الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«إفلاس مصر» شائعة مُغرضة ولا صحة لعدم قدرة الحكومة على دفع أجور فبراير




فى الوقت الذى يزيد فيه اللغط حول إمكانية إفلاس مصر وعدم قدرة الحكومة على دفع أجور الموظفين لشهر فبراير، وتدهور الوضع فى القطاع المصرفى، إضافة إلى إعلان مؤشرات سلبية مثل ارتفاع الدين العام لمستويات خطيرة، وتراجع الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر وانخفاض عوائد قطاع السياحة، وتراجع سعر صرف الجنيه، كان لابد من الاطلاع على الموقف عن قرب، ومن شخصية تدور الأحداث بين يديها وتمتلك الصلاحيات لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة التى تمر بها البلاد.
من هذا المنطلق كان لنا هذا الحوار مع الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والتعاون الدولى، وهو الرجل الذى يدير وزارة تعد هى ترمومتر الاقتصاد فجانب «التخطيط» يعتمد على توفير الأرقام والبيانات المفصلة لجميع القطاعات الاقتصادية وصياغة خطط قصيرة وطويلة الأجل لمواجهة الازمات ومعاودة النمو، وجانب «التعاون الدولى» ينطوى على مؤشرات تعكس مدى تضامن المؤسسات الدولية مع البلاد فى إحداث التنمية المنشودة.. وإلى نص الحوار:
■ بداية ما هى مدى صحة ما يشاع بشأن عدم قدرة الحكومة على توفير أجور فبراير وإفلاس مصر؟
- كل ما يقال عن أن الحكومة لن تستطيع تدبير أجور الموظفين للفترة المقبلة وإفلاس مصر شائعات مغرضة، يتم ترويجها من البعض للإضرار باقتصاد الدولة ونشر حالة من الفزع بين المواطنين، والصحيح أن الوضع الاقتصادى صعب وأن مصر تمر بأزمة لكنها لا تصل بأى حال من الأحوال إلى الإفلاس، فهناك قطاعات كبيرة فى الدولة من صناعة وتجارة وزراعة وسياحة وغيرها وكلها وإن كانت معدلات نموها قد تراجعت نسبيًا إلا انها فى حد ذاتها تضمن للدولة إمكانية الخروج من الأزمات سريعًا فى حال توافر المناخ المناسب للخروج من الأزمات.
وقد حقق الاقتصاد فى الربع الأول من العام المالى 2012 -2013 ( يوليو حتى نهاية سبتمبر) نموًا نعتبره جيدًا بمعدل 2.6% وكنا نستهدف مع نهاية العام للوصول إلى 3.5%، وقد كانت مؤشرات جميع القطاعات الاقتصادية جيدة فى أول شهرين بالربع الثانى (اكتوبر ونوفمبر) إلا أنها تراجعت خلال الشهر الجارى بشكل ملحوظ.
■  لكن ثمّة مؤشرات مقلقة مثل ارتفاع العجز خلال العام المالى الجارى إلى ما يقرب من الـ 200 مليار جنيه وتراجع الاستثمارات؟
- بالطبع نتوقع أن يرتفع العجز بنهاية هذا العام إلى تلك المستويات وذلك نظرًا لتراجع الايرادات وارتفاع المصروفات فحالة الاضطراب التى عادت للشارع والانقسام السياسى أثر بشكل كبير على ايرادات مثل ايرادات قطاع السياحة وعلى قطاعات أخرى كثيرة، فى الوقت نفسه تلتزم الحكومة بتأدية جميع ما عليها من أجور ودعم وغير ذلك دون تقصير، ومن ثم فإن العجز يرتفع ويترتب على ذلك استمرار اقتراض الحكومة وارتفاع الدين العام.
وما أود أن أشير إليه أننا كحكومة نتحرى الدقة والمصداقية فى البيانات والمعلومات التى نوردها للمواطن، فلن نفعل مثل ما كان يحدث فى فترات سابقة من تاريخ البلاد من التعتيم وذكر أنصاف الحقائق، إلا أننا لابد أن نقول حينما نذكر الأزمة التى نمر بها أننا نستطيع الدخول فى دائرة التحسن الاقتصادى خلال شهر واحد فقط إذا ما خبت نار الانقسام السياسى وجلست جميع الاطراف للتحاور والنقاش وإعلاء مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، فلا يمكن أبدًا أن ينتعش الاقتصاد دون الاستقرار السياسى.
