الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الهلالى» ينتصر فى معركة الرقص الحديث

«الهلالى» ينتصر فى معركة الرقص الحديث
«الهلالى» ينتصر فى معركة الرقص الحديث




كتبت - هند سلامة

فتحت دار الأوبرا مؤخرا مجال المحاولة والتجريب لفريق الرقص المسرحى الحديث، كنوع من اكتشاف طاقات فنية جديدة، عن طريق إتاحة الفرصة لبعض الراقصين لخوض تجربة الإخراج والتصميم، وبالفعل بعد انتهاء مدير الفريق مناضل عنتر من تقديم عرضه «قلعة آلموت» قدمت سالى أحمد «أرملة الصحراء» عن رواية واحة الغروب للكاتب بهاء طاهر؛ ثم قدم محمود مصطفى عرض «أحمس» ويعتبر العرض الثانى بعد تجربته الأولى «كاليجولا» والذى قدمه مؤخرا على خشبة مسرح الجمهورية، هل أحسن محمود استغلال هذه الفرصة الكبيرة التى اتيحت له، وهل من الضرورى إتاحة الفرص للجميع للمحاولة والتجريب؟!

تجريد الرقص المعاصر من هويته
أسئلة لابد أن تخطر على ذهن أول من يشاهد هذا التغيير فى فلسفة ومنطق إدراة الفريق والتى جردته من هويته، خاصة أن مديرها مناضل عنتر أصبح قراره ورأيه استشاريا فى مسألة إنتاج وخروج هذه الأعمال للنور؛ حتى وإن كانت لا تمت لفلسفة الرقص المعاصر بأى صلة، وهذا ما حدث فى العرض الأخير «أحمس»، الذى جاء أشبه بعروض الأوبريت التى تقدم فى الاحتفالات والمناسبات القومية، فلا يمكن تصنيفه كعرض راقص ولا هو عمل درامى من الألف إلى الياء، بينما هو أقرب لفن الأوبريت الذى يصنع فى أعياد الطفولة والاحتفالات القومية، حيث اعتمد العرض على مجرد تسميع لتاريخ أحمس ومعركته الحربية ضد الهكسوس واستعادة أرض طيبة وكأنه حصة فى مادة التاريخ للصف الرابع الإبتدائي.
إهدار طاقة الممثلين
بدأ العرض بداية مسرحية غريبة للممثل كمال عطية جالسا وحوله مجموعة من الأطفال فى وضع دائري؛ وهو يتوسطهم حاملا كتابا كبيرا وكأنه يقرأ عليهم قصة أحمس ووالدته الملكة ورحلة كفاحهما فى استعادة أرض طيبة وانتصاره على الهكسوس وقوى الشر، التى ستظل إلى الأبد لكنها تجد دائما من يهزمها وينتصر عليها لأنه سيولد ألف أحمس مع مرور الزمن فالتاريخ يكرر نفسه، ليس هذا فحسب بل استعان العرض بمجموعة من الممثلين المحترفين فى مجال التمثيل المسرحى والتليفزيونى والسينمائى مثل الفنانة سميرة عبد العزيز، حمزة العيلي، ويحيى أحمد، ولم يتح لهم حتى المجال للتعبير عن موهبتهم الفنية بل بدوا وكأنهم تماثيل تحرك شفهاها على الكلام الذى يتم تسمعيه باستخدام أصواتهم مسجلة «narration» طوال العرض، بالطبع هناك تساؤل شديد الأهمية لماذا تتم الاستعانة بممثلين محترفين فى عمل فنى فلسفته الأولى قائمة على الرقص المعاصر؟!، وكيف يستعين بهم ثم لا يوظفهم فنيا بشكل يليق بموهبتهم؟!، ليخرج أداؤهم باهتا وليس له معنى..!
الاهتمام بالديكورات على حساب الراقصين
         لمزيد من الإضافة أو لإضفاء حالة من الإبهار على العرض قرر المخرج أيضا الاستعانة بديكورات ضخمة كثيرة على خشبة مسرح صغير، فبدا المسرح مزدحما للغاية بعدد كبير من الديكورات التى لم نرها كاملة لأن بعضها اختفى فى جوانب المسرح من شدة الزحام، حتى أنها كانت تعيق حركة الممثيلن والراقصين، كما اهتم بصناعة ملابس مبهرة للجميع وموحية بالحقبة التاريخية التى يتناولها العرض، وبرغم اهتمامه الشديد بهذه العناصر التى ليس لها علاقة مباشرة بالفريق نسى أهم ما خلق من أجله.. «التصميم الحركي» أو بمعنى أدق نسى أن يجيب على ورقة الامتحان فى التخصص الذى تقدم للاختبار فيه واجاب على إمتحان آخر، ففى الوقت الذى اتاحت له الأوبرا هذه الفرصة لم يحسن محمود استغلالها؛ كى يقدم نفسه للجمهور على أنه مصمم حركى جديد قادم للحركة الفنية بقوة، وبالتالى جاء التصميم الحركى ضعيف ووضع ضمن مشاهد الحصة التاريخية وكأنه استعراض ضمن مشهد وليس مشهد بنى عليه تصميما حركيا، فهناك فرق بين بناء الدراما على التصميم الحركي، وبين تضمين الدراما لفواصل من الاستعراض كما فعل محمود مصطفى فى أوبريت «أحمس»، فالقوام الأساسى لفريق الرقص المسرحى الحديث الأداء الحركى  المعنى باستغلال الجسد بدلا من الكلام المنطوق فالجسد هنا عصب العملية الفنية فى هذا النوع من العروض، القائم على ال»physical theatre» وكنا ننتظر أن نرى ما يرتبط بهذا الفن لكننا رأينا شيئا آخر لا يتصل بمسرح الجسد من قريب أو بعيد، فمن المفترض أنه فى أى عمل فنى لهذا الفريق يتبارى كل مصمم فى تقديم فكرة أو قصة مختلفة عن طريق التعبير الحركى خاصة وأن هذا النوع من المسرح جاء تطورا لفن الباليه الذى يعتمد عادة على حركات واحدة معروفة ومتكررة، بينما فى الرقص المعاصر يجتهد كل مصمم فى خلق مفردات حركية جديدة للتعبير عن مضمون عمله الفنى سواء كان رواية معروفة أو تناول لشخصية تاريخية أو فكرة تم بلورتها فى سياق عمل فنى راقص، هذا ما عهدناه طوال السنوات الماضية عن الرقص المعاصر، بينما فى هذا العرض لم نر سوى فيلم كرتون تم دبلجته بأصوات الممثلين أبطال العمل، وذلك برغم مشاركة عدد كبير من أهم راقصى الفريق مثل عمرو البطريق، محمد عبد العزيز «زيزو»، باهر أمجد، إيمى رزيق، ورشا الوكيل، فلم يكن معظمهم فى حالته الطبيعية وبدوا وكأنهم فى حيرة لا يعلمون ماذا يفعلون باستثناء رشا وعمرو البطريق فى بعض المشاهد أو كذلك كانت هى بمفردها تعمل وكأنها لاعب كرة قدم قرر اللعب بمفرده ضمن فريق لا يساعده ومدرب لم يبذل جهدا فى وضع خطة محكمة للمباراة، فكانت النتيجة إهدارا لطاقات فنية مميزة وهزيمة فرعونية فى معركة الرقص الحديث..!
«الهلالي» ينتصر للرقص
لكن فى المقابل انتصر عرض «الهلالي» فى هذه المعركة لفلسفة الرقص حتى ولو تعارضت بعض اللوحات مع هوية فريق فرسان الشرق للتراث، والتى جاءت معظمها اشبه بعروض الرقص المعاصر، «الهلالي» عرض فى الأسبوع التالى مباشرة ويعتبر العرض الثانى لفرسان الشرق مع المخرج والمصمم ورئيس الفريق عصام عزت والذى يتناول قصة أبو زيد الهلالى الشهيرة بالسيرة الهلالية، بعد عرضه الأول «الفلكلور والعصور»، بالطبع قدم العمل والفريق ما يتناسب ويتواءم مع فلسفته الخاصة كعرض راقص فاستغنى واستبعد المخرج عصام عزت إقحام الكلام والشرح والتمثيل على المسرح كما كان يحدث من قبل أو كما فعل «أحمس» بالرقص المعاصر، بل اعتمد هنا على عمله وإبداعه كمصمم والتزم بالفلسفة الفنية له وهو تقديم قصة السيرة الهلالية بالتصميم الحركى فقط دون أن ينطق أحد بكلمة واحدة.
