الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

باعة الصحف. شرايين صاحبة الجلالة المنسيون





تراهم كل يوم وفى كل مكان.. فى الشارع فى إشارات المرور وعلى الأرصفة.. يرتبطون بالمكان فيصبحون إحدى علاماته المميزة كإشارة المرور واللوحات الإرشادية.. جنود مجهولون يؤمنون بأنهم أصحاب رسالة.. يروجون للثقافة والمعرفة يقفون خلف صناعة الوعى والتنوير.. ينتمون لفئة «المهمشون فى الأرض» تجد لديهم أخبار كل شىء وثقافة قد يفتقدها خريج الجامعة رغم عدم تعلم أغلبهم يتابعون الصحف بشغف وينتظرون لحظة قذف المطابع بها فى لهفة..
يبيعونها كل يوم دون أن يكون لهم نصيب فيها.. يتابعون من خلالها قصص كثير من أبناء الوطن.. ولكن قصصهم تبقى دائمًا منسية لا يذكر منا شىء.. رغم أنهم يمثلون شرايين الحياة بين صاحبة الجلالة والقارئ.. إنهم باعة الصحف «المنسيون» خارج منظومة الصحافة «والمهمشون» على خريطة المجتمع.

 «روزاليوسف» قررت أن تكون معهم ليكونوا أبطالاً على صدر صفحاتها.. تحتضن آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم وأيضًا تكشف آلامهم ومعاناتهم.

الصحف مجانا

الحراك السياسى الملتهب الذى تشهده البلاد منذ ثورة 25 يناير يدفع إلى سخونة الأحداث فتنفجر المظاهرات فى ميدان التحرير رمز الثورة العظيمة منتشرة فى شوارع وسط البلد فتغلق المحلات تجنبًا للمخاطر.. ولكن يظل هؤلاء الجنود باعة الصحف فى عملهم رغم كل شىء يوزعون الصحف التى تنقل الحدث بكل تفاصيله إلى المتظاهرين الذى يتلقفون الصحف بلهفة لمتابعة الحدث الذى صنعوه وردود الأفعال عليه.

شارع قصر النيل مقره الدائم وشبه اقامته الكاملة.. هو وفرشته من الصحف.. من معالم الشارع.. إبراهيم أحمد مصطفى أو عم إبراهيم كما يناديه زبائنه ورث المهنة عن والده منذ أكثر من 40 عامًا لم يتعلم لا يقرأ ولا يكتب.. يستعين بأحد العاملين معه ليقرأ له الصحف ويخبره بأهم الأحداث عن مصر.. ذاكرة عم إبراهيم مليئة بالأحداث ولكنه يذكر وفاة الزعيم جمال عبدالناصر والسادات كأكبر الأحداث التى زادت من توزيع الصحف وأيضا يتذكر ثورة 25 يناير كحادث فريد كانت بعض الصحف الخاصة والحزبية والقومية أيضا تقوم بتوزيع الصحف مجانًا على المتظاهرين كاشفًا لنا تفردًا جديدًا لثورة 25 يناير التى أبهرت الدنيا ويرفض عم إبراهيم فكرة أن الصحف المستقلة والمعارضة هى الأكثر صدقًا.. فهو يرى أنه بعد ثورة 25 يناير أصبحت الصحف القومية هى الصادقة.. وعن أبنائه يقول عم إبراهيم لقد فضلوا الوظيفة بعد أن أنهوا تعليمهم.. لأن مهنة بائع الصحف متعبة جدًا وتحتاج للوقوف ساعات طويلة فى الشارع.. وبالرغم من المخاطر التى يكون معرضًا لها أثناء المظاهرات فهو يكون سعيدًا لارتفاع نسبة المبيعات.


الحكومة عاجزة

عبدالرحيم عبدالفتاح.. جلباب وسمرة ولهجة صعيدية هذا أكثر ما يميزه.. عبدالرحيم بائع الصحف الصعيدى ولكنه فيلسوف يحدثك عن السياسة التحريرية للصحف وأهم ما يميز كل صحيفة وأراؤه السياسية حادة كملامحه يقف فى شارع 26 يوليو على الرصيف المقابل لشارع طلعت حرب حاصل على مؤهل عال ويعمل فى هذه المهنة منذ 6 سنوات وإن كان لم يرثها ولكنه استلم مكان شقيقه.. لا يفرق عبدالرحيم بين الصحف القومية والمستقلة والحزبية ويرى أن لكل جريدة قارئًا.

