الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

تاريخ المعارك الخفية بين الأرثوذكس والكاثوليك فى مصر «2-1»

تاريخ المعارك الخفية بين الأرثوذكس والكاثوليك فى مصر «2-1»
تاريخ المعارك الخفية بين الأرثوذكس والكاثوليك فى مصر «2-1»




إعداد: روبير الفارس

فى التاريخ وقراءته لا توجد حقائق ثابتة أو مؤكدة، فهناك اوجه متعددة،  الأمر الذى جعل عددًا من الباحثين الأقباط ينشطون لكتابات أبحاث مع الرواية أو ضدها، وآخر من قدم بحثًا فى هذا المجال؛ هو الدارس بمعهد الدراسات القبطية الباحث بيشوى فخرى، الذى قدم بحثا شيقا وممتعا حاول فيه تبرئة كيرلس من دم هيابيتا.

من وقت لآخر تثار قضايا ومعارك بين الأرثوذكس والكاثوليك فى مصر ويعد الاب أسطفانوس دانيال من أهم الباحثين فى تاريخ وطقوس الأقباط الكاثوليك فى مصر، لذا كان لنا معه هذا الحوار..
أولاً: من هم الأقباط الكاثوليك؟
قبل أن أبدأ الإجابة لابد لى أن نوضح أن التسميات ليست من القرون الأولى كما يعتقد البعض، فمثلاً الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليست بهذا الاسم هى اسمها من القرن الخامس فكانت تسميتها الكنيسة القبطية المونوفيزية ثم اليعقوبية نسبة إلى اسم ديسقوروس المحروم من 630 أسقفًا فى مجمع خلقدونيا المسكونى 451م قبل سيامته أى اسمه يعقوب، ثم الكنيسة البرادعية نسبة إلى يعقوب البرادعى وهذا ما كتبه يحيى بن سعيد بن يحيى الأنطاكي: «من النصارى الملكية أو الملكانية وهو المتواتر فى الكتب بإحدى الفرقتين الدينتين اللتين نشأتا فى مصر المسيحية قبل الإسلام».
وكان قيامهما نتيجة الخلاف المذهبى الذى قام بها سائر وبسائر بلاد الدولة الرومانية الشرقية حول طبيعة المسيح وجوهره ومشيئته وأقنومه. وتسمّى الفرقة الثانية باليعقوبية نسبة إلى أحد زعمائها وهو يعقوب البرادعى الراهب» (راجع، يحيى بن سعيد بن يحيى الأنطاكى، تاريخ الأنطاكى المعروف بصلة تاريخ أوتيخا، وحققه وصنع فهارسه أستاذ دكتور عمر عبد السلام تدمري، طرابلس – لبنان، ص1990، ص24). وهذا نجده فى كتاب السنكسار لرينيه باسيه فتحت يوم 16 هاتور: «أبو نفر السائح بظاهر مدينة مصر وهو أول صوم الميلاد عند النصار اليعاقبة فى مصر خاصة»، وأيضًا تحت يوم 15 برمودة نقرأ الآتي: «فى مثل هذا اليوم يحتفل بتكريس أول هيكل كُرّس للنصارى اليعاقبة بأرض مصر»، وأيضًا تحت 28 بؤونه: «مؤمنو أرض مصر لم يزالوا يسمون تاوضوسيين أى من حزب تاوضوسيين إلى أيام يعقوب فسمو يعاقبة» فهذه هى شهادة مقتبسة من كتبهم.
أما الأقباط الكاثوليك فهم من تراث تراب مصر حتى النخاع، هم من همَّشهم التاريخ فى كل جيل، فالأقباط الكاثوليك هم من أصل هذا الوطن الأصيل والعريق، يسطر لنا مثلث الرحمات غبطة أبينا الأنبا كيرلس الثانى مقار بطريرك كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وسائر الكرازة المرقسية: «إننا نحب من صميم الفؤاد مصرنا المسيحية.. إن القلب يذوب بفكرتها صبابة.. فهى أرض الأبطال.
ومنها نبغ معلمو الكنيسة العظام.. والقديسون الكرام. لقد اطلعنا على تاريخ أيامها السعيدة والقلب من الفرح فى خفقان. ودرسنا تاريخ مدرستها المسيحية التى كانت بالإسكندرية. ناهيك عنها مدرسة. كانت كثيرة المحاسن جمة المكارم. أسواق العلوم فيها قائمة. وبضائع الآداب فيها نافقة. وشعائر الدين فيها معظمة. وقرأنا سير أهم أحبارها الفطاحل مثل القديسين أثناسيوس وكيرلس. وتلونا أسفار نساكها الأفاضل أنطونيوس وباخميوس ومكاريوس الذين نمّ مسك قداستهم وانتشر عرف صيتهم فى المسكونة بأسرها. وكنا كلما طالعنا ذلك. نزلت الدموع على الخدود التى نستلذ أن ندعوها بالوطن العزيز»(راجع، جرجس مقار(الأب)، دليل المصريين فى اعتقاد كنيسة الأقباط المرقسيين، ترجمة من اللغة الفرنسية للأب بولس قلادة برزي، القاهرة، ص3و4).
فالأقباط الكاثوليك والملكيون البيزنطيون دعوا ملكيون ومن هنا نستلهم من شهادة المؤرخ إيفاغرس، ومن أهل القرن السادس، إن أصل تسمية الملكيين الخاص بالمصريين (الأقباط الكاثوليك) أو الملكيين البيزنطيين وتم وضعه سنة 460 من خلال الملك ليون (474-457)، سميت الكنيسة الرومانية بمصر بالكنيسة الملكية ومعناه الذين ينحازون إلى الملك، وقد دعوا المصريون الخاضعون لبابا رومية (راجع، بردية تحمل رقم 26A/، مساحتها 7و17سم × 2و18سم مكتوبة باللغتين اليونانية والعربية، بدار الوثائق والكتب القومية - رملة بولاق- كورنيش النيل - القاهرة)، لُقبوا بالأقباط الكاثوليكيين التابعين لكرسى القديس بطرس الرسول القائل عن المسيح انه إله تام وإنسان تام معا بلا اختلاط وبلا امتزاج وبلا استحالة وبلا افتراق (راجع، الميكروفيلم رقم 48171، «المصباح اللامع فى ترجمة المجامع»، مخطوط 463 لاهوت، بدار الوثائق والكتب القومية - رملة بولاق- كورنيش النيل - القاهرة)، وأيضًا دعوا قوم من الإسكندرية قبلوا قرارات المجمع الخلقدونيّ(راجع، الميكروفيلم رقم 46657، «أخبار المجامع»، مخطوط 222 لاهوت، بنفس الدار) وأيضًا المصريين الملكيين(راجع، المخطوط الفاتيكانى اليونانى رقم 2282(1207) نصارة الكاثوليكيين الخاضعين للكرسى الرسوليّ (راجع، الميكروفيلم رقم 41562، أبى محمد عبد الله بن القاضي، «شروط النصارى»، مخطوط 4313تاريخ، بنفس الدار) وأيضًا الكنيسة القبطية الملكية(راجع، مخطوط فى المكتبة الأهلية بباريس رقم 200-201) وأيضًا الأقباط المتحدون بالكرسى الرسوليّ (راجع، أستريون أرجيريو، «المسيحيون فى العصر العثمانى الأول، المسيحية عبر تاريخها فى المشرق»، مجلس كنائس الشرق الأوسط، بيروت، 2001، ص623). وأيضًا الأقباط التابعون لبابا روما وهو كبير الملة (فى القرن السادس عشر الميلاد أى بعد هزيمة المماليك عن يد العثمانيين سنة 1516 قد ظهر نظام «ملّة» لدمج أتباع كل طائفة معًا، وبحسب هذا النظام، فقد سمح لكل طائفة أن تعيش وفق عاداتها وتقاليدها وقوانينها الخاصة، على أن تعيش كل ملّة بعيد عن الملّة الأخرى. ولم يكن هناك الكثير من التعاملات بين أهل الملل المختلفة، ولم يكن هناك تزاوج بين الملل المختلفة أيضًا. وبحسب مفهوم العثمانيين للحكم، فكل أعضاء أيّ ديانة هم أهل ملّة واحدة، ولكلّ ملة رأس أو رئيس. فكما أن رأس كل المسلمين هو «السلطان» هكذا كان بطريرك الكنيسة رأسًا لكل ملة المسيحيين الخاصين به، كالنائب الرسولى للملة القبطية الكاثوليكية وهكذا..... (راجع، ديفيد توماس، المسيحية العربية، ترجمة، القاهرة، 0142، ص57و58)، ولكن يرقى أول ذكر للأقباط الكاثوليك فى عام 1722 فى صعيد مصر، وعلى وجه الخصوص فى أخميم وطهطا والشيخ زين الدين والهماص، حيث تركزت إلى جانب جرجا ونقاده وفرشوط. ولكن فى قرون متأخرة بدأت الحكومة المصرية تلقب المصريون الخلقدونيون بالأقباط الكاثوليك وهذا ما وقع بين أيدينا فى دار الوثائق القومية بالقاهرة فمثلا وجدنا هذه الأسماء فى مخطوطات هذه الدار فالاسم يحمل ملّة كمثال: «المعلّم جرجس شحاتة النجار ميخائيل النصرانى القبطى الكاثوليكى والمعلم أيوب أنطونيوس شحات سمعان النصرانى القبطى الكاثوليكى والساكن بدرب الجنينة» الشيخ على الخطيب يميز بين القبطى الكاثوليكى والروم الكاثوليكى كمثال «جرجس قطاع ناحوم النصرانى الرومى الكاثوليكي» (راجع، ميكروفيلم، شهادات مصر الشرعية، فيلم رقم1، بدار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ص4). والمدهش فى ذلك أن فى ذلك وجدت أسماء تحمل ملّة الأقباط اليعاقبة (حاليا الأقباط الأرثوذكس) وهذا يدل أن الأقباط الكاثوليك حملوا هذا اللقب منذ زمن بعيد. وعلى حسب عدد السكان فى عهد محمد على باشا وجدنا لقبهم وعددهم ستة آلاف قبطى يتبعون كنيسة روما، تحت رعاية أسقف يعينه البابا وستة آلاف من الإفرنج الكاثوليك (راجع، محمد فؤاد شكرى وعبد المقصود العنائى وسيد محمد خليل، بناء دول مصر محمد عليّ، ذاكرة الكتابة=146، القاهرة، 2013، ص381).
ثانيًّا: جذورهم:
ويسرد لنا كل من رفيق حبيب، محمد عفيفي: «أن الأقباط الكاثوليك مرتبط وجودهم ببداية وجود الكنيسة فى مصر مثلهم مثل الأقباط الأرثوذكس» (راجع، رفيق حبيب، محمد عفيفي، تاريخ الكنيسة المصرية، القاهرة، 1958، ص 93) قد وجدنا مخطوطا بدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة وهذا يحتوى على عدة معلومات ذات قيمة تاريخية من الدرجة الأولى ورقم ميكروفيلم هذا المخطوط 48148، محاضر جلسات المجامع المسكونية، مخطوط 13 لاهوت، عدد الأوراق 258، المقاس 22×16، وهذا المخطوط فى البداية أوراقة مفقودة، واللافت للنظر أن هذا المخطوط مكتوب باللغة اللاتينية ثم ترجم فيما بعد باللغة العربية فيخبرنا هذا المخطوط أن بعد انعقاد المجمع المسكونى الخلقدونى 451، عاد الأساقفة المصريون إلى الإسكندرية ومعهم الكهنة الذين كانوا فى خلقدونيا وأخبروا أهل مصر عن كل ما صار فى المجمع المذكور، وأما أسماء الأساقفة المصريين الذين كانوا فى المجمع وحرموا أوطاخى وبدعته لا بل وقعوا الحكم الصادر ضد ديسقورس فأسماء هؤلاء الأساقفة هم: الأنبا أبلّو أسقف تانيس، الأنبا أثناسيوس أسقف بورسيروس، الأنبا أرسيو أسقف أفنيون، الأنبا أزنيوس أسقف سبنيتوس، الأنبا اسحاق أسقف هليراشتيا، الأنبا إسطفانوس أسقف جرجا، الأنبا إشعياء أسقف هرموبوليس، الأنبا أولوجيوس أسقف اتريبيوس، الأنبا أولوجيوس أسقف اسربس، الأنبا إيريناؤس أسقف اسنيوس، الأنبا إيسيذوروس أسقف سزورا، الأنبا بزمينوس أسقف بارالوس، الأنبا بولص أسقف قيص، الأنبا تيدولو أسقف