الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. «الآخرون»

واحة الإبداع.. «الآخرون»
واحة الإبداع.. «الآخرون»




اللوحات للفنان
 جون وليام ووترهاوس

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    

[email protected]


 

«الآخرون»

قصة قصيرة

كتبتها - سمية عبد المنعم

 انسلت من بين الجموع وهى توارى خجلًا سكنها، ولم تعر اهتمامًا لصيحات صديقاتها الدهشة والهاتفة باسمها أن ارجعى.
كادت أن تستقل إحدى عربات الأجرة لكنها عدلت عن الفكرة عندما تذكرت كم من العيون التى يمكن أن تتفرس فيها، فكان قرارها بأن تقطع المسافة بين بيت صديقتها وبيتها مشيًا على القدمين، وراحت تختار أكثر الشوارع هدوءًا وأقلها ارتيادًا من قِبل الناس.
ها هو البيت يلوح إلى عينيها، تنفست الصعداء وهى تقطع السلم قفزًا.. أخيرًا سأدلف إلى حجرتى حيث لا أحد غيرى.
وقفت أمام باب شقتها، دقته بأصابع لهفة، وانتظرت.
قطع لهفتها صوت صائح «أهذا أنت يا سهيلة.. كم أوحشتني»
التفتت لتجد جارتها التى تركت منزلهم لتسكن منطقة أخرى منذ شهور.. ما الذى جاء بها ثانية؟!.. ربما اشتاقت لصديقات العمر.
رسمت ابتسامة مجاملة بدت مفتعلة، وهى ترد سلامها.
لكن المرأة الأربعينية لم تكتفِ بالسلام بل وقفت تسألها عن أحوالها ودراستها وكيف تبدو مرحلة الإعدادية معها و.. و...
أحست بالضجر ولم يغب عن عينيها أن تظهراه جليًّا فى زيغانٍ هنا وشرودٍ هناك، حتى كان صمت المرأة.
حاولت أن تستأذن إلى أن حانت من المرأة نظرة ذات معنى تجاه ثدييها اللذين يحاولان الإعلان عن مقدميهما إلى خريطة جسدها الصغير.
ها هو ذا ما خشيته، وكعادتها غزاها خجل مرتعب وكأن عارًا يلاحقها.
وربما كان خجلها هذا إيذانًا للمرأة بأن تتمادى، فأشارت إلى ثدييها وهى تغمز فى خبث قائلة بمرح طفولى «ها قد صرنا آنسات جميلات..».
كادت تصفعها على وجهها صارخة، لكن صوت باب شقتها وهو يفتح كان قارب النجاة لكلتيهما.
تركت أمها تكمل الثرثرة معها وانطلقت نحو غرفتها وكأنها تأوى إلى جبل يعصمها من الطوفان.
أحكمت غلق بابها ووقفت أمام المرآة تنظر إلى ثدييها فى فزع: «إلى متى ستظلان سببًا فى أن تلاحقنى عيون وثرثرات الآخرين.. نساءً وشبابًا وحتى أطفالًا».
لم يطل تساؤلها، تجردت تمامًا من ملابسها وسددت إلى ثدييها الصغيرين نظرة حاقدة، ثم أمسكت بأحد الإيشاربات، طوته لطبقات طولية ثم أحاطت به ثدييها وربطت طرفيه على ظهرها، ضيقته أكثر فأكثر حتى تساوى ثدياها بكتفيها.. هكذا اختفيا تماماً.
زفرت بارتياح وراحت ترتدى ملابسها باسمة وازدادت ابتسامتها عندما أكدت لها مرآتها أنهما لم يعد لهما أثر فوق صدرها.
هنا همست لنفسها بسعادة غامرة: هكذا صرت طبيعية.. هكذا أستطيع أن أحيا بين الناس.