الصحف الإلكترونية والفضائيات من وجهة نظر عبدالرحيم لم تؤثر على بيع الصحف الورقية ويؤكد هذا بدليل زيادة صدور الصحف ويضيف أنه لا يتعامل مع زبائنه بعنف بل يتركهم يتفرجون كما يريدون ثم يختارون.. لأن الرزق بيد الله.. ويرفض أن يرث أبناؤه المهنة لأنه يتمنى لهم مستقبلاً أفضل وقبل أن أتركه سألنى ألم يكن شعار ثورة 25 يناير «عيش - حرية - عدالة اجتماعية» ياريت تكتب على لسانى إنى عاوز وظيفة تناسب المؤهل الذى حصلت عليه.. الحكومة مش عاوزة تشوفنا ليه؟! هو الدكتور قنديل ناسى حكاية البطالة.. هو مش عارف مشاكل الشباب.. قلت له الله يكون فى عونه كل يوم مظاهرات ومشاكل كثيرة.. شرد عبدالرحيم بناظريه فى اتجاه الرصيف المقابل وقال البطالة أهم مشكلة وما فيش أى مشكلة اتحلت.. حكومة عاجزة.. سألته ايه رأيك فى الدستور قال فيه حاجات كويسة لكن فيه حاجات لازم تتغير وبالمناسبة أنا مع الإعلان الدستورى اللى الرئيس أصدره.. لماذا؟! عاوز البلد تمشى عايزين نشوف أكل العيش.

أين النقابة؟

فى شارع 26 يوليو وعلى رصيف جراند أوتيل يقف محمود عبدالمجيد بجلبابه وسمرته يقطع المسافة أمام فرشته ذهابًا وإيابًا ليجلب لكل زبون جريدته يعمل بائع صحف فى نفس المكان منذ 25 عامًا رفض تحديد إن كان سيورثها لأبنائه أم لا فهى مهنة تعب وشقاء بالاضافة إلى وقوفه فى الشارع فى كل الظروف والأحوال فى البرد فى الحر فى المظاهرات ويتساءل محمود أين نقابة موزعى الصحف لماذا لا يكون لدينا كارنيهات بأننا موزعو صحف حتى لا تحدث مضايقات من البلدية أو الأمن ويكون لنا علاج مجانى محترم خاصة أن عائد بيع الصحف ضئيل جدًا.

مهنة تستوعب النساء

زينب عبدالمعطى واحدة من النساء اللاتى اقتحمن مهنة بيع الصحف ورثتها عن والدها منذ أكثر من 33 عامًا وستشاركها المهنة ابنتها المعاقة وترفض أن يعمل أبناؤها الثلاثة الباقون فى هذه المهنة التى تمثل لها الشقاء بكل ما تحمله الكلمة من معانى البؤس والمعاناة وتشير زينب إلى فرن ثروت الذى تقف أمامه بوسط البلد بنتى المعاقة كانت هاتروح منى عندما شب حريق فى الفرن وكانت ابنتى المعاقة طفلة.. وعن أهم ما استفادت به من هذه المهنة تقول تعلمت القراءة والكتابة وكنت اعتمد على نفسى ومساعدة بعض الزبائن.

مصر زى رغيف العيش

فى الرابعة والنصف فجرًا تخرج أم ياسر بائعة الصحف سيدة فى منتصف الأربعينيات دائمًا ما ترتدى عباءة سوداء.. أرملة ولديها ولد فى الصف الثانى الإعدادى وبنتان فى المرحلة الابتدائية.. تجلس على كرسى من الخشب بميدان المسلة بالمطرية فى قلب موقف الميكروباص تقيم فى شقة مع أختها ووالدتها مشاهدتى اليومية لها دفعتنى للاقتراب منها والحديث معها.. قالت مهنة بيع الصحف ورثتها عن جدى وأبويا وأنا كملت بعدهم وعن المكسب من هذا العمل قالت الشغلانة دى رزقها قليل إنما الحمد لله عايشين وبنعلم العيال وعلى الرغم من قيام الثورة البلدية لسه بتضايقنا الصحف كثيرة والكشك لا يستوعبها لذلك اضطر لفرشها أمام الكشك ومعايا تصريح لكن البلدية مالهاش دعوة.. ومن كثرة حمل الصحف من على الفرشة لوضعها فى الكشك ثم إخراجها جالى غضروف وما بقدرش أتحرك كتير وأمى وأختى بيساعدونى فى شغل البيت حتى وأنا تعبانه لازم أنزل الشغل لأن ما فيش دخل تانى وما فيش إجازات وحتى الأعياد بنشتغل فيها!