■ لكن هناك من يروج أن القطاع المصرفى يعانى من عجز فى السيولة.. بل ويزيد على ذلك بضرورة سحب الودائع لأن البنوك مهددة بالانهيار؟
- ما يقال عن القطاع المصرفى مجرد زيف وكلام مغرض، ودعوات سحب الودائع لا تخرج إلا من متآمر على البلاد، ولو نظرنا إلى السيولة فى البنوك ستضح لنا أنها مرتفعة وأن الوضع المصرفى بصفة عامة مستقر فالودائع ارتفعت إلى نحو التريليون و50 مليار جنيه ونسبة الاقراض إلى الإيداع مازالت فى حدود الـ 51% وهو ما يعنى وجود حصة كبيرة من الودائع قابلة للإقراض وتمويل المشروعات، كذلك فإن الدولة تضمن ودائع العملاء بالكامل ومن ثم فليس هناك أيّة مشكلات تخص البنوك والقطاع المصرفى، على العكس فهذا القطاع يساند الدولة والمستثمرين للخروج من الأزمة من خلال اتاحة التمويلات والتسهيلات التى تضمن عدم توقف عجلة الانتاج.
■ لكن الاحتياطى النقدى بالبنك «المركزى» تراجع ووصل إلى نحو 15 مليار دولار، وهناك ارهاصات تشير إلى مزيد من النزيف؟
- بالفعل تراجع الاحتياطى النقدى إلى 15 مليار دولار، وقد تأثرت قيمته أيضًا خلال شهر ديسمبر الجارى وذلك نتيجة عدد من الأمور على رأسها تراجع ايرادات القطاعات المدرة للعملة الأجنبية وعلى رأسها السياحة، فكانت هناك آمال عريضة تعقد على زيادة الإيرادات السياحية وخاصة مع نهاية شهر ديسمبر نظرًا لأعياد الكريسماس، إلا أن الارتباك الذى يسيطر على المشهد العام أثر على حركة السياحة الوافدة، كذلك تراجعت الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وكل ذلك أثر على قيمة الاحتياطى النقدى.
لكن بكل تأكيد الوضع سيتبدل فى حالة استقرار الأمور، والاحتياطى النقدى فى الوقت الحالى يكفى 3 شهور واردات سلعية، وهو معدل متدن إلا أن الأمور مستقرة عند هذا الحد منذ أشهر، وكانت الاحتياطيات فى أشهر سابقة قد بدأت الارتفاع إلا أن الحالة العامة للبلاد أوقفت هذا الارتفاع، وقد أثر تراجع الاحتياطى على سعر صرف الجنيه إلا أن التراجع لازال فى الحدود المقبولة.
■ مع استمرار الحديث عن أزمة النقد الأجنبى بالسوق سيستمر تراجع الجنيه فما إجراءاتكم لمواجهة ذلك؟
- هناك عدد من الإجراءات التى تتخذها الحكومة لتوفير النقد الأجنبى بالسوق وفى بداية الشهر المقبل (يناير) ستحصل مصر على قرض بقيمة 500 مليون دولار من تركيا وهذا سيعزز من قيمة النقد الأجنبى بالسوق، إضافة إلى ذلك فهناك حزمة تمويلات دولية تتمثل فى قرض صندوق النقد الدولى وآخر من البنك الدولى وثالث من الاتحاد الأوروبى وتمويل من التنمية الافريقى، وكل هذه التمويلات سيتم استئناف اجراءات الحصول عليها فى نهاية شهر يناير المقبل، كذلك يتم فى الوقت الحالى مخاطبة «صندوق النقد الدولى» وموافاته بالوضع الاقتصادى الحقيقى للدولة، نظرًا لأن هناك من يهول ومن يقول بإشاعات على أنها معلومات.
فى الوقت نفسه لابد أن أقول أن الاقتراض ليس الحل الذى نأمله فنحن لدينا خطط لتنشيط السياحة وإعادة الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى السوق وتدعيم حجم أعمالنا مع الخارج من خلال زيادة الصادرات وكل ذلك سيوفر النقد الأجنبى اللازم لتعزيز قيمة الاحتياطى، لكن كل الجهود والخطط متوقفة على عودة الهدوء إلى الشارع فلن يفلح الأمر حتى لو استعنت بخبير اقتصادى حاصل على نوبل، طالما أن هناك مشكلات سياسية بالبلاد، فلابد من التوافق الوطنى من أجل مصر، وللحفاظ عليها، والاقتصاد ليس به سحر، لكنه يتوقف بشكل أساسى على الاستقرار.
