الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد عجاج: فى زمن «العولمة الثقافية» تبقى «العامية» هى الأقرب إلى روحى

أحمد عجاج: فى زمن «العولمة الثقافية» تبقى «العامية» هى الأقرب إلى روحى
أحمد عجاج: فى زمن «العولمة الثقافية» تبقى «العامية» هى الأقرب إلى روحى




حوار- خالد بيومى

فى كتاباته يسمى الأشياء بلغته الخاصة، نصوصه مفعمة بالمعرفة الأكثر إنصاتًا لنداءات الشعر، مانحًا الوجود فرصة لكى يتحقق مرة أخرى، إنه أحمد عجاج شاعر ومسرحى وسيناريست وباحث فى الشؤون الأفريقية، صدر له ديوانان بالعامية المصرية هما «الشوارع بتاعت ربنا» و«لسه واقف على الرصيف»، وله وجهات نظر لها اعتبارها فى العديد من الملفات الثقافية، جديدة بالمتابعة والاطلاع عليها، ستجدونها فى نص الحوار التالى.

■ أنت شاعر، وأكاديمي، وسيناريست، وكاتب مسرحي، وصحفي، كيف توّفق بين كل هذه الاهتمامات؟ وأين تجد نفسك أكثر؟
- بالتأكيد لست كل هذا بالضبط، فانا أدركت الكتابة مبكرًا فى مواضيع التعبير، فحين كنت طالبًا بالصف الثالث الثانوى، نشر لى موضوعان عن جائزة نوبل لنجيب محفوظ، و«مجلس التعاون العربي» بمجلة مدرستى الحامول الثانوية. ولما جئت القاهرة بدأت الكتابة الصحفية فى «روزاليوسف» وتحديدًا فى مجلة «صباح الخير»، ثم مجلة «نصف الدنيا» بالأهرام، إلى جانب إعداد البرامج بقناة «النيل الثقافية»، كل هذا يقول إن الكاتب بداخلى ينمو كل يوم.
أما كونى أكاديميًا فهى أمنية قديمة تحققت بدراسة العلوم السياسية، وتخصصت فى الدراسات الأفريقية، لما أحسسته نحوها من أهمية ونقص الاهتمام بها، وبخاصة البُعد الثقافى، وقد أوشكت على استكمال رسالة الدكتوراه.
أما السيناريست فهو مشروع كتابة مؤجل فى صورته الجادة. وتجربتى المسرحية انحصرت فى عمل تجريبى تم اختياره ليمثل المسرح القومى فى المهرجان الدولي، وتوقفت التجربة لظروف خارجة عن إرادتى.
أما كونى شاعرًا فالشعر هو المعنى الحقيقى لحياتي، والجسر الذى أبنى عليه كل تفاصيلى اليومية، وكل ما يتعلق بالورقة والقلم، ويمنحنى السمو.
■ هل تؤمن بالتخصص أم تفضل المبدع الشامل؟
- نعم أؤمن بالتخصص؛ وفى أدق صوره، لكن بصورة غير منحصره ومنكبة على هذا الحد، فالعلوم المختلفة والمتنوعة كلها محتوى لعلم واحد، هو «علم الإنسان وأفعاله»، فالحياة اليومية حروف وأرقام، ورغم الإختلاف لا يستغنى الحرف عن الرقم، ولا يستغنى الرقم عن الحرف فى تكوين المعنى، والمبدع الشامل أغنى فى تخصصه عن المبدع شديد التخصص، وأنا أحب أن أعرف عدة أشياء عن شيء واحد، وكل شيء عن شيء واحد.
■ «الشوارع بتاعت ربنا» هو عنوان ديوانك العامى الأول، الذى صدر عام 2000، لماذا اخترت الكتابة بالعامية؟
- لأن اللهجة العامية هى الأقرب إلى روحى فى كتابة الشعر، ويعود ذلك للنشأة، حيث كان جدى يرتجل الشعر والموال، وبيتنا يستضيف شعراء الربابة طوال فصل الشتاء، وكان يجذبنى حديث الكبار وأنصت لحكاويهم، كل ذلك كان بالعامية، فنحن شعب لا يسود فيه التحدث بالفصحى حتى فى قاعات الدرس.
■ بعض النقاد ينظرون إلى شعر العامية كإبداع من الدرجة الثانية، ما رأيك؟
- ليس هناك إبداع درجة ثانية وإبداع درجة أولى، لكن هناك إبداعًا أو لا إبداع، ويكون ذلك مقبولًا فى النوع الواحد وهذا طبيعي، فالإبداع نعمة وعطية من الله ورزق و»كل واحد ورزقه»، والذين ينظرون إلى الشعر العامى بهذه الطريقة أظن أن نظرتهم منحازة، وربما عنصرية بلا داعي، فالعامية من أصعب أنواع الكتابات ويتجلى رقيها فى السهل الممتنع.  