سألتها إيه رأيك فى حال البلد والمظاهرات وما يحدث حولك؟! قالت: «مصر عاملة زى رغيف العيش الكل عاوز يأكلها حتى أهلها»

تنبأ بالثورة

ليس مجرد بائع صحف عجوز أمضى 50 عامًا من عمره فى بيع الصحف حتى أصبح من كبار متعهدى بيع الصحف إنه أحد شهود الحركة الفكرية المصرية من على مقعده الخشبى بجوار فرشته الشهيرة بميدان التحرير ومن خلال تردد القوى الثورية عليه استطاع بفطرة سليمة أن يفك طلاسم السياسة من تجربته الحية على أرض الواقع.. لدرجة جعلته يتنبأ بثورة 25 يناير.. من زبائنه الذين صاروا أصدقاءه، أبو العز الحريرى وحمدين صباحى وأيضًا عمالقة الفكر الراحلون نجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة ويوسف إدريس ويحتفظ بصور معهم وأيضًا من أصدقائه العديد من رؤساء تحرير الصحف القومية والمستقلة والحزبية.. أكد أنه يمارس هذه المهنة منذ 50 عامًا وقد ورثها عن والده ويتذكر عم رمضان الماضى قائلاً زمان كانت الصحف فى مصر أخبار وأهرام وجمهورية وروزاليوسف.. هذا الوضع تغير الآن يوجد أكثر من 150 صحيفة ما بين يومى وأسبوعى قومية ومستقلة ومعارضة وحزبية وينظر عم رمضان لميدان التحرير وكأنه يحتضنه بعينيه ويقول هنا بيتى لقد تنبأت بالثورة هنا وكنت شاهد عيان على الثورة وحتى أثناء الأحداث والقتل ومعارك الثوار فى الميدان لم أترك الميدان فبائع الصحف لا يستقيل وليست له إجازة ويجب أن يؤدى واجبه مهما تكن الظروف فالصحيفة ليست أقل أهمية من رغيف الخبز.. أنا آخر متعهد تعاقدت معه شركات التوزيع.. أنا عاشق لمهنتى وأورثتها لأبنائى الأربعة على الرغم من حصولهم جميعًا على مؤهلات عليا إلا أننى حرصت على أن تكون مهنتهم الأساسية توزيع الصحف.

يتدخل فى الحوار هانى رمضان وهو حاصل على بكالوريوس تجارة وهو أحد أبناء عم رمضان الذى ورث حب المهنة مؤكدًا ضرورة أن تكون هناك نقابة لباعة الصحف.. لأنه لا يجب أن يظل مروجو الثقافة والتنوير مهمشين.. ويضيف رمضان أنه فخور بعمله وفخور بوالده الذى غرس بداخله حب الثقافة.

الصحيفة لها طعم وروح

فتحى يوسف أنفق أربعة عقود من عمره فى مهنة بيع الصحف حتى أصبح أشهر متعهد فى المناطق الشعبية بداية من دوران شبرا حتى قليوب.. ويقول: أذكر أنى بدأت أستقل وأبيع الصحف منذ أن كان سعر الصحيفة 3 قروش والآن يعمل عندى أكثر من 75 موزع صحف نصفهم من الأرامل اللاتى يتكفلن بتربية أيتام.. وعلى الرغم من أن مهنة بيع الصحف شاقة إلا أنها غير مربحة لأن المتعهد لا يستطيع أن يترك موقعه كالجندى فى الميدان تمامًا وأثناء الثورة والانفلات الأمنى لم يكن فى الشوارع سوى اللجان الشعبية وباعة الصحف.. ومن أهم مطالب فارس فتحى تأسيس نقابة لباعة الصحف تدافع عن حقوقهم وتكفل لمن يمرض ألا يتسول قوته وعلاجه مشيرًا إلى أنه وبعض متعهدى الصحف عقدوا اجتماعات مع شركات التوزيع التى قدمت وعودًا ولم تفعل شيئًا.. ويؤكد أنه لولا باعة الصحف لخسر الشعب المصرى نصف ثقافته على الأقل ويقول «إحنا اللى نورنا الناس بوقفتنا تحت الشمس وتحت المطر» ولا يرى فارس أن الإنترنت سوف يؤثر على الصحف فى مصر.. لأن الناس اللى بتحب الورق لا يمكن أن تتخلى عنه ويقول الجرنال له طعم وروح عشان كده لا يمكن ينتهى زى التليفزيون لما طلع وقالوا خلاص الراديو انتهى.