تيزالا، الأنبا ثاوفيليوس أسقف أرسينو، الأنبا ثاوفيليوس أسقف كيليواباتريس، الأنبا جينارى أسقف بنتابولبيس، الأنبا سابين أسقف بوتوس، الأنبا سابينوس أسقف بوش، الأنبا كالورسيرو أسقف ارسونويتا، الأنبا مكاريوس أسقف كاباسا، الأنبا ميليتيوس هيليبوليس، الأنبا نسطور أسقف فراجونوس، الأنبا هيركوس أسقف صيوت، الأنبا يانواريوس أسقف الأتنت، الأنبا يوحنا أسقف إبسينيكوس(راجع Silvia ACERBI ، UN APPENDIX SULL EPISCOPATO ORIENTALE NELLA PRIMA META DEL V SECOLO، UNIVERSIDAD DE CANTABRIA، FACULTAD DE FILOSOFIA Y LETRAS. P. 51- 55). هذه مجموع أساقفة مصريين قد وقعوا على قرارات مجمع خلقدونيا المسكونى فالأقباط الكاثوليك هم ورثة لهؤلاء على ممر الأجيال، وهنا أستشهد بما كتبه العلامة الأنبا إغناطيوس برزى مطران كرسى طيبة: «إذا سألنا أعضاء التوفيق أن يؤدوا البرهان على ادعائهم هذا فعلى ما نظن يقمعون فى حيرة شديدة ويلتزمون أخيرًا أن يقروا بالعجز فإن التاريخ ينفى دعواهم كل النفى ويثبت وجود الطائفة القبطية الكاثوليكية فى كل الأعصار المسيحية من ديوسكوروس إلى عهدنا هذا. افتحوا صفحات التاريخ الصادق تجدوا أنه بعدما حذف ديوسكوروس من جماعة الأساقفة وحرم من الكنيسة فى المجمع الخلقيدونى المسكونى جلس على الكرسى الإسكندرى بطريرك كاثوليكى متحد مع الكرسى البطرسى يدعى بروتيروس قتله تيموتاوس إيلوروس الشهيد بالقط أول بطاركة اليعاقبة الذى عقب فعله هذا المنكر حكم عليه بالطرد من جماعة المسيحيين فتعين بطريرك كاثوليكى عوضًا عنه يدعى تيموتاوس الأبيض الذى بعد انتخابه بعث برسالة إلى البابا لاون الكبير بها يطلب التصديق على رسامته وكان ذلك فى سنة 460 ثم حذوا حذوه طالياس البطريرك الكاثوليكى فبعث يعلن البابا برسامته ويطلب المصادقة عليها وفى الجيل السابع أنى ماية وخمسين سنة بعد ديوسكوروس جلس على الكرسى الإسكندرى القديس أفلاجيوس وكان هذا شديد الارتباط بالكرسى البطرسى مقرًا بسلطة الكرسى الرومانى على الكنيسة بأسرها ولم يوافق بطاركة القسطنطينية فى تسميتهم أنفسهم بطاركة مسكونيين وعاتبهم على ذلك أشد العتاب وأعظم شاهد لكلامنا هذا ما كتبه القديس المذكور البابا غريغوريوس الكبير «أن بطرس هامة الرسل يترأس إلى الآن على الكنيسة فى شخص خلفائه» وفى المجمع السادس الذى حكم بفساد القول بالمشيئة الواحدة فى المسيح قد وقع القس بطرس الراهب نائب الكرسى الإسكندرى على رئاسة البابا أغاثون وإليكم منطوقها «إن الكنيسة الرومانية لم يدخلها ضلال ولن تغلط أبدًا فى الأمور الدينية لسبب الوعد الإلهى المدون فى الإنجيل: سمعان سمعان قد صليت لأجلك لئلا ينقص إيمانك ثبت إخوتك: وإن الكنيسة بأسرها وكل المجامع المسكونية جرت فى كل شيء بمقتضى القرارات الصادرة من سلطة الكرسى الرسولى وإنه ينبغى لكل الأحبار وكل الشعوب أن يعترفوا بالإيمان القويم القائم أساسه فى الكنيسة الرومانية التى لثبت دائمًا منزهة عن كل غلط». وكان توقيع نائب الكرسى الإسكندرى على هذه الرسالة مصحوبًا بهذا الكلام «إنه يقبل هذه الرسالة ويتمسك بأقوالها كأنها منزلة من الله على لسان الطوباوى بطرس هامة الرسل ومسطرة بيد البابا أغاثون المثلث الطوبى...».