الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رباعياته فى «عطر الأحباب» .. و«عجبى»





تبقى رباعيات صلاح جاهين وكلمته الشهيرة «عجبى» التى تعتبر لازمة الرباعيات هى الشاهد على مصر الستينيات والسبعينيات ونسترجعها اليوم أيضا بالألفية الثالثة، فلازال المصريون يقولون عجبى على أحوالها اليوم بعد الثورة، ترى لو أن جاهين لازال حيا ماذا كان سيكتب ؟ .. وهل كان سيصاب باكتئاب حاد وحزن كما حدث له بعد النكسة لأن الثورة لم تكتمل بعد ولم تحقق أهدافها؟
 
يعود تاريخ الرباعيات إلى عام 1959 والتى جاءته بالصدفة أثناء سيره فى طريقه المعتاد لصباح الخير ألحت على ذهنه أربعة سطور شعرية، هى:
 
مع إن كل الخلق من أصل طين
 
وكلهم بينزلوا مغمضين
 
بعد الدقايق والشهور والسنين
 
تلاقى ناس أشرار وناس طيبين
 
فعلق عليها بصوت مرتفع (عجبى) وبعد أن صعد صلاح إلى المجلة أسمع صديقه أحمد بهاء الدين رئيس التحرير تلك السطور الأربعة، فطلب منه بهاء كتابة أربعة منها كل أسبوع للنشر بالمجلة، وبدأ فى كتابة الرباعيات ونشرها أسبوعياً وظهرت فى ديوان لأول مرة عام 1963، وعلى الرغم من متابعة القراء لها دورياً فإن صدورها مجتمعة كان مفاجأة أدبية مدوية فى المجتمع الأدبى، وقد أشار إلى هذا يحيى حقى ضمن دراسة مطولة عن الرباعيات بكتابه «عطر الأحباب»، حيث قال: لعل صلاح جاهين قد ذهل -كما ذهلنا نحن- حين جمع هذه الرباعيات أخيرا فى كتاب لا يزيد حجمه على حجم كف الصبى الصغير، فإذا هذه النفثات المنجمة المتناثرة نطقت -وبعضها ينضم إلى بعض- بأنها جميعا وليدة رأى فريد فى الحياة، له اتساقه وله بدنه الواحد رغم تعدد وجوهه لا تجده إلا عند صلاح جاهين.
 
معظم رباعيات جاهين اعتمدت فى بنائها الفنى على شكل الرباعية العرجاء وكذلك الموال الخماسى الأعرج، حيث تأتى قوافى السطور واحد واثنين وأربعة متماثلة بينما تكون قافية البيت الثالث قافية حرة، وهو ما وصفه حقى بأنه عماد الرباعية واستشهد برباعية:
 
خرج ابن آدم من العدم وقلت ياه
 
رجع ابن آدم من العدم وقلت ياه
 
تراب بيحيى وحى بيصير تراب
 
الأصل هو الموت ولا الحياة؟
 
عجبي
 
 
على اسم مصر
 
الناقد محمد كشيك فى كتابه «جماليات النص الخفي» تناول أعمدة العامية بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين الذى قدمه تحت عنوان «البحث عن عروق الذهب فى اللغة المصرية» ليتناول بالنقد والتحليل أسلوب جاهين الشعرى ونستعرض هنا مناقشته للقالب الملحمى لقصيدة «على اسم مصر»: كتب صلاح جاهين قصيدته الملحمية الكبرى «على اسم مصر» أثناء رحلته العلاجية إلى موسكو عام 1969، ثم استكمل الجزء الثانى من الملحمة بعد عودته من الخارج فى خريف 1971
وهذه الملحمة عبارة عن جدارية كبرى تستوعب تاريخ مصر القديم والمعاصر، وأعتقد أن الانجازات الفنية الاعجازية التى قدمها صلاح جاهين فى هذه الملحمة فقط.. ترتفع به إلى مقامات شعراء عظام، بل وتتجاوزهم أمثال: «طاغور» «جلال الدين الرومي» و«الشيرازي» و«لوركا» و«نيرودا» وغيرهم، فهذه الملحمة تستوعب طاقات موسيقية وفنية وجمالية، قل بل ندر أن توفرت مثلها فى أدبنا العربى المعاصر «العامى والفصيح» إنها فى بنائها البسيط والمركب مثل شجرة بديعة وسط غابة استوائية، تختزن بداخلها أغصان موسيقية متشابكة، قادرة على استجلاب الإيقاعات الحية من بحار جوفية عميقة، لايمكن لها أن تغيض.
 