معرفة ونور

محمد فتحى الأخ الأصغر لفارس يؤكد أن مهنة بيع الصحف تعد أسمى وأشرف المهن فنحن نبيع للناس العلم والمعرفة والنور لأن الجريدة ستبقى من أهم مصادر المعلومات ويقول تخرجت فى كلية الحقوق وكان بإمكانى تأسيس مكتب محاماة لكنى لم أستطع هجر مهنتى فالعمل ببيع الجرائد يمنحنى سعادة خاصة وبعض الزبائن الذين يعرفون بأنى جامعى يأتون لمناقشة أوضاع البلد معى ومن المفارقات الغربية أن كل مظاهرات 25 يناير خرجت من أمام الكشك.. ولبائع الجرائد صفات خاصة أهمها الالتزام بالمواعيد فالناس تتوقع أن تجد جريدتها فى وقت محدد ويضيف محمد أنه تتم عملية توزيع الصحف على مرحلتين الأولى فى التاسعة مساء للطبعات الأولى والثانية من الفجر وبعد الاستلام فى المرحلتين نوزع الصحف على الباعة ومن المشكلات التى تواجه المهنة انخفاض هامش الربح فالمكسب فى كل نسخة تسعة قروش ما يعنى لو أن البائع إذا باع 300 نسخة مثلا وهذا رقم كبير جداً سيكسب 27 جنيها وهذا مبلغ لا يغنى ولا يسمن من جوع فى الظروف الراهنة.

طفل شيخ المتعهدين

محمد فلفل ورث لقب شيخ المتعهدين عن أبيه وهو يبدوا سعيداً بهذا اللقب الذى يحظى به منذ أن دخل بلاط صاحبة الجلالة قبل 40 عاما يقول كنت طفلا دون العاشرة وكان الباعة يلقبوننى بشيخ المتعهدين الصغير ولما توفى والدى انتقل اللقب لى وهو ليس ميزة بقدر ما هو تكليف ومسئولية فالحفاظ على سمعة أبى أهم ما أضعه أمام عينى فالصحافة إدمان جميل ولا أتخيل نفسى أعمل بمهنة أخرى على الرغم من حصولى على مؤهل متوسط..

بائع صحف وطالب جامعى

على ناصية شارع مصدق يقف محمد سعيد الليثى طالب بالفرقة الرابعة تجارة عين شمس بجوار فرشة الجرائد كما يسميها تساعده أمه بالجلوس بدلا منه فى أيام محاضراته حيث ينطلق من منزله ببولاق الدكرور إلى العباسية حيث تقبع جامعته ثم يلحق بعمله فى الدقى بعد ذلك ورث المهنة أبا عن جد هذا هو تعليق محمد عن سبب اختياره  لهذه المهنة ولكنه فى الوقت نفسه لم يحدد موقفه هل سيعمل بها بعد تخرجه ولم ينس محمد أن يذكر مضايقات البلدية.
كان قبل الثورة فظيعًا أما بعد الثورة فالمعاملة أفضل .

حياة كريمة

يقف على فرشة الصحف وهو فى كامل هندامه واناقته مرتديا الجينز والكاجوال إنه عبدالهادى سليمان يقف فى شارع وزارة الزراعة وتحديداً امام المصل واللقاح يضع على الرصيف حاملاً من الخشب يعلق عليه جميع الصحف ويعتبر هذا العرض جزءًا من جذب السيارات المارة للحصول على جريدتهم المفضلة شعلة نشاط بمجرد أن يرى السيارة يعرف الصحف التى يريدها صاحب السيارة نظر إلىَّ بابتسامة وقال هؤلاء زبائنى وأنا أعرف ماذا يريدون.. أطالب بشىء واحد فقط أن يصبح لباعة الصحف نقابة.. وأن تقوم شركات التوزيع بزيادة نسبة العمولة حتى نعيش حياة كريمة.