■ ديوانك الثانى «لسه واقف على الرصيف» جاء بعد الأول بـ 12 عامًا، لماذا كل هذه المدة بينهما؟
- ربما أكثر من ذلك بكثير، فالديوان الأول صدر عام 1996، وأعيد نشره عام 2000، بينما «لسه واقف ع الرصيف» كتبت قصائده من 1996 وحتى 2005، خلال فترات متفرقة ـ متصلة الحالة، وبها نقلات مهمة، وربما يعود السبب الرئيسى إلى عملى بمكتب وزير الثقافة، ومواجهة طاحونة الواقع القاهرى ومحاولة فهمه وتحديد موقعى فيه.
■ الدكتور جابر عصفور يرى أننا فى زمن الرواية، بينما الدكتور محمد عبد المطلب يرى أننا فى زمن الشعر، فى أى زمن نحن؟
- ليس مهمًا أن نكون فى زمن الرواية، أو زمن الشعر، أو المقال، أو المسلسل، ...إلخ. فالمهم أن نكون فى زمن العولمة الثقافية، ولنا موقع ثقافى فيه.
لقد عبرت عن رأيى فى هذا الخلاف فور صدور الكتاب، وأعددت حلقة عنه، لكن الدكتور جابر عصفور ـ الذى أقدره ـ رفض بشدة التسجيل معي، بعد أن قرأ الإسكربت، وكانت التساؤلات من واقع الكتاب، وبالرغم من توجه بعض الشعراء إلى كتابة الرواية الآن ـ ما قد يصب فى صالح الرواية ـ إلا أنه لا يعنى أننا فى زمنها، ولسنا فى زمن الشعر، فكل أنواع الإبداع تكمل وتنهل من بعضها البعض، وليس جميلًا تسمية الزمن بنوع واحد من الإبداع.
■ كتبت الشعر المسرحى لعدد من المسرحيات، بالتعاون مع الشاعر بهاء جاهين، حدثنا عن هذه التجربة. ولماذا اختفى المسرح الشعرى بعد رحيل صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي؟
- كتبت أغانى لمسرحية «إحنا لأه وهما آه» أيام الجامعة فى المنصورة، وفى أول يوم عرض على مسرح «أم كلثوم» لاقت إعجابًا كبيرًا من الجمهور، إلا أن العرض توقف اعتراضًا على بعض الأغاني، فاستبدلها المخرج محمد العدل بأشعار للشاعر بهاء جاهين كانت جاهزة لديه واستكمل العرض. ثم فاز بأحسن ممثلة وحصلت على شهادة تميز، وأحسن أشعار فى مهرجان زفتى وميت غمر، حيث استعان المخرج بالأغانى المستبعدة.
أما المسرح الشعري؛ بل المسرح عمومًا، يفتقر لنصوص قادرة على لمس الناس وجذب إعجابهم، فى ظل ظروف اقتصادية خشنة سواء للمتلقى أو للشاعر صاحب النص نفسه، ولا ننسى أنه ارتبط بإله الخمر وبحالة مزاجية منتشية عند الرومان واليونان، والبيئة العامة لدينا لا تحفز مزاج الشاعر لكتابة ما هو أكثر من القصيدة منذ وقت بعيد.
■ أطروحتك للماجستير كانت عن الدور الثقافى المصرى فى أفريقيا، هناك مَن يرى تراجع الدور الثقافى المصرى فى أفريقيا مقارنة بالحقبة الناصرية. ما أسباب هذا التراجع؟
- هذه الرؤية سليمة تمامًا، وترجع لأسباب عدة منها ارتباط النشاط الثقافى المصرى بنشاط السياسة الخارجية بالدول الأفريقية، الذى توسع توسعًا كبيرًا فى القارة عندما كان للأفارقة حاجة لدينا، كدعم مصر لحركات التحرير الوطنية ضد الاستعمار والاستقلال فى العهد «الناصري»، وتقلص منتصف الستينيات بسبب الأزمة الاقتصادية فى مصر، ثم بسبب سياسة مصر فى السبعينيات على يد الرئيس أنور السادات، ومن بعدها حتى حادث «أديس أبابا» ضد الرئيس مبارك وباقى فترة حكمه، ما قلص الدور المصرى عمومًا، وأصبح للأفارقة حلفاء وعلاقات أكثر قوة وتأثيرًا من علاقاتها بمصر.
وها نحن أمام تحدى لهذه النتائج الآن. وفى هذا الصدد تقدمت بعدة مقترحات من هذه الدراسة لكل وزراء الثقافة فيما بعد الثورة. والآن علينا الخروج من ثقافة الغرف المغلقة إلى ثقافة الغرف المفتوحة، والاعتماد على العلاقات الثقافية الفعلية مع أفريقيا وليس الدبلوماسية الثقافية فقط، وبخاصة فى ظل توفر الإرادة السياسية بعودة الدائرة الأفريقية لإهتمامات مصر على المستوى المطلوب.   
