الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«طعم الذئب».. رحلة الصراع داخل النفس البشرية

«طعم الذئب».. رحلة الصراع داخل النفس البشرية
«طعم الذئب».. رحلة الصراع داخل النفس البشرية




كتبت - مروة البحراوى

 

«ذئب أم كلب.. أيهما تفضل أن تكون؟».. سؤال شغلنى كثيرا، ودفعنى لطرحه على أحد الأصدقاء عقب انتهائى من قراءة رواية «طعم الذئب» للكاتب الكويتى عبد الله البصيص، الذى يعكس من خلال هذين الحيوانين مفاهيم ودلالات تكشف عمق الصراع داخل النفس البشرية، فيغوص فى خباياها وتناقضاتها اللانهائية، فى قالب روائى ممتع لرحلة إنسان نبذته الحياة، وتركته فريسة مستساغة للذئاب الجائعة والطبيعة الصحراوية الغامضة، لتنتهى رحلته بإعادة ميلاده من جديد.
صديقي، الذى لم يقرأ الرواية بعد، اختار دون تردد أن يكون ذئبا، آثر القوة والدهاء على الإخلاص والوفاء، وربما هذا ما ذهب إليه الكاتب أيضا، وتجلى للقارئ من خلال حوار مبدع بين ذئب وإنسان، قال فيه الأول للثاني:  «الكلاب تلوم نفسها إذا أخطأت، وتظل تلوم نفسها حتى ترضى على نفسها الذل، ونحن الذئاب لكى نكون ذئابا علينا أولا ألا نأسف على أى خطأ اقترفناه، وألا نندم على زلة بدرت منا، أتعرف لماذا؟ لأنه يحق لنا أن نخطئ ولا يحق لأحد أن يحاسبنا، هل عرفت لماذا لا يخنع الذئب؟.
اعتمد «البصيص» فى روايته، الحائزة على جائزة أفضل كتاب عربى فى مجال الرواية بمعرض الشارقة الدولى للكتاب 2017، بعدا فلسفيا شديد العمق فى الكشف عن طبيعة النفس البشرية، وهو ما تجلى فى حكايات العجائز وتروى: «أن أصل الذئب يعود لكلب وفى، جاع مرة فافترس من قطيع صاحبه نعجة، أكل رقبتها ويدها، فجاع بعد أسبوع وأكل جزءا من أخرى، هكذا ظل لمدة شهر، كل أسبوع يأكل عضوا من نعجة، حتى اكتشف الراعى فى ليلة جمعة مباركة ما يفعله الكلب فدعا عليه بألا يشبع، وأن يجعل الله الجوع سبب موته هو وذريته، فاستجاب له الله وأتت من ذلك الكلاب الذئاب التى تنتشر فى الصحراء، تتواصى فيما بينها على نهش قطعان الرعاة انتقاما من دعوة الراعي».
كما اعتمد الكاتب على عدة مفارقات لتعميق هوة الصراع النفسى الأزلى بين الإنسان وذاته، وبات ذلك واضحا عندما اختبأ بطل الرواية فى جحر صغير، فاتخذ وضعية الجنين، التى اعتبرها فأل سيئا ينبئ بالمفارقة الهزيلة  فى أن تكون كيفية موته فى الجحر كما كيفية حياته فى بطن أمه ، ويكرس المفارقة بالقول: «الدنيا أيضا جحر.. لكنها جحر كبير»، وعن المسافة التى تفصل بينه وبين الذئب يقول الكاتب: «قريب كأنه يستعد للفراق، بعيد كأنه يروم الوصل».
وعلى الرغم من أن الكاتب «البصيص» لم يتجاوز الثلاثين عاما، إلا أنه استطاع أن يعكس خبرة كهل اختبر الدنيا، واختبرته مئات المرات، فقدم لنا الصراع الإنسانى فى أعنف صوره، وأن كان انتصر لحقيقة الذئب القابع داخلنا، إلا أنه ترك للقارئ حرية الاختيار بين أن يعيش غالبا كالذئاب، أو مغلوبا كالكلاب.
الرمزية الشديدة إحدى الركائز المهمة التى انتهجها الكاتب للتعبير عن أفكاره، بداية من غلاف الرواية، ووصولا إلى أسماء أبطالها، ففى مقدمة الغلاف يظهر لنا بوضوح نصف وجه ذئب، ومن خلفه وميض غير واضح المعالم، فى دلالة الذئب المستتر داخل كل مننا، وهى الفكرة التى يؤكدها الكاتب فى اختيار أسماء أبطال الرواية، فالبطل على سبيل المثال يدعى «ذيبان» ويصفه أهل القرية بـ «كوبان» أى الجبان، وإذا ما دققنا فى الحروف الأولى والأخيرة من الاسمين، سنجد أن «ذيبان» يرمز إلى نصف ذئب و نصف إنسان، بينما يرمز «كوبان» إلى نصف كلب ونصف إنسان.