السيرة الهلالية بالأجساد الناطقة
انطلقت أجساد الراقصين تحكى رواية ابو زيد الهلالى وخضرة الشريفة التى اتهمها زوجها وطردها هى وابنها بعد اكتشافه أنها ولدت عبدا اسود، ويستعرض سيرة أبو زيد الهلالى وعشقه لزوجته والمكيدة التى دبرها أخاه للخلاص منه واحتلال مكانته عن طريق التفريق بينه وبين ابنه الوليد وظروف الحرب التى ادت الى مصرع العم الشرير على يد الابن بعد كبره ومحاولة الهلالى الانتقام من القاتل وتدخل الابنة والزوجة لمنع الكارثة، انقسمت مشاهد العرض فى تسلسل وتتابع تروى قصتهم الأشهر فى لوحات فنية متفرقة بعضها تميز بالجودة والإتقان مثل لوحة السبوع ولوحات أخرى لم تكن موفقة بسبب عدم التزام الراقصين وانضابطهم حرفيا بجمل حركية واحدة فالكثير من المشاهد الجماعية خرجت غير متقنة بينما جاءت المشاهد الثنائية أفضل كثيرا من المشاهد الجماعية التى بدت غير منتظمة، كما بدأ العرض بداية غريبة برقصة ثنائية ثم رقصة لمجموعة من الطيور وكأنه يمهد للدخول فى قصة عرض للأطفال، وفجأة بدأت رواية السيرة الهلالية، فلم تكن البداية موفقة ولم توحى بسياق الأحداث التى نحن بصدد مشاهدتها فكانت بداية بلا معنى، لكن فى كل الأحوال يحسب للفريق وللعمل المحافظة على المفهوم الفنى الذى أسس من أجله والاجتهاد فى صناعة عمل مختلف حتى وإن بدا متشابها ومتماسا بشكل كبير مع عروض الرقص المعاصر، فحتى الآن لم نشاهد لفريق فرسان الشرق عملا متكاملا يحمل عبقا ورائحة التراث فى قالب فنى راقص يوائم هويته بشكل أدق وأعمق مما جاء عليه «الهلالي».
استخدام عناصر فنية بسيطة
لم يعتمد العرض على الإبهار فى الأزياء والديكور بل اكتفى بتصميم ديكور موحى وبسيط عن أجواء العرض وكذلك ملابس الراقصين فلم ينشغل كثيرا بزحام وزخم الملابس والديكور على المسرح بل انشغل بتقديم مهارات الراقصين واستعراض الفروق الفردية بينهم فى المشاهد الثنائية والجماعية معا، عادة قد توحى المبالغة فى الاهتمام بصناعة الإبهار والبهرجة فى الديكور والأزياء إلى محاولة الخداع البصرى للمشاهد كى يدارى بها المخرج عيوب راقصيه أو عيوب التصميم الحركى بالعمل الفني، وهو ما ينزع عن الرقص المعاصر ثيابه وهويته الفنية، شارك فى بطولة العرض محمد سالم، احمد عاطف فى دور ابو زيد الهلالى، شيرلى أحمد فى دور الام، محمد هلال، أحمد على فى دور الاب، هدير حلمى فى دور الابنة، محمد عبد الصبور، محمد صلاح فى دور العم، أشرف أحمد فى دور أمير زحلان، فاطمة محسن فى دور الحبيبة، الطفل مالك أحمد فى دور ابو زيد الهلالى صغيراً ، والطفلة جودى احمد فى دور الابنة صغيرة،