السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ميكروفونات المساجد وأجراس الكنائس
كتب

ميكروفونات المساجد وأجراس الكنائس





كرم جبر روزاليوسف اليومية : 10 - 01 - 2010


النصب بالوحدة الوطنية لن يعالج المشكلة


1


- أغرب منظر يمكن أن يشاهده الإنسان في زمن الفتنة هو كنيسة الأقباط الأرثوذكس في نجع حمادي التي لا يفصلها عن المسجد الملاصق لها سوي سور عرضه 30 سنتيمتراً، وكأن المسجد والكنيسة مبني واحد.


- هذا الأمر جميل في زمن التسامح والتفاهم بين عنصري الأمة، ولكن في ظروف الاحتقان الديني، يصبح كمن يضع الزيت بجوار النار، المسجد في مواجهة الكنيسة، والكنيسة في مواجهة المسجد.
- ميكروفونات المسجد تتجه نحو الكنيسة، وأجراس الكنيسة تتجه نحو المسجد، ولا يحلو للمسلمين صلاة الجمعة إلا في الشارع أمام الكنيسة، ولا يحلو للأقباط التجمع بعد قداس الأحد إلا أمام المسجد.
2
- أعرف أن هناك قانوناً يحظر بناء المساجد والكنائس متلاصقة فعندما تدق الأجراس ويرتفع صوت الأذان، يمكن أن يكون شيئاً رائعاً، ولكن في الأفلام السينمائية فقط.
- في الواقع، يتعمد كل طرف الشوشرة علي الآخر، وإيذاء مشاعره، ولم يكن السبب وراء تلاصق المبنيين هو اثبات المحبة والتعاون ولكن كي يمنع كل طرف الطرف الآخر من البناء.
- في هذه الأحوال تضع المحليات يدها في «الشق» كما يقول المثل وتستسلم وتترك كل طرف يتصرف علي هواه، فيُبني كثير من المساجد ليلا، ويُبني كثير من الكنائس ليلا، حيث يكون القانون نائما.
3
- مهما حاولنا أن نخفف من حدة المشكلة بالخطب الجميلة والعبارات الطيبة والعناق الدائم بين طنطاوي وشنودة، فهذا لا ينفع ولا يشفع، لأن التسامح الديني ينتحر كل يوم علي مشنقة التعصب.
- النفوس أصبحت مشحونة بالحقد والكراهية.. والتصرفات الطائفية الصغيرة تغلبت علي أواصر المحبة والتعاون وأجهضت العيشة في وطن واحد تحت سماء واحدة.
- الأقباط يصرخون في الأزمات «بالروح بالدم نفديك يا صليب» والمسلمون كذلك «بالروح بالدم نفديك يا إسلام» لا أحد أبداً يهتف لهذا الوطن الذي يضمه ويحتويه.
4
- السبب الأول: هو التراخي في تطبيق القانون.. القانون الذي لا يعرف مسلماً ولا مسيحيا، ويجب أن يطبق بحزم وحسم علي المخطئ دون تراخٍ أو مواءمات.
- كثير من السادة المحافظين تكون أيديهم مرتعشة في المسائل الدينية، فهو يخاف من سطوة الشيوخ والمحظورة من ناحية، ومرعوب من نفوذ وصلبان الأقباط خصوصا في الخارج من ناحية أخري.
- لا أريد أن أظلم المحافظين، لأن الناس تغيروا، وأصبحوا أكثر انغلاقا وتعصبا في المسائل الدينية، واختفت الشخصيات العاقلة من الطرفين التي تستطيع أن تجمع لا أن تفرق.
5
- السبب الثاني: هو أنها فتنة جنسية وليست دينية، ولابد من البحث في أسباب وظروف هذا الخلل في العلاقات العاطفية الذي يتسبب في كل المشاكل سواء بزواج المسيحيات من مسلمين أو العكس.
- الملاحظ أن كثيراً من الشبان والشابات في الصعيد فقدوا الميزة التي كانت تميز الصعايدة وهي الخوف واحترام الكبار، فأصبحت البنت المسلمة لا تجد حرجاً في الارتباط بشاب مسيحي والعكس.. ومن هنا تأتي المشاكل.
- في الحادث الأخير، ارتكب الشاب المسيحي جريمة بشعة تمس الشرف في مجتمعات لا تعترف الا بالدم لغسل العار، وهذه المسألة تحتاج إلي توعية كبيرة لتحذير الشبان من الوقوع في براثنها.
6
- السبب الثالث: هو وسائل الإعلام والصحف والفضائيات التي تعبث في هذا الموضوع مثلما عبثت في موضوع مباراة الجزائر، فتشحن الرأي العام وتزيد من حدة التوتر والاحتقان.
- كل يوم يزداد حصار الإعلام الديني للناس في البيوت والمساجد والكنائس والأندية وغيرها، وأصبحوا يتنفسون فتاوي وخطباً ومواعظ، ومن «الشهيق» يكون «الزفير».
- الفضائيات والصحف لا تجد مادة للإثارة والتشويق والجذب والتوزيع أكثر من الموضوعات الدينية، والخلطة معروفة «جنس + دين + سياسة» تكسب وتوزع.
7
- السبب الرابع: هو سياسة إطفاء الحرائق، فلا أحد يتحرك إلا إذا وقع حادث أو كارثة، وبعد ذلك تهدأ الأمور «وتعود ريما لعادتها القديمة» حتي يقع حادث آخر، فنسخن ثم نبرد.
- نسمع كثيرا عن محاولات التقريب بين الأديان، ولكن للأسف الشديد كلها لأغراض شخصية، سواء للدعاية والشهرة أو لتحقيق مكاسب مادية وأصبحت هذه الجمعيات شاهد عيان علي النصب.
- لا أحد يهتم بمسائل التقارب بين الأديان إلا من القشور، لا مراكز أبحاث ولا دراسات متخصصة، وكل طرف يخصص ملايين الجنيهات لخدمة قضايا ومشروعات تزيد من حدة الاحتقان والتطرف.
8
- حادث نجع حمادي ليس الأول ولن يكون الأخير، وعناق «الشيخ والبابا» لن يعالج مشكلة ولن يمنع ضرراً.. وصحف وفضائيات الفتنة ستظل تبحث عن أي فتيل لتