السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«صبرى موسى».. أيقونة القصة القصيرة عاشق السفر والترحال

«صبرى موسى».. أيقونة القصة القصيرة عاشق السفر والترحال
«صبرى موسى».. أيقونة القصة القصيرة عاشق السفر والترحال




كتبت - مروة الوجيه

 

رحل صبرى موسي.. أيقونة القصة القصيرة وصاحب الروايات الأشهر فى أدب الرحلات، فبعد معاناة مع المرض منذ عام 2004، كان اختياره البعد عن الأضواء، اختار «موسى» أن يرحل فى هدوء فى 18 يناير 2018، عن عمر يناهز 85 عامًا، وعلى عكس طريقة رحيله كانت حياة الكاتب مليئة بالجدل والأحداث، فمنذ أن ترك مدينته الهادئة فى دمياط – مسقط رأسه - عام 1932، بعد دراسة الفنون الجميلة والعمل كمدرس رسم فى إحدى مدارس دمياط، اختار أن يذهب وراء حلمه ككاتب وصحفى، فجاء إلى القاهرة، وعمل بالصحافة فى جريدة الجمهورية، ثم التحق بعدها بمؤسسة «روزاليوسف» ليعمل كاتبًا متفرغًا، وهى المرحلة التى تركت أثرًا كبيرًا على كتاباته.
■ بدايته مع القصة
بدأ «موسى» حياته الأدبية بالكتابة فى فن القصة، ومن أعماله القصصية: «القميص، وجها لظهر، حكايات صبرى موسى، مشروع قتل جارة، الرجل الذى ضحك على الحصان، السيدة التى والرجل الذى لم»، وفى أدب الرحلات كتب «فى البحيرات، فى الصحراء، رحلتان فى باريس واليونان».
■ موسى والرواية
مع بداية عام 1962 صدرت له رواية «حادث النصف متر»، التى قدم فيها نفسه كروائى يمتلك أدوات مميزة، وصدرت الرواية – شأنها شأن روايتيه الأخيرتين «فساد الأمكنة» و«السيد من حقل السبانخ»- واللاتى نشرن على حلقات «فى روزاليوسف».
وتحولت رواية «حادث النصف متر» إلى  فيلمين سينمائيين بنكهتين ومعالجتين مختلفتين تبتعدان أو تقتربان عن روح الرواية الأصلية، الأول هو فيلم لأشرف فهمى من بطولة محمود ياسين ونيللي، والثانى هو فيلم للمخرج الفلسطينى سمير ذكرى بنفس الاسم، وهو فيلم لقى حفاوة نقدية فى العديد من المهرجانات.
■ الرحالة صبرى موسى
كان موسى يعشق السفر والترحال، حيث ذكر خلال أحاديثه الصحفية السابقة عن مشوار حياته، أنه كان يقرر السفر دون سابق إنذار ودون تجهيزات، حيث تنقل بين كل محافظات ونجوع مصر متعمقًا فى حياة الناس وثقافتهم، فكان يختار واجهته وفق مسار خط قطار السكك الحديدة.
ثم جاءت رحلته إلى الصحراء الشرقية حيث كان مكلفًا بصحبة الفنان مصطفى رمزى بزيارة عدد من المناطق النائية غير المطروقة، وتصويرها والكتابة عنها، وبعد أن زارا البحيرات التى تقع قرب بورسعيد وحتى الواحات الخارجة، قاما بزيارة للصحراء الشرقية استمرت 45 يومًا فى ذلك المكان الذى يمكن وصفه بالمنعزل عن العالم.
 وقال موسى خلال حديث له أجراه الروائى إبراهيم فرغلى: «أمضيت فى جبل الدرهيب بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان ليلة، وفى تلك الليلة ولد فى شعورى ببذور رواية «فساد الأمكنة»، ثم رأيت الدرهيب مرة ثانية بعد عامين، خلال زيارة لضريح المجاهد الصوفى أبى الحسن الشاذلى المدفون فى قلب هذه الصحراء عند «عيذاب».
ويضيف موسى: «وافقت وزارة الثقافة على تفرغى من نوفمبر عام 1966 إلى نوفمبر 1967 للإقامة فى الصحراء حول الدرهيب.. للتفكير ومحاولة الكتابة، ولكننى بدأت فى كتابتها عام 1968 ثم انتهيت منها وعام 1970 لم يبدأ بعد، ونشرت مسلسلة بمجلة صباح الخير خلال عامى 1969 و1970 ثم نشرت طبعتها الأولى كاملة فى العدد (204) من الكتاب الذهبى الذى صدر فى يوليو 1973 وفى عام 1974 فازت «فساد الأمكنة» بجائزة الدولة التشجيعية».
