان وانحيازات

أحمد كامل: الكتابة رهان وانحيازات
أحمد كامل: الكتابة رهان وانحيازات




كتبت - رانيا هلال

بعض المسلمات المجتمعية الخاصة بالذكورة ومفهومها المتوارث تكتشف مع الوقت والتجرية أنها مغلوطة، فقط تكرس لمفاهيم تدين الرجل أمام نفسه وتمعن فى إحداث فجوة بينه وبين رؤيته للحياة، وأفكاره خاصة تلك المرتبطة بالأنثى ووظيفته نحوها.
فى روايته الأولى «العهد القديم.. آخر 48 ساعة فى حياة المدهش» يطوف بنا الشاعر والروائى أحمد كامل بين عوالم الإرث الذكورى من خلال «المدهش» بطل روايته الذى يسترجع تاريخه فى آخر 48 ساعة من حياته.

■ جاء العنوان محملا بالعديد من الرموز فحدثنا عن خصوصيته واختيارك له؟
- العنوان كان يتشكل من جزءين؛ عنوان رئيسى وهو العهد القديم، فى إشارة إلى أمنية الراوى برجوع عقارب الزمن، وعنوان فرعى وهو آخر 48 ساعة فى حياة المدهش.
■ تبدأ الرواية بحالة انهيار وسيولة جارفة لمشاعر ورؤى فكرية ونفسية تطرأ على مخيلة البطل فجأة فهل ترى أن الإسهاب فى وصف حالته بهذا الشكل فى بداية العمل كان اختيارا موفقًا؟
- لا أعرف إجابة فيما يخص التوفيق، طبعا أترك الحكم للقارئ. لكن مشهد البداية هو نفسه مشهد الختام، مشهد البداية هو وصف من خلال عيون الراوى يوسف المدهش، بدون إيضاحات أو علامات، بينما يحتوى مشهد الختام على دلالات وعلامات تفسيرية، وكأنما الكاميرا تبتعد قليلًا عن عيون المدهش (زوم أوت) لتفضح عالمه للقارئ.. البعض تكلم معى عن الإرهاق الذى يمكن أن يعانيه القارئ من تتابع الصور الشعرية فى مشهد البداية، لكن عمومًا الكتابة رهان وانحيازات، أنا منحاز لفكرة بذل الجهد أثناء القراءة.
■ امتازت لغتك بالتأرجح بين اللغة الشعرية المفعمة بالصور والبلاغة وبين اللغة السردية عالية المشهدية فصف لنا صعوبة هذه المراوحة خاصة أنه أول عمل روائى لك بعد كتابة الشعر؟
- أى نص يختار لغته ويكتب بها نفسه، اعتقد أن الفقرة أو الجملة الأولى فى أى نص هى المحور الذى يمضى بقية النص وفق إيقاعه ودرجته، والموافقة على وجود تلك الجملة بمثابة إذن لها لتتملك النص بعد ذلك بشكل كبير، يمضى النص وفقًا لهواها طالما رضخت لها وقمت بتثبيتها. أنا أذكر أن الجملة الأولى على لسان الراوى المفتقد للحب والونس كانت كسحبة لبكرة خيط.
الفنون تجاوزت حتى مرحلة التجاور ووصلت للاختلاط منذ زمن، يمكنك أن تحدد الإطار، لكن من المغوى استخدام جميع الألوان المتاحة بشرط بناء نسق واضح أو متعة. فمثلًا؛ الشعر يستوعب السرد منذ فترة بعيدة كما فى الأوديسة، والرواية تنتقى الآن من تقنيات السينما، والمسرح يهضم العديد من الفنون بداخله. يمكن أن تكون قراءة وكتابة الشعر قد أفادتنى فيما يخص الاهتمام باللغة والصور خلال العمل السردي، لكنها أيضا تمثل حالة سكون مضاد لتقدم السرد فى بعض الأحيان. واجهتنى صعوبة فى اجتياز ذلك خلال الكتابة للوصول إلى مزيج مرض؛ يدفع السرد ويحاول الاحتفاظ بجماليات اللغة والصورة.
■ ظهر جليًا مدى اطلاعك على مرض الفصام وكيفية توظيفك له بحيث يتيح لك مساحة سردية زمكانية واسعة حدثنا عنه؟
- استخدام الفصام أحد الحيل الأدبية المعروفة، تسمح لك بتفكيك العالم عند عرضه من خلال عيون الفصامي، كما يسمح لك بتضخيم الرؤية والأفعال إلى أقصى حد. قرأت عن الفصام وشهادات لأصحابه، يساعد ذلك فى الاستقرار على تكنيك العمل، وكانت إحدى الملاحظات المهمة لى هى فكرة اختلال الزمان كأحد أعراض الفصام.
■ عرضت الرواية للإرث الذكورى أو بالأحرى الهم الذكورى برؤية مغايرة وربما فاضحة للواقع فهل كانت هذه هى الفكرة التى استندت عليها نواة روايتك؟
صحيح، دوما ما كان ذلك الإرث هاجسا بالنسبة لي، وخاصة فى المجتمعات التى تعطى مزايا وهمية للذكور بناء على هبة تشريحية. والقاعدة فى الحياة هى أنك لا تأخذ إلا لأنك سوف تعطى شيئا فى المقابل. العادات والمتعارف عليه مثل جزار يقف على جبل عالٍ، وفى سفح الجبل يقف مجموع الرجال على اليمين، ومجموع الإناث على اليسار، يمسك الجزار بالواجبات وبالحقوق الإنسانية كذبيحة معلقة أمامه، ويقطع منها جزءا ويقذفه للإناث، ثم يقطع جزءًا من منطقة أخرى من الذبيحة ويلقيه للذكور. الذكورة مجبورة على التخلى عن المشاعر العلنية (فيما عدا المشاعر العدائية والسلبية). والفكرة المتعارف عليها للذكورة تحاول أن تجهض الأحاسيس وتستنكر الضعف الإنساني، تلصق فعل البكاء والفضفضة بالمرأة وحدها (فى مقابل السيطرة عليها والامتلاك لها). وكمثال؛ فإن الكثير من أصدقائى يتكلمون بفخر وإعجاب عن الأب الذى كان كالجمل، لا يئن ولا يتوجع مهما ضربه المرض بينما يتعجب المعالجون من قوة الاحتمال والكتمان. مع الوقت؛ ستخرج الأنثى من دائرة السيطرة تلك، وبالتالى يكتشف الذكر ما افتقده من القدرة على التعبير فى مقابل سيطرة متوهمة.
■ كيف أبرزت صراع الآباء والأبناء من خلال التناحر الفكرى والثقافى على مدار الرواية؟
لا أعرف، ربما أردت العكس؛ فالمدهش كان يود الالتصاق بأفعال أسلافه، أن يسير على نفس الدرب الأمن، لكن اختلاف العصر هو ما دفعه بعيدًا. الصراع الأكبر هو فى إحساسه بصعوبة المسؤولية تجاه أولاده، وفى الإحساس بالعجز من عدم القدرة على تحمل مسئوليات عائلة كما استطاع أجداده من قبل. حتى أنه يستدعى حكاية أحد أجداده كطائر خفيف بلا قفص زواج.
■ طرقت بابًا لا يطرقه عادة غير النساء ولا يعلن غير ذلك وهو باب السحر فصف لنا ذلك العالم السرى للرجال ومعتقداتهم غير المعلنة؟
- الرجال مثل النساء فى ذلك، وحينما يواجه أحدهما عطبًا ما، ويتدرج فى البحث عن حلول بناء على مستوى الثقافة أو الوضع الاجتماعي؛ فإن الموروث الشعبى يتحرك باحتمال تقديم حل. بالدرجة الأولى تلجأ النساء للسحر عندما يتعلق الأمر بأمومة غائبة؛ يمكن أن يكون ذلك متولدًا من رغبة عارمة فعلا فى الحصول على طفل، ويمكن أن يكون من إحساس بالنقص فى مواجهة المجتمع. كذلك الرجل؛ فإن اختلال القدرة الجنسية (والتى تمثل فى رؤية الذكور الميزة الأكبر للسيطرة والاستحقاق) يدفعه نحو تلك الحلول. بل يمكن أن يبدأ الرجل باللجوء إلى باب السحر قبل باب الطب، نافيًا عن ذكورته أى نقيصة طبيعية أو صحية، بينما يتمسك فى عناد بفكرة مؤامرة ما تحاول أن تنال من فحولته الضخمة. نسمع عن كلمة «ربط» وكلمة «مربوط» فى إشارة إلى نوع من السحر يستهدف القدرة الجنسية، وكلمة «مربوط» تعطى دلالة على ما يشعر به الرجل تجاه ذلك، فهو مكتف، مفتقد للحركة ومن ثم الميزات. ويصل الأمر بالبعض إلى تعليل ذلك لروحه ولمن يعرفون بمشكلته من خلال الاعتقاد والحكى عن جنية تعشق قوته ورجولته، وتحتفظ بتلك الطاقة الجبارة لروحها وتمنعها عن أهله.
عموما، فإن التاريخ وعلماء الأنثروبولوجى ورجال الدين وحكايات ألف ليلة وليلة لا يفرقون بين رجل وامرأة فى التعامل مع ذلك الموضوع.
■ كيف أصبحت المعرفة مصدر للعرى فى حين أن الجهل كان مصدرا للأمان بحسب وجهة نظر أسلاف المدهش فى الرواية؟
حين يزيد الإدراك تهتز الثقة ويحل الاضطراب باكتشاف الغير مقدور عليه. أسلاف المدهش كانوا متغاضين عن عيوب الصورة الذكورية ومتمتعين بالوهم، ربما لم تكن لديهم محفزات كافية لكشف البصر، لكن بطل الرواية -وباختلاف ظروف العصر- أفاق على المفتقد فى العلاقة مع الأنثى.
علميًا فإن للتعلم 4 مراحل؛ تبدأ من اللاوعى بعدم القدرة (وهو الجهل التام) وحتى الوصول إلى اللاوعى بالقدرة أو الكفاءة (وهى رد فعل انعكاسى مشروط)، وبينهما يحدث الاهتزاز فى لحظة الوعى بعدم القدرة، يحدث ذلك العري.
■ فى تصورك هل كانت القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة للمدهش هى إدراكه أن الأنثى يمكن أن تكتفى وتأنس بدونه وأنه سيظل ناقص بدونها؟
- صحيح، وبمعنى آخر هو العجز أمام تلك الأنثى عن القيام بالدور المحفوظ والمتفق عليه مسبقًا من خلال الأسلاف، ثم عدم وجود مدخل آخر أو بديل أمامه للتعامل مع الأنثى. يمكن كانت بداية ذلك منذ أول ارتطامات له بالأنثى وحتى قبل زواجه، مما أدى إلى خيانته لصاحبه فى لحظة ما.