وفى أغلب مقاطع القصيدة الملحمية استخدم صلاح جاهين قالب «الموال» وهو قالب غنائى قديم، عريق فى مصريته، استعملته المخيلة الشعبية للتعبير عن نفسها، ولاكتشاف البلاغة الخاصة الكامنة فى وعى الجماعة، ولا وعيها أيضا منذ مئات السنين.
 
ولقد أعاد صلاح جاهين اكتشاف ما يختزنه هذا الشكل من ثراء نغمي، وتراكيب موسيقية، يمكن لها أن تستوعب هذا الفيض الابداعى المنهمر، طويل النفس، الذى لايستطيع القوالب الموسيقية المحدودة، أن تمسك به أو تحاصره، وتسيطر عليه.
 
وتستجيب الموهبة الخلاقة فى على اسم مصر لتحديات القالب الفني، فالشاعر الذى يريد التحليق والتحرك عبر أنشطة لغوية متنوعة، يتمكن من تطويع الشكل.. وتزويده بأوتار موسيقية غنية، ليتزحزح الشكل الثابت، ويسمح بتحركات فى العمق تساهم فى تطوير القالب وتجعله مجرد مقترح نام، يمتلك القابلية لكل أنواع الاحتمالات، فينفتح الشكل المغلق على فضاءات إبداعية لاحدود لها، كما يتمكن الشاعر من تقديم اكتشافاته الفنية، عبر قدرة معجزة على اختبار واختيار المفردات الدالة التى تعكس وعيا عميقا لدى الشاعر بقدرة اللغة على تجاوز أبعادها المألوفة والمتعارف عليها، لتشكل تلك السبيكة الخاصة، والبالغة الخصوصية، القادرة على التعبير عن أعقد النغمات وأبسطها فى آن.
 
 
ولعل أهم ما يقدمه جاهين فى قصيدته الملحمية الطويلة من انجاز، يتمثل فى تلك السهولة الغنائية بداخل تعقيد معمارى وتصاميم فنية مركبة فالسطح البسيط الظاهر، يكاد يخفى ما يختزنه العمق من تأويلات لاحدود لها.
 
 


جاهين×سطور
 
- مواليد 25 ديسمبر 1930 فى شارع جميل باشا بحى شبرا.
 
- والده المستشار بهجت حلمى الذى تدرج فى السلك القضائى حتى عين رئيسا لمحكمة استئناف المنصورة.
 
- التحق بكلية الحقوق بناء على رغبة والده ودرس فى ذات الوقت فى كلية الفنون الجميلة دون علم والده لفترة قصيرة، ثم ترك الدراسة بأكملها لينغمس بالعمل الصحفى.
 
- التحق بروزاليوسف وعمل سكرتير تحرير وظل يرسم بشكل سرى إلى أن اكتشفه أحمد بهاءالدين الرجل الثانى بالمجلة وقتها فأفرد له صفحة كاملة أسبوعيا.
 
- كتب عددا كبيرا من الأغانى الوطنية وارتبط اسمه بثورة يوليو ومغنيها عبدالحليم حافظ وذاعت شهرته من خلال بعض الأغانى مثل «صورة» « السد العالى».
 
- كتب السيناريو والحوار لعدة أفلام مثل «خللى بالك من زوزو» و«أميرة حبى أنا» و«شفيقة ومتولى» كما شارك بإنتاج بعض الأفلام وبالتمثيل فى أفلام أخرى منها «شهيد الحب الإلهي» عام 1962 و«لا وقت للحب» عام 1963م.
 
- له العديد من الدواوين الشعرية.
 
- توفى فى أبريل عام 1986م.