■ «فساد الأمكنة»
تعتبر رواية «فساد الأمكنة» إحدى أهم الروايات فى تاريخ الأدب المصري، حيث أبرزت ما لدى صبرى موسى من لغة مكثفة وشاعرية، فضلًا عن تساؤلاته الفلسفية والوجودية، ومحاولاته للغوص داخل نفس الإنسان، سعيًا وراء أسئلة حول البراءة والتلوث، فى لقاء بين شخصية الرحالة الإيطالى نيقولا، وبين الصحراء الواقعة خارج العالم.
■ كتابة السيناريو والحوار
لم يثبت موسى نفسه كموهبة متميزة فى مجال الرواية فحسب، وإنما قدم كذلك تجربة فى عالم السينما وكتب اسمه كواحد من الأسماء البارزين فى مجال كتابة السيناريو والحوار، حيث كتب سيناريوهات العديد من الأفلام السينمائية منها «البوسطجي»، أحد أهم أفلام السينما المصرية، و«قنديل أم هاشم»، و«القادسية»، و«الشيماء»، و«رغبات ممنوعة»، و«أين تخبئون الشمس» و«قاهر الظلام»، الذى يتناول حياة عميد الأدب المصرى د.طه حسين، وأخرجه عاطف سالم، وقام ببطولته كل من: محمود ياسين، يولند فوليو، يحيى الفخراني، وغيرهم، وكان هذا العمل تجربة شائكة بالنسبة لصبرى موسي، فبعد أن كتب موسى السيناريو للفيلم الذى اعتمد فيه على إبراز الصراع بين صاحب «فن الشعر الجاهلي» وبين المؤسسة الدينية، والصدام الذى حدث بينهما وانتهى بأكثر من محنة لعميد الأدب العربي، فوجئ صبرى موسى – كما روى فى مقال بـ«روز اليوسف» تبرأ فيه من الفيلم- بإسناد السيناريو إلى أحد الكتاب لـ«تخفيفه» على حد قوله، الأمر الذى انتهى بالفيلم بأن يصبح تصويرًا لعلاقة غرامية لا لحياة مفكر، كما قال موسي.
■ آخر أعماله
جاءت آخر إصداراته الإبداعية رواية «السيد من حقل السبانخ»، عام 1982، وهى رواية تُصنف تحت بند روايات الخيال العلمي، وهى تأسيس لنوع جديد لم يقدر له الاستمرار ولم يجد من يتلقفه من الأجيال المتتالية ولم يطرقه إلا أدباء قلائل مثل يوسف عزالدين عيسى، ونهاد شريف.
وقدم موسى فى روايته نموذجًا لما يعرف برواية «الديستوبيا» وهى الرواية التى تدور فى المستقبل، وغالبًا ما تمتلك رؤية متشائمة تحذيرية من مصير غير مرغوب فيه إما للبشرية وإما لوطن أو قوم معينين، وهو ما يتوفر فى الرواية التى تتناول من خلال شخصية «هومو» عالم المستقبل الذى تصبح فيه التكنولوجيا هى المحرك الأول والأوحد لهذا العالم، ويتحول الإنسان من صانع للتكنولوجيا إلى تابع مسخر لها.
ورغم إبداعات صبرى موسى الأدبية إلا أن رصيده كان يتميز بالندرة، ولم يكن المرض وحده الذى لازمه طيلة أكثر من 15 عامًا هو السبب، حيث نقل الروائى إبراهيم فرغلى عن صبرى موسى – كما يحكى عن نفسه- أنه أنتج ما أنتج بفعل الضغط الواقع عليه من ضرورة ملاحقة سرعة النشر فى «روزاليوسف»، وما فرضته عليه الحلقات الواجب نشرها فى مواعيد محددة من التزام بإكمال عمله، لذلك فإنه ما إن تحرر من هذا النشر حتى فقد مسوغ هذا الالتزام،
■ «ذاكرة الشهوات».. رواية لم تكتمل
حيث أخبره موسى بأنه يكتب منذ سنوات رواية تدعى «ذاكرة الشهوات» ولكنها لم تنته بعد، وعندما سأله فرغلى عن الوقت الذى يتوقع انتهاءها فيه قال: أنا الآن متروك لحريتي، وهو ما يعنى أننى ربما لن أتمكن من الانتهاء منها، لكن ربما لو كلفنى أحد بنشرها على حلقات فلربما انتهيت منها بسرعة.
ورحل صبرى موسى ولما يكمل «ذاكرة الشهوات» بعد، ولعله قرر ألا يكملها أبدًا، ولعل قراءه ومعجبيه كان عليهم أن يسعوا لإيجاد طريقة لإجباره على الكتابة قبل أن يذهب ويتركنا.
