الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«كراكيب جديدة».. ديوان الشعر واللعب مع الزمن

«كراكيب جديدة».. ديوان الشعر واللعب مع الزمن
«كراكيب جديدة».. ديوان الشعر واللعب مع الزمن




كتب - إسلام أنور

فى ديوانه الأخير «كراكيب جديدة»، الصادر عن دار العين بالقاهرة، يتعامل الشاعر السكندرى عبد الرحيم يوسف مع الشعر كممارسة يومية، وجزء رئيسى من الحياة المعاشة بكل مفرداتها وحكايتها وأحلامها وانكسارتها و«كراكيبها» القديمة والجديدة، معتمدًا على بناء لغوى بسيط وممتع لا يقوم على المفارقة والدهشة بقدر ما يكشف عن جمال العامية المصرية وقدرتها على التعبير حتى فى أبسط صورها.
يطرح «عبدالرحيم» فى ديوانه سؤال رئيسى يتعلق بالزمن ورؤيتنا لذواتنا من خلاله، كيف كنا؟، وماذا صرنا؟، وما الذى سنكون عليه؟، فى هذا السياق يفتتح ديوانه بمقطع للشاعر الراحل الكبير فؤاد حداد: «باقول دلوقتى والاَّ زمان، كل حبّه نفسى أغنّي، أعمل إيه؟، شيخوخة مباركة بإذن الله، بسّ اللى يسمعنى يهاود، وما يربطش الكلام قبل ما يتربط، خّلينا نبحبح».
عبر هذا الثالوث بين الماضى والحاضر والمستقبل، يتحرك «عبدالرحيم» فى ديوان محاولًا اللعب مع الزمن عبر طرح أسئلة عديدة لا يبحث عن لها عن إجابة واضحة ومحددة بقدر ما يحاول اكتشاف الزمن من خلالها وخلق حوار معه، فى هذه الحالة الحوارية لا يمنح «عبد الرحيم» للزمن هالة من القداسة ولا يتعامل معه بحكمة مدعاة. بل يتعامل معه بندية، فيقف متأملًا الزمن وتداعياته على حياتنا فى بعض القصائد، وفى قصائد أخرى يتعامل معه بقدر من السخرية والتهكم.. فيقول: «كبرت للدرجة اللى أقدر بيها أورَّط العالم فـِ جـُمل كبيرة، ومهما صرخ واسترحم، أتــَّكـَّى زياده!، ومش مهم يموت العصفور فـِ إيدك، بعد ما خلـَّصته م اللسان والفرهدة، روحك وانت أدرى بيها!، دنياك وانت اللى بتحدد أركانها!، وأما تكبر، لازم توسَّع مجالك لكراكيب جديدة، وأدوار مسروقة، وابتسامات واجبه لزباين سُقع!، وأنا مابازهقش م الغياب، وماباتخنقش فـِ الزحمة، لكن عيبك إنك مابتشوفش الفخّ، إلا بعد مابتقع فيه!».
فى هذه اللعبة مع الزمن يبحث «عبد الرحيم» فى محيطه القريب ويمنح بعد إنسانى للأشياء المعتادة التى نمر عليها فى حياتنا دون أن ننتبه لوجودها وتاريخها وروحها وزمانها الخاص، عبر هذه الحالة نستمع لحكايات الزجاج الملون، والعين السحرية، والقهوة، والساعة، والكتاب، والدبوس، والمرآة.
«حَ تقدروا ترجَّعولى شكلى الطبيعي، ولاّ إحساسى الأولانى؟، أنا مرهون دلوقتى لفعل الأيام، ومسحة إيد الست الطيبه على وشى ، كل كام صبح، مقلَّق من نهايه تقليديه، على إيد كوره كَفَر من رِجْل طرشه، أو انتحار عصفور أهبل، حَ يخش بدماغه فِـ صدرى!، الشمس اللى واقف خِلقتى فِـ خِلقتها طول النهار، بتتهمنى بالبرود، مع إنها ما بتدفِّيش غير مسند الكنبة اللى فِـ الركن!».
من خلال هذه الأبيات فى قصيدة حكايات «الإزاز الملون» يطرح أسئلة عديدة وطبقات متعددة من المعانى عن الاعتياد والدفء والمحبة والبدايات الزاهية واللحظات الغائمة والخوف من الموت وقسوة ملل الحياة وصمتها، سيل من الأسئلة والحكايات يتداعى عبر هذه النافذة الزجاجية التى يفتحها على أرواحنا: «طب أنا مش فاكر حاجه من وجودى السابق، وما وعيتش إلاّ عَ الإطار ده، وتقسيمة الألوان د، وبعدين.. شفت كل حاجة، ومش عايز أشوف أكتر!، بس أكيد فيه تصريفه تانيه، غير الشروخ... والكَسْر!».
يبدو أن «عبد الرحيم» على مر الديوان مشغول بصنع حالة حوارية مع القارئ عبر دعوات مباشرة للمشاركة والتفاعل أو بصور مستترة عبر عين مدربة تلتقط تفاصيل الحياة اليومية لتصنع منها سردية خاصة عن الإسكندرية، تلك السردية التى تشتبك بالواقع ولا تهرب منهم، عبر التماس مع لغة سكان المدينة والانشغال بسياقهم الاجتماعي: «لا مؤاخذة إن كان فضميرك حاجه/ قولها ماتحبسهاش/ تقدر تعتبرها قعدة صفا_ مش قصيده/ منديل الأمان مفروش زى الملايه/ ويساع م الحبايب ألف».