■ ما تفسيرك لاستمرار أفريقيا بؤرة للصراعات المحلية والحروب الأهلية والتدخلات الخارجية رغم رحيل الاستعمار عنها؟
- لأن الاستعمار خرج ولم يخرج، بل غير شكله وأسلوبه وتكالب من جديد على خيرات القارة البكر. والصراع يعد جزءًا من التغيير الاجتماعى فى كل مجتمعات العالم، فليس بالضرورة أن يكون ظاهرة سلبية، إلا إذا تحول إلى عنف ولا تتم تسويته إلا بالعنف ليصبح مدمرًا ومخربًا؛ وهذه الظاهرة فى أفريقيا قديمة وبدأت بزوغها مع مرحلة تصفية الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت مع تخويل السلطة إلى النخب المحلية العرقية الموالية للاستعمار. ويمكن القول أنها ظاهرة معقدة للغاية وتتعدد أسبابها، التى أسهم فيها الاستعمار وأسهم فيها القادة والزعماء الأفارقة، وكذلك الهياكل والتكوينات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية القائمة. حيث ترتبط بجزء كبير منها بالطبيعة التعددية للمجتمعات الأفريقية، بجانب العوامل الاقتصادية والسياسية، والجزء الآخر يرتبط بقوى الصراع الدولى ودورها فى نشوبها بوسائل متعددة، وكان له على الدوام أعوان وتحالفات مع أنظمة وزعماء وجماعات حتى وقتنا هذا.  
■ كيف ينظر الأفارقة للثقافة العربية؟
انتشار اللغة العربية بأفريقيا دليل قاطع على قبولها والترحيب بها، واللغة هى حاملة الثقافة وناقلتها إليهم، بجانب انتشار الدين الإسلامى فقد أثبتت دراسات غربية أوائل الستينيات أن من بين كل عشرة أفراد أفارقة يعتنقون دينًا سماويًا عالميًا، فإن تسعة منهم يعتنقون الدين الإسلامي، ويطلق على أفريقيا «قارة الإسلام فى العالم» علاوة على القواسم التاريخية والروابط الدينية المشتركة الإسلامية والمسيحية، والمشكلة أن هذه المقومات تكون موجودة ويحدث هذا الجفاء الثقافى بيننا، ومن ثم جفاء سياسى واقتصادي.
لكن لا تخلو نظرة الأفارقة للثقافة العربية من مشكلات جسيمة فى مدركات الصورة الذهنية السلبية، وإن كانت متبادلة لدى الطرفين، إلا أن الثقافة العربية لها تأثيرات كبيرة فى دول عديدة من أفريقيا.
■ كيف ترى مستقبل الكتاب الإلكتروني؟ وما علاقتك بالمكتبة الرقمية؟
- فى ظل ثورة المعلومات المتدفقة والتكنولوجيا الهائلة يكون للكتاب الإلكترونى أهمية كبيرة لدى القارئ ولدى الباحثين والدراسين، من حيث توفره وسهولة الحصول على مصادر للبيانات والمعلومات، لكن هذا لا يجعله ينتصر على الكتاب الورقى من النواحى النفسية ومتعة لمس الصفحات والحميمية التى تنشأ بين الكتاب الورقى والقارئ، علاوة على الظروف الاقتصادية التى تحد من انتشار الكتاب الإلكترونى وتأثيراته السلبية على صحة الإنسان، لكن هذا لا يمنع رواجه لفترات زمنية مقبلة وبعيدة؛ وعلاقتى بالمكتبة الإلكترونية علاقة باحث فى المقام الأول.
■ مَن الشعراء الذين أثروا فيك؟
- فى البداية كانت كتابة عبد الرحمن الأبنودى الأحب والأقرب لروحي، وأذكر أن أطلق عليَّ الأبنودى الصغير أيام الجامعة، الأمر الذى جعلنى لا أنشر ديوانًا كاملًا إلا فى بعض الصحف واعتبرتها بدايات، بالرغم من إعجاب الكثيرين بهذه الكتابة وحتى أنا، بعدها ذهبت بى الكتابة إلى حيث قصيدتى الحالية وأنا سعيد بها، وأحببت وتعلمت الكثير من شاعرية فؤاد حداد وصلاح جاهين ونجيب سرور وبيرم التونسى وأحمد فؤاد نجم وإبراهيم رضوان ود.يسرى العزب، وأحببت كتابات أصدقائى من شعراء العامية مثل يسرى حسان ومسعود شومان ومجدى الجابرى وحاتم مرعى ومدحت منير وسعدنى السلاموني، وغيرهم من الشعراء الجادين.