نفسى فى سيارة

فى شارع فيصل على ناصية شارع العشرين أمام التوحيد والنور تقف فاطمة محمد توفيق التى لا تتعدى السابعة عشر أمام فرشة الصحف مؤكدة أن والدها يعمل بهذه المهنة.. وتساعده هى وأخواتها.. للأسف فاطمة تركت المدرسة فى المرحلة الابتدائية إنها شعلة ذكاء تقود السيارة الميكروباص الخاصة بالتوزيع وتقول إنها تعلمت القيادة بالمشاهدة كل أمنيتها يكون لديها سيارة سوزوكى حتى تستطيع أن تأخذ اخواتها وتفسحهم لا يوجد لديها مشاكل مع الزبائن كما تقول فهى نزلت إلى الشارع والناس فى سن مبكرة وتعرف كيف تتعامل معهم جيداً.

الصحة والستر

أمير أحمد بنظارته السميكة ونظرته العميقة يعمل بائعاً للصحف منذ 30 عاماً ومكانه المفضل أمام مديرية أمن القاهرة لديه 4 بنات وولد ويحمد الله أنهم جميعاً حصلوا على مؤهلات عليا فهو كما يقول يراعى ربنا فى أكل عيشه والرزق من عند الله وهو الذى يبارك فى القليل.. ولكنه يرى أن العمولة عن التوزيع قليلة جداً ومكسب هذه المهنة قليل.. ويقول بمجرد أن أرى الجريدة وأطالع العناوين أعرف الصحيفة التى ستكون توزيعها أعلى ويطالب أيضا بنقابة لباعة الصحف وأكشاك تبيع الصحف والمجلات فقط والصحة والستر والحمد لله على كل شىء.
نسبة عجز 85٪ ويعمل من التاسعة مساء وحتى الرابعة فجراً فى ميدان الألف مسكن من ناحية شارع جسر السويس يجلس حجاج حسن السيد بجوار الصحف بعمامته وجلبابه وبالطو أسود يؤكد عم حجاج أنه فى هذه المهنة منذ أكثر من 35 عاما يقف فى هذا المكان من التاسعة مساء وحتى الرابعة فجراً على الرغم من معاناته من نسبة عجز تبلغ 85٪ لديه ولد وبنتان الولد تخرج وحصل على مؤهل عال والبنات فى الدراسة عم حجاج حالة مختلفة فهو يحصل على معاش 300 جنيه ويعمل لدى الموزع الرئيسى للمنطقة يقوم باستلام الصحف من سيارات التوزيع وفى مقابل هذا يحصل من ناصر مسعود المتعهد عن منطقة الألف مسكن ومدينة السلام والعبور والشروق على أجر شهرى 300 جنيه.. ليصبح اجمالى دخله 600 جنيه يطالب عم حجاج بكشك يبيع فيه الصحف أو حتى كرسى متحرك يساعده على المشى.. حملنا همومهم وآلامهم واقتراحاتهم وعرضناها على مسئولى التوزيع بالمؤسسات القومية التى لديها شركات توزيع.

مهنة طاردة

طرحنا مشاكل باعة الصحف على الأستاذ أحمد عبدالفتاح نائب المدير العام للتوزيع بمؤسسة الأهرام الذى أكد أن مهنة باعة الصحف من المهن الطاردة لأسباب عديدة منها ضعف العائد المادى الذى يعود على البائع والخروج من المهنة بسبب المرض أو الوفاة.

ثانيا: تعامل البلدية مع باعة الصحف فهى تعاملهم على أنهم باعة جائلين على الرغم من أن هذه المهنة تثرى الحياة الثقافية.

< لماذا لا تتبنون فكرة الأكشاك خاصة وأن الأهرام مؤسسة ضخمة تملك الكثير من الموارد والامكانات وحتى تكون مساهمة منكم فى تطوير المظهر الحضارى للعاصمة على الأقل؟!
- نعم نحن فكرنا فى هذا الموضوع ولكن أنت تعلم المعوقات والروتين فى التعامل مع الأجهزة الحكومية فى هذه الفترة الحرجة.