* ما تعليقك على تخفيض التصنيف الائتمانى للبلاد؟
- هو أمر سلبى قطعًا ويعطى رسائل سلبية عن الاقتصاد والوضع المصرى فى الخارج، لكن أكررها نستطيع أن نغير تصنيفات مؤسسات التصنيف الدولية فى غضون شهر واحد، فقط نتكاتف، وننبذ الشقاق السياسى، وهناك اجراءات كثيرة تقوم بها الحكومة لإفاقة الاقتصاد ومن بينها صياغة خريطة استثمارية للدولة، وهذه تشمل جميع الفرص الاستثمارية وكيفية الاستفادة منها، وسيتم الترويج لفرص الاستثمار المتنوعة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية ولأن هناك العديد من المستثمرين العرب والأجانب الذين يرغبون فى دخول السوق المصرية إلا أنهم يرجئون ذلك حتى تستقر الأوضاع، وقد بدأت الحكومة نقاشا مجتمعيا فى كل شىء يخص قراراتها للتوصل إلى قرارات مرضية للجميع وتستطيع تدعيم الخزانة العامة للدولة، وكذا منح المواطنين حقوقهم فى الحصول على السلع والخدمات بأسعار مناسبة.
* هل فى جعبة الحكومة اجراءات وسياسات محددة تستطيع من خلالها الخروج من نفق الأزمة؟
- بالطبع هناك عدد كبير من الإجراءات المبنية على سياسات تبنتها الحكومة، هذه الاجراءت تم صياغتها فى خطة عمل محددة سواء على المدى القصير أو الطويل ومن بين هذه الإجراءات مكافحة الفساد المالى والإدارة الذى نخر فى قوام مؤسسات الدولة فالحكومة تستهدف توفير من 20 إلى 25 مليار جنيه من خلال آليات تستخدمها فى الوقت الحالى لمواجهة الفساد، وقد تم بالفعل توفير 5 مليارات جنيه من هذا الرقم خلال الربع الأول من العام المالى 2012 -2013، وسيتم توفير نحو 15% من الموارد التى سيتم توفيرها من برنامج الإصلاح المالى لدعم تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال زيادة مخصصات التعليم والصحة خاصة الموجهة لتحسين جودة العملية التعليمية والخدمات الصحية لمحدودى الدخل وزيادة مخصصات برامج الاسكان الاجتماعى وتحسين جودة المواصلات العامة والإسهام فى برامج التشغيل متناهى الصغر ومنها تكليف الصندوق الاجتماعى للتنمية بدراسة وتبنى مشروع «متجر صغير» وهى أكشاك نمطية حديثة المظهر على جانبى كل محطات الاتوبيس والمترو شبيهة لما هو مطبق أوروبيًا ويتم اتاحتها بايجار رمزى.
* لكن ما هى أهم المشروعات القومية التى سيتم تنفيذها على المدى القصير لدعم القطاعات الاقتصادية بصفة عامة؟
- على المدى القصير سيتم تنفيذ عدد من المشروعات القومية ذات المردود التنموى المرتفع وعلى رأسها البدء فى المرحلة الأولى لتطوير إقليم قناة السويس كمركز لوجيستى وصناعى عالمى وسيشمل هذا المشروع تنمية منطقة شرق بورسعيد وتنمية وادى التكنولوجيا والاسماعيلية الجديدة وضاحية الأمل وتنمية منطقة شمال غرب خليج السويس، أما المشروع الثانى فيتمثل فى تنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى من خلال إنشاء مدينة مليونية بالعلمين، إضافة إلى ذلك يستهدف استصلاح 400 ألف فدان كأحد المشروعات الداعمة للتنمية بشمال سيناء، أما المشروع الثالث فسيكون تنمية محافظات شمال الصعيد وذلك من خلال إنشاء المحاور العرضية للتنمية بالصعيد والمشروعات التنموية القائمة عليها، وزراعة 100 ألف فدان بسهل المنيا الغربى على المياه المعالجة، أما المشروع الرابع فيتمثل فى تنمية جنوب مصر ومنطقة حلايب وشلاتين.
وقد قامت الحكومة بتشكيل مجموعات عمل لكل مشروع من المشروعات القومية التى قطعت شوطًا فى تنفيذها وتضم فى عضويتها ممثلين للجهات ذات الصلة بالمشروع محل البحث والتقويم وتتولى هذه المجموعات مراجعة الدراسات والمشروعات السابقة التى أعدتها وزارة «التخطيط والتعاون الدولى» وكذا الوزارات الأخرى ذات الصلة وبصفة خاصة وزارة الإسكان لاسيما هيئة التخطيط العمرانى وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ووزارة الموارد المائية والرى.