■ خزانة الجوائز
حصل الكاتب الكبير على العديد من الجوائز والأوسمة عن أعماله الأدبية، حيث نال جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب عام 1974، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1975، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون عام 1992، والميدالية الذهبية لجائزة «بيجاسوس» من الولايات المتحدة الأمريكية للأعمال الأدبية المكتوبة بغير الإنجليزية عام 1978، وجائزة الدولة للتفوق عام 1999، وجائزة الدولة التقديرية عام 2003، كما ترجمت أعماله الى العديد من اللغات منها الإنجليزية والصينية، وصدر كتاب من الناقد والمؤرخ شعبان يوسف تحت عنوان « سيرة عطرة وإبداع شامخ» عام 2015 عن مشوار صبرى موسى الأدبي.
وخلال مسيرته المهنية، تولى موسى العديد من المهام، حيث كان كاتبًا متفرغًا فى مؤسسة «روزاليوسف»، وصدر له عنها كتاب «الغداء مع آلهة الصيد»، ثم أصبح عضوًا فى مجلس إدارتها، وتولى منصب رئيس مكتب «روزاليوسف» فى بغداد مطلع السبعينات، ثم عضوًا فى اتحاد الكتاب العرب، ومقررًا للجنة القصة فى المجلس الأعلى للثقافة، وله مئات المقالات فى مجلة صباح الخير، أشهرها مجموعة مقالته تحت عنوان «فنجان قهوة»، وساهم صبرى موسى فى أوائل فترة التسعينات فى إصدار مجلة «بالعربي» وهى صحيفة أصُدرت فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تختص فى الآداب والفنون وكانت تصدر باللغتين العربية والإنجليزية.

قالوا عنه

■ رشاد كامل: ما يميزه  هو عشقه للإتقان
عن كواليس كتابات صبرى موسى فى داره الثانى «روزاليوسف» يقول الكاتب رشاد كامل رئيس تحرير مجلة صباح الخير الأسبق: «كان أكثر ما يميز صبرى موسى هو عشقه للإتقان، فكان متقنا فى كل أعماله وكان الإهمال هو عدوه اللدود، وهو الأمر الذى دائمًا يجعلنا فى «روزاليوسف» ننتظر كتاباته فى اللحظات الأخيرة قبل الطبع، فهو من المستحيل أن يرسل لنا كتاباته دون أن يكون راضيا عنها تمامًا، وتذكر «كامل» أنه أثناء فترة تولى المبدع لويس جريس رئاسة تحرير صباح الخير، اتفق مع صبرى موسى على أن يتم إصدار حلقات مسلسلة يطلق عليها «فنجان قهوة قبل النوم» وطلب موسى أن يتم الإعلان عن هذه السلسة قبل الإصدار، وهو بالفعل ما تم عمله على مدار أشهر، إلا أنه لم يكتبها وكان رده آنذاك أنه «غير راض عما كتبه».
ويقول رشاد كامل عن معرفته بصبرى موسي، أن أول لقاء بينهما كان مع بداية مشواره فى صحيفة «روزاليوسف» عام 1976، حيث كان «موسى» حينها يتولى منصب مدير مكتب «روزاليوسف» فى بغداد وكان عندما يأتى الى القاهرة دائم الجلوس فى غرفة كبار الكتاب بالمؤسسة العريقة، وكان اجتماعه الأسبوعى مع الكتاب علاء الديب وعبدالله الطوخى ومدام زينب صادق بمثابة ندوة أدبية وثقافية، وكان كثيرًا ما ينضم الى هذه الندوة الأستاذ كامل زهيرى وصالح مرسى وراجى عنايت وعدد كبير من كبار الكتاب والأدباء.  ويضيف كامل، أنه عندما عاد «موسى» واستقر بشكل نهائى فى القاهرة، كنت آن ذاك أشغل منصب سكرتير تحرير مجلة «صباح الخير» وتولى هو مع الكاتبة زينب صادق باب بعنوان «نادى القلوب الوحيدة»، كان عبارة عن خطابات القراء العاطفية وكان من إبداعات صبرى موسى أنه حول هذا الباب إلى تحفة أدبية، وكان رده على خطابات القراء بمثابة قصة قصيرة أو عمل أدبي، وهذا هو أسلوب صبرى موسى المعهود فى كتابته، تحويل أقل الأشياء الى عمل أدبى. واستكمل «كامل» أنه إبان فترة توليه رئاسة تحرير صباح الخير عام 2003، فاجأنى صبرى موسة بأنه كتب مسرحية بالفعل ويريد أن ينشرها فى صباح الخير وبالفعل تم نشرها على مدار 4 أسابيع فى ملزمة منفصلة.