= هل تتبنى شركات التوزيع مساعدة باعة الصحف فى إيجاد حلول لمشكلة النقابة الخاصة بهم.
- لقد قمنا بعمل اجتماعات مع نقابة العاملين بالطباعة والصحافة والنشر للبدء فى اجراءات التسجيل فى النقابة لإحياء وتفعيل شعبة باعة الصحف.. وأيضا عقد دورات تدريبية بالنقابة وتفعيل مشروع تطوير مهنة باعة الصحف بالتعاون مع الصندوق الاجتماعى ويرى الأستاذ أحمد عبد الفتاح أن باعة الصحف كانوا مهمشين قبل ثورة 25 يناير ولكن بعد الثورة سوف يشعرون بتحسن الأوضاع تدريجياً فهؤلاء الباعة هم شرايين صاحبة الجلالة التى تقوم بتوصيل الثقافة والمعرفة إلى القارئ.

ويرى الأستاذ محمد إبراهيم مدير توزيع القاهرة أن المشكلة كبيرة بالفعل ويجب أن تتضافر الجهود لحلها وزيادة عدد المطبوعات التى تصدر وعدم وجود مكان عرض مناسب لها عندما كان عندنا 3 جرائد يومية و25 مجلة وجورنال ما بين أسبوعى وشهرى.. كانت نفس المساحات المخصصة للعرض  الآن 23 جريدة يومية تقريباً وحوالى 500 مطبوعة أخرى ما بين أسبوعى وشهرى وربع ونصف سنوى.. النهاردة بينزل السوق حوالى 150 مطبوعة يومياً بيزلوا على نفس مساحة الفرشة التقليدية الموجودة فى الشارع ولا تتعدى مساحتها مترين تكفيهم إزاى كان بيعرض 15 مطبوعة اليوم البائع مطالب بعرض 150 مطبوعة أولا المكان لا يسمح والسلطات لا تسمح بالامتداد أكثر من كده.. كان الجورنال بيتعرض كاملاً ثم أصبح النص والربع هو المعروض فقط ثم مدور وأنت وحظك.. ممكن تبحث عن جرنال ويبقى قدامك ومش لاقيه.

لابد أن تتضافر الجهود حتى نجد طريقة لحل عرض الصحف.

ويضيف الأستاذ يحيى ميلاد مدير توزيع بالأهرام أيضاً أن بعض أصحاب الصحف المستقلة يساهمون فى تعقيد هذه المشكلة وعدم المساعدة على إيجاد حلول جماعية ومشتركة لجميع الصحف فيقومون بتوزيع الهدايا والحوافز المادية والعينية على باعة الصحف ولأن الباعة فى حالة احتياج مادى نظراً لضعف العائد من التوزيع فيقوم بعرض الصحف التى تدفع له ويقوم بالترويج لها وسط زبائنه ممن اعتادوا على الشراء منه.. لأن البائع بحكم عمله فى الصحف يومياً وأيضا تعامله مع الزبائن يكون قد كون فكرة عما يحتاجه الزبون من الصحف ويضيف مبروك جمعة مشرف توزيع الأهرام أن هناك بعض الأساليب غير الأمينة يلجأ إليها بعض الصحف الخاصة فيأخذ كمية من المطبوع ويقوم بتوزيعها على الباعة بسعر متدن جداً 40 أو 50 قرشًا فيقوم البائع بعرض هذه الصحيفة لأنها ستحقق له مكسبًا أكبر ويؤكد الأستاذ رضا جرجس مشرف توزيع أن الصحف التى تقوم بهذا العمل تدمر نفسها لأنها لن تستمر طويلاً فى هذا الاتجاه اضافة إلى أن شركة التوزيع إذا احست بهذا العمل تمتنع فوراً عن توزيع الجريدة عن طريقها.

كانت هذه جولة مع باعة الصحف وأيضاً آراء المسئولين فى شركات التوزيع عن مشاكلهم ولكن تظل المشكلة الأكبر بلا حل الصحف لا تجد مكاناً مناسباً لتأخذ فرصتها فى العرض.. اضافة إلى ضعف العائد المادى لباعة الصحف من هذه المهنة ومشكلاتهم كما هى لا تحل بالسرعة المطلوبة فهؤلاء هم شرايين صاحبة الجلالة التى يصل من خلالهم المعرفة والثقافة إلى جموع المصريين وعلى المسئولين عن شركات التوزيع والمحليات وجميع الأجهزة أن تعمل على تذليل العقبات التى تعترض بائعى الصحف.