الحكومة المنتقبة !
عبد الله كمال
.... وإذا كانت الحكومة غير قادرة علي أن تتخذ موقفا رسميًا جماعيًا من النقاب.. لا هي سوف تصدر قرارًا.. ولا هي تجتمع علي اقتراح قانون بمنعه في المدارس والجامعات والإدارات الحكومية.. وفيها من يري أنه (حرية شخصية).. فإنني أتوقع ألا يكون لديها مانع من أن تنضم إليها وزيرة منتقبة.
المنطق يقول هذا.
رؤساء الجامعات يصدرون قرارات بمنع النقاب في المدن الجامعية والامتحانات.. ولا يجرؤون علي منعه في المدرجات ومن ثم في الحرم الجامعي.. ولا يجدون تعضيدًا من الحكومة التي يتبعونها.. وشيخ الأزهر يمنعه في المدن الجامعية والمعاهد التي تدرس فيها المدرسات السيدات وأثناء الامتحانات.. ويرسل قرار المجلس الأعلي للأزهر إلي جهات مختلفة فيقرأونه كما لو أنه خبر عادي منشور في الصحف.. أذن من طين وأخري من عجين.. وربما ملبن.. وربما بقلاوة.. علي سبيل التجميل.. إذ لا ينبغي أن تكتفي الحكومة بأذن عجينية عادية.
ظهور من يواجهون التطرف مكشوفة.. وصدورهم مشهرة أمام الطعنات المتوالية من أسلحة التخلف.. والمنتقبات يملأن الدواوين.. ادخل أي مكتب في أي وزارة وسوف تعرف.. ولابد أن كل منتقبة مسموح لها بأن تعمل بهذا الزي المخالف لطبيعة المجتمع يجب أن تطالب بترقياتها.. من درجة إلي أخري ومن موقع إلي غيره.. وإذا كانت الطالبة سوف تمضي في طريقها مع استثناءات وقتية بسيطة.. فإن هذا يعني أنها يمكن أن تطالب بأن تصبح معيدة وعضو هيئة تدريس.. والحالات المنتقبة فيما بين أساتذة الجامعة ليست نادرة، بل الظاهرة منتشرة جدًا.
من أين تأتي الوزيرات؟.. غالبا من بين أساتذة الجامعات ومن داخل مؤسسات الدولة.. فإذا استمر الأمر هكذا.. لا يمكن أن نندهش بعد بضع سنوات بمنتقبة تشتاق أن تصبح وزيرة.. وما المانع إذا كان النقاب حرية شخصية.. وربما وجدت وقتها من يلبي لها شوقها الوزاري!
تخيل معي وزيرة مثل الدكتورة مشيرة خطاب بكل عصريتها واحترامها لذاتها تجد إلي جانبها السيدة الوزيرة المنتقبة الدكتورة فلانة.. أو تجلس إلي جانب السيدة المتمدنة فايزة أبوالنجا أو إلي جانب السيدة النقابية ذات الصوت المجلجل عائشة عبدالهادي.. تري ما هي طبيعة الحوار الذي سيدور.. وهل ستحاول إقناع أي منهن بأن حالهن هذا لا يرضي الدين.. وأن عليهن أن يرتدين النقاب لمزيد من التحشم.. بدلاً من تلك الحالة التي هن عليها ويمكن أن تسبب لهن المشاكل فيما بعد.. في الآخرة؟
تخيل معي لو أن هذه الوزيرة المنتقبة دخلت اجتماع مجلس الوزراء.. هل ستصافح رئيس الوزراء.. رئيسها.. وهل إذا كان في مجلسها وزير مسيحي سوف تقول له في عيد الميلاد وعيد القيامة المجيدين كل سنة وأنت طيب.. هل ستلقي عليه السلام أصلاً.. أو ترد عليه إن مد يده إليها.. أو حتي قال لها (مساء الخير يا سيادة الوزيرة) من بعيد لبعيد!
ليس هذا تخريفا ولا هو فانتازيا.. حتي إذا كان من الصعب الآن وصول وزيرة منتقبة إلي الحكومة.. فما الذي يمكن أن يدور في ذهن المنتقبات في الشارع عن الوزيرات الثلاث وغيرهن.. وعن المذيعات.. وعن جميع السفيرات.. وكل أستاذات الجامعة.. والطبيبات غير المنتقبات.. ألن يكون هذا رأيهن فيهن.. باعتبار أن غير المنتقبة هي سيدة لم تكمل فرائض الدين.
إذن، أليس علي الحكومة أن تبذل جهدًا واضحًا من أجل إعلان موقف صريح من الظاهرة.. وأن تقوم بدور فعال في القضاء عليها.. أو تقليصها إلي أقل قدر.. بطرق وأساليب قانونية واجتماعية وثقافية وتعليمية.. أين القرار الذي يجب إصداره في هذا الشأن بما يوضح أن الحكومة منتبهة.. وتدرك خطورة الظاهرة وأبعادها.. وضرورة الحفاظ علي الملامح المصرية للمجتمع.. وإخفاء مظاهر التمييز التي تلاحقه من خلال صاحبات الزي الأسود.
لا أعتقد أن الحكومة سوف تبالي.. وسوف تركن إلي الهدوء حتي تمر المسألة.. وربما تكون هي الآن في حالة تمنٍ لأن ينتهي الموقف أكثر من المنتقبات وأنصار النقاب.. ببساطة لأنها لا تريد أن تسدد ما عليها من استحقاقات!
عمومًا ليس شرطًا أن تلتحق بالحكومة وزيرة منتقبة لكي نسميها الحكومة المنتقبة.. فالصمت في حد ذاته غطاء أسود يخفي الأفواه التي لا تريد أن تتشجع وتأخذ موقفا صريحا لا لبس فيه.. الحكومة الصامتة هي حكومة منتقبة.
الموقع الاليكتروني : www.abkamal.net
البريد الاليكتروني : [email protected]