الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القدس لدى التنظيمات الإرهابية.. النضال المزيف

القدس لدى التنظيمات الإرهابية.. النضال المزيف
القدس لدى التنظيمات الإرهابية.. النضال المزيف




تحقيق : أحمد إمبابى

تتجه الأنظار لموقف التنظيمات الإسلامية والإرهابية التى طالما تاجرت بقضية القدس والوضع فى فلسطين، فى أعقاب قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ذلك أن كثيرًا منها تعتبر فى قرار ترامب فرصة النجاة للتواجد مرة أخرى بعد أن فقدت أرضيتها فى الشارع خاصة بعد أن أظهرت تطرف فكرها وتورطها فى العنف والإرهاب.
قد تكون هناك فرصة لأن تستعيد تلك التنظيمات وسائلها القديمة فى الاستقطاب واستثمار تطورات قضية القدس، فرصة للتواجد فى مناطق وتجمعات الشباب من الجامعات والنقابات بشعارات عاطفية حول نصرة القدس والقضية الفلسطينية، كما كان يحدث من قبل، ولكن هل يتحقق المراد وسط تنامى الوعى الشعبى بمخاطر تلك التنظيمات على أوطانها كما حدث مع حالة الإخوان فى مصر.
فالقدس والدفاع عن قضية فلسطين، مبرر وسند اشتركت فيه أغلب هذه التنظيمات للتواجد بداية من الإخوان وجماعات الجهاد وأيضا القاعدة والجماعة الإسلامية، وترجم هذا التواجد شعارات عاطفية وحماسية انتشرت أغلبها فى الجامعات كالشعار الإخوانى  «عالقدس رايحين شهداء بالملايين»، لكن هل صدقت فيما تقول وتدعى ؟! وهى لم تتخذ موقفًا على الأرض ضد إسرائيل دفاعاً عن القدس.
شعارات وهتافات نجحت فيها من قبل فى تسيير موجات غضب بالجامعات والنقابات، ووظفتها سياسيا فى ضم كوادر جديدة وتوسيع دائرة تواجدها والمزايدة على مواقف الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، حتى أن أحد المنشقين عن الإخوان، فضل عدم ذكر اسمه، كشف أنه جند حوالى 150 شخصا من الجامعات والنقابات باستخدام قضية الأقصى والقدس والدفاع عن المقدسات الإسلامية وبالتالى استدراجهم لطريق الجماعة.
ولعل هذا المعنى أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى كثيراً عند طرح رؤية مصر لحل القضية الفلسطينية خلال السنوات الثلاثة الماضية، حيث أوضح أن رؤية مصر الثابتة ترى ضرورة التسوية الشاملة بإعلان دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس وعلى حدود ما قبل يونيو 1967، مشيرا إلى أن حل القضية الفلسطينية ينهى أهم مبرر وذريعة تستخدمها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لاستقطاب عناصر جديد بدعوى الجهاد من أجل الأقصى.

القدس والتنظيمات الإسلامية

بالنظر لبدايات تنظيمات الإسلام السياسى سواء الإخوان أو التنظيمات الجهادية، لاتختلف تلك التنظيمات على اختلافها فى استراتيجية البناء ومراحل الاستقطاب التى تنتهجها فى توسيع دائرة عضويتها، ذلك أنها استخدمت لغة خطاب متقاربة لعناصر وشرائح متشابهة وصولا للأهداف التى تسعى لتحقيقها سواء سياسية أو دينية.
من المشتركات بين هذه التنظيمات كانت القضية الفلسطينية وتوظيف شعارات عاطفية خاصة فى الجامعات ضمن استراتيجية الاستقطاب ومنها إلى عملية ما بعد الاستقطاب «الدمج والتصعيد».. وتوضيحا لذلك نستعرض موقف أبرز تلك التنظيمات من القضية:

الإخوان

فى أقسام عمل تنظيم الإخوان الإرهابى خصصت شعب إدارية لطلبة الجامعات ووسط النقابيين والعمال، لتحقيق الانتشار وسط هذه القطاعات وحددت الغاية فى تشكيل ما يسمى «جو» إسلامى.
بل ووضعت الجماعة مناهج للعمل، ووفقا لوثائق  التنظيم كانت الجماعة تستخدم مراحل محددة لاستقطاب الشباب فى الجامعات وهى «التعارف والاختيار، والتقارب، وإيقاظ الإيمان، وشمولية العبادة والأخوة وشمولية الإسلام.. ويأتى هدف المرحلة الأولى، وهو الانتشار والانتقاء».
أحد أهم مداخل خطاب الإخوان لتلك الشرائح ولتحقيق هذه الأهداف كانت قضية فلسطين، فعزفت الجماعة على وتر الجهاد وتحرير الأقصى وإغاثة أهل غزة، بل وأخذت لدعوة المصريين للدفاع عن فلسطين بإرسال التبرعات والأموال والأدوية واستخدمت فى ذلك عناصرها فى النقابات والجمعيات التابعة لها.. الملفت أن الإخوان كانت إحدى وسائل إضعاف القضية الفلسطينية، عندما نشأت حركة حماس التابعة لها بفلسطين، ومنذ ظهور حماس فى 1987، رافعة شعار المقاومة تسببت فى شق الصف الفلسطينى فى وقت كان هناك مشروع فلسطينى موحد للمقاومة بقيادة الراحل ياسر عرفات.

الجهاد والجماعة الاسلامية

نشأت جماعتا الجهاد والجماعة الإسلامية فى الجامعات المصرية فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى على شكل جمعيات دينية، من خلال بعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة فى محيط الطلاب ونمت هذه الجماعة الدينية داخل الكليات الجامعية.
اتسعت قاعدة تلك الجماعة وبرز سيطها خارج أسوار الجامعة ببعض المواقف أبرزها معارضة اتفاقية كامب ديفيد، وتحت راية الدفاع عن القدس وفلسطين أخذت توزع المنشورات وتقيم المسيرات والمؤتمرات ضد الدولة، ووصل الأمر لحد تكفير الرئيس الراحل أنور السادات وتدبير حادث اغتياله.. واعترفت الجماعة الإسلامية بخطأها فى مراجعات قياداتها داخل السجون بالتسعينيات.

حركة الجهاد الإسلامي

نشأت كثمرة تدافع سياسى شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية أواخر السبعينيات، وقادته مجموعة من الشباب الفلسطينى فى أثناء وجودهم للدارسة الجامعية فى مصر وكان على رأسهم مؤسس حركة الجهاد الإسلامى الشهيد الدكتور فتحى الشقاقى والشيخ عبد العزيز عودة.
وبررت هذه الحركة تواجدها بحجة أن الحركة الإسلامية فى هذا الوقت أهملت القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم الإسلامى وأنها جاءت لحل هذه الإشكالية، لكن الواقع أنها أصبحت طرفًا ثالثًا فى الصراع الفلسطينى الداخلى مع فتح وحماس وساهمت بتعميق الانقسام الفلسطيني.

القاعدة

رغم أن التأصيل الفكرى لتنظيم القاعدة الجهادى يتبنى محاربة العدو البعيد (المقصود به أمريكا والأنظمة الغربية) قبل العدو القريب (المقصود به الأنظمة العربية وفى الدول الإسلامية) إلا أن قضية القدس وفلسطين كانت أحد ذرائعها لاستقطاب عناصرها.. فزعيم هذا التنظيم الإرهابى أسامة بن لادن أشار فى جميع بياناته إلى قضية فلسطين والأقصى، ورغم ذلك لم تثبت أية عملية للقاعدة لتحرير القدس رغم تعدد مجموعات القاعدة فى المنطقة بداية من جماعة الزرقاوى أو مجلس شورى المجاهدين وأنصار بيت المقدس وجيش الإسلام.. مع أنها تدعى فى جميع أهدافها الأساسية تحرير فلسطين.

حزب الله

الأمر لا يختلف مع المذهب الشيعى وتحديدا مع حزب الله اللبنانى، فقد تأسس فى أوائل الثمانينيات فى جنوب لبنان كجزء من جهد إيرانى لتجميع الجماعات الشيعية اللبنانية المسلحة تحت سقف واحد لقود المواجهة فى الصراع الإيرانى الإسرائيلى.
وتحت شعارات المقاومة والدفاع عن القدس والأقصى حاول حزب الله الحصول على دعم شعبى فى الجنوب اللبنانى وفى دول عربية مختلفة.. والأن تغيرت لهجة رئيس الحزب حسن نصرالله المعتادة ولم يلجأ كما كان من قبل بالتصعيد أو التهديد لأمريكا وإسرائيل واكتفى بدعوة فصائل المقاومة للتوحد.

داعش

أما تنظيم داعش الإرهابى، فتحرير فلسطين ليس من أولويات عملياته الإرهابية ضد الدول العربية والإسلامية.
وعبر التنظيم بوضوح عن ذلك فى مقال بالعدد ١٠٩ من مجلته الأسبوعية «النبأ» بعنوان «بيت المقدس إن أولياؤه إلا المتقون».
وهاجم من يتحدثون عن أن الأولوية لتحرير القدس، بل واعتبر أن من ينتقده على عدم رفع السلاح باتجاه إسرائيل « مزايدات كاذبين».

مصدر تمويل مهم

اللافت أن القضية الفلسطينية دائما ما كانت مصدرا لتمويل الإخوان وتلك الجماعات من خلال أموال التبرعات، وهو ما أكده القيادى السابق بالإخوان والخبير فى الحركات الإسلامية ثروت الخرباوى الذى قال إن الإخوان أرادوا عند بدايتها تحقيق قدر من الانتشار والتعاطف الجماهيرى من خلال طرح القضايا الإسلامية والمتعلقة بالمقدسات من باب الاستغلال الدينى للتنظيم.
واستشهد على ذلك بموقف الجماعة فى الأربعينيات قبل حرب 1948 وقت حسن البنا، حيث نشطت فى حركة التبرعات لفلسطين وأخذت تردد شعارات عن القدس وحماية القدس ورفض تدنيس المسجد الأقصى، وأخذوا يثيرون المشاعر فى خطب الجمعة وجمع التبرعات من المساجد حتى أن حسن البنا جمع فى أحد الأعوام 33 ألف جنيه من أجل فلسطين، وعندما وجد أحمد السكرى وهو أحد مؤسسى الجماعة أن المبلغ المرسل 3 آلاف فقط، سأل البنا أين ذهبت باقى التبرعات فرد عليه أنها ذهبت للدعوة!!، وعليه قرر السكرى ترك الجماعة.
وأوضح الخرباوى فى تصريحات خاصة، أنه فى حرب 48 زعمت الإخوان أنها تواجدت فى الحرب بفلسطين، لكن الحقيقة أن عدد الأشخاص كان لايزيد على مائة شخص من أفراد التنظيم الخاص وبهدف التدريب العسكرى على  الحروب وليكونوا نواة لتأسيس جيش للإخوان، وبدليل أنهم تواجدوا فى منطقة غزة وخان يونس البعيدة عن مركز الاقتتال فى الحرب بالقدس وتل أبيب، وسخر أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة من ذلك فى مقال وقتها بعنوان «أين رجالك يا بنا».
وقال الخرباوى أنه بعد عودة المجموعة من فلسطين قاموا بتدريب أفراد جدد كنواة لجيش مسلح للتنظيم، وترتب عليه قرار محمود النقراشى بحل الجماعة وعاقبوه باغتياله.. وعبر التاريخ استخدمت الإخوان قضايا مثل وضع المسلمين فى البوسنة والهرسك وأفغانستان.
واستشهد الخرباوى بواقعة أخرى للاستغلال الإخوانى عام 1994، عند اقتحام اليهود للحرم الإبراهيمى فى القدس، حيث استغل التنظيم الحدث للترويج لنفسها بعقد مؤتمرات كبيرة فى مصر وفى النقابات المهنية وبحضور قيادات التنظيم منها مؤتمر بنقابة المحامين.
وحول آليات الاستفادة المادية، قال الخرباوى إن الأخوان حرصوا على آلية جمع التبرعات من المساجد ثم بعد أن كان لهم تواجد فى الجامعات والنقابات أخذوا يشكلون لجانًا لجمع التبرعات منها تحت مسميات لجان الإغاثة الإنسانية التى أعلنت برامج لفلسطين والبوسنة والهرصك وأخذت تجمع الأموال من الجاليات الإسلامية فى أوروبا وأمريكا، ولكنها كانت تذهب للتنظيم الدولى والجماعة.
وعلى مستوى تجنيد عناصر جديدة للتنظيمات الاسلامية، قال الخرباوى إن قضية القدس وفلسطين كانت من الوسائل المهمة فى التجنيد بالإخوان، مشيرا إلى أن الجماعة استخدمت القضية بشكل كبير فى أوساط الجامعات والنقابات واستطاعت خلال الثمانينات والتسعينيات فى ضم 120 الف شاب عن طريق طرح قضايا المقدسات والمشاركة فى فعاليات خاصة عن القدس والأقصى فى هذا التوقيت.
وأشار إلى أن هذه الأعداد كانت نواة تنظيمية لتواجد هذا التنظيم فى الأحياء ومناطق عديدة بالمحافظات.
وأوضح الخرباوى أن هذا التنظيم فقد بضاعته التى كان يروجها للناس فى الشارع بعد أن ظهرت حقيقتهم الإرهابية، مشيرا إلى أنهم يحاولون التواجد عبر قنواتهم الإعلامية وكتائبهم الإلكترونية لكن على أرض الواقع لا يستطيعون الحشد فى الشارع كما كان يحدث أيام مبارك لأن الرأى العام لم يعد يصدقهم.

 تداعيات قرار ترامب

لعل السؤال الذى يطرح نفسه، هل هذه التنظيمات كانت فى حاجة لقرار ترامب حول القدس؟!.. والواقع أن ما تعانية تنظيمات الإسلام السياسى من تراجع ورفض شعبى لمشروعها تجعلها تبحث عن كل فرصة لتجميل صورتها الملوثة بدماء مئات الشهداء، وقضية القدس خير مثال وجماعة الإخوان الإرهابية نموذجا.
ويظهر ذلك فى دعوات عناصر الجماعة ولجانها الألكترونية على وسائل التواصل الاجتماعى بدعوات لتهييج الشارع العربى والإسلامى وضرب المصالح الأمريكية وحرق السفارات.
ولعل خطورة الموقف حاليا تكمن فى التصدى لأى تحرك لعناصر الإخوان داخل الجامعات من استغلال قضية القدس، ولعل هذا الأمر تتداركه الجامعات المصرية بتنظيم مسيرات صامته للطلاب وبمشاركة رؤساء الجامعات وأعضاء هيئة التدريس لرفض القرار الأمريكى وغلق باب المزايدات والمتاجرة بالقضية داخل الجامعة وسط الطلاب.
لكن كثيرًا من دعوات الجماعة، بالنظر لردود الأفعال فى الشارع، لم تلقى تفاعلاً كما كان من قبل، ذلك أن حالة الوعى المجتمعى بمخاطر هذا التنظيم أصبحت أكثر من ذى قبل،. وهذا ما أكد عليه القيادى الجهادى نبيل نعيم الذى قال إن الشارع المصرى أصبح مدركاً لأساليب الإخوان والتنظيمات الإرهابية، لكن الأكثر خطورة هم الأجيال الجديدة خاصة فى الجامعات الذين تستهدفهم تلك التنظيمات لتشكيل وعيهم وفكرهم وفقا لأجنداتها..
واعتبر نبيل نعيم أن التنظيمات الاسلامية اكثر من أضر بالقضية الفلسطينية لأن حماس ساهمت فى الشق الفلسطينى ومنظمة التحرير الفلسطينية التى كانت تقود المقاومة الموحدة.. وحول الموقف الحالى بعد قرار ترامب، قال أن هناك بديلاً ظهر لتلك التنظيمات منذ عام 2006، وهو حزب الله اللبنانى الذى يقود شعار المقاومة، ولكن الشارع المصرى والعربى لن يستجيب لشعارات وأساليب  تلك التنظيمات بعد إرهابهم الذى ظهر للشارع فى الفترة الاخيرة وبالتالى أفلست فى الشارع.
لكن الخبير فى مجال مكافحة الإرهاب العقيد حاتم صابر، فأشار إلى أن قرار الرئيس الأمريكى ترامب قد تستخدمه بعض التنظيمات الإرهابية كوقود لأى عملية تستهدف المصالح الأمريكية فى الخارج وعليه تم تأجيل تنفيذه لمدة عامين.