وتذكر رشاد كامل بعض المواقف الطريفة مع صبرى موسي، وقال: «كان أكثر ما يضايقه هو الأخطاء المطبعية فى كتاباته، وفى بعض الأحيان كانت هذه الأخطاء بمثابة مواقف كوميدية نضحك عليها، ففى مرة تم جمع عنوان روايته «لسيد فى حقل السبانخ» إلى «السيد فى حقل الخبيزة»، واستشاط موسى غضبًا وانهال علينا باللوم ولم ينقذنا منه إلا صديق عمره الأستاذ عدلى فهيم الذى حول هذا الموقف إلى كوميديا أضحكتنا جميعًا.
■ محمد الشافعي: كوكتيل إبداع
قال محمد الشافعي، رئيس تحرير مجلة الهلال الأسبق: «صبرى موسى كان كوكتيل إبداع فهو أحد كبار رموز الرواية والصحافة، ينتمى الى جيل من رواد القصة والأدب وكانت فترة إبداعه خلال تواجده فى مؤسسة «روزاليوسف» صاحبة النكهة الخاصة فى الصحافة، وله تجربتان ذات أهمية ، رحلة جاب خلالها كل الواحات المصرية ورحلة أخرى جاب خلالها كل البحيرات فى أنحاء مصر، وليس هناك من استطاع أن يقدم إبداعا مثل هاتين التجربتين مثل صبرى موسي».
■ بغدادي: كتاباته تتسم بالفنتازيا
وقال الكاتب الصحفى محمد بغدادي: «كتابات موسى كانت تتسم بالفنتازيا والإسقاط، ولم يستطع أحد أن  يجاريه فيها أو يقلدها فهو حالة متفردة فى الإبداع، كما كان صحفيًا لديه رؤية وأسلوب فى الكتابة مختلفًا عن جيله الذى نشأ فيه، وكان أكثر ما يميزها معايشته لرواياته وقصصه معايشة طبيعية، فكانت قصصه عبارة عن بحث ميدانى فى الحياة»..  وأضاف بغدادى أن موسى كان يعشق الترحال، وأثناء فترة سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، رأى صدمة حضارية من تحكم التكنولوجيا فى المواطنين آن ذاك، فتنبأ واستشرف كل ما يحدث فى حياتنا الآن فى مبتدعة «السيد من حقل السبانخ»، الذى أوضح خلالها كيفية  التحكم فى حياة الآخرين من خلال التكنولوجيا، وأن خصوصيات البشر كلها ستكون تحت الهيمنة الأمريكية، وهو ما نراه فى عالمنا اليوم، من تجسس على حياة العالم من خلال الانترنت، وفى الوقت نفسه سيتم إخفاء كل تراث الإنسانية فى قبو كبير لتجريف العقول البشرية حتى لا يتمتع البشر بهذا القدر من الحب والعدل والحق والخير والجمال. ويختتم بغدادى: موسى قدم على صفحات «صباح الخير» مجموعة من الأبواب الثابتة لم يكن أحد يعلم أنه هو الذى يحررها، مثل باب «المخبر المجهول» الذى كان يمضيه باسم مخبر، وبابا «مذكرات فتاة صعيدية» الذى تناول خلالها مذكرات الفتاة داخل صعيد مصر، وكانت تتسم هذه المذكرات بالجرأة الشديدة ومحاولة لكسر الحصار على عقول المرآة المصرية فى الصعيد ودعوة لتحررها من قيود التقاليد.
■ عزوز اسماعيل: ترك أثرا خالدا فى الفكر والإبداع
وقال د.عزوز اسماعيل أستاذ النقد الأدبي، أن صبرى موسى ترك لنا أثرا خالدًا فى الفكر والإبداع وأدب الرحلات، بالإضافة إلى السيناريوهات الممتعة للعديد من القصص الرائعة، لكن ستظل رواية «فساد الأمكنة» هى أيقونة كتاباته العظيمة. وأضاف «إسماعيل»، أن كتابات «موسى» عن الصحراء تعتبر مصدر للعديد من الباحثين فى علوم الجغرافيا والتاريخ، لاستسقاء المعرفة والمعلومة الصحيحة، أما رواية «فساد الأمكنة»، فهى أيقونة ثقافية كتبها بروح شاعر حيث تحدث خلالها عن مثلث حلايب وشلاتين والصحراء الشرقية، وكانت هذه من أولى الكتابات التى تتحدث عن هذه المناطق ومجتمعاتها فى مصر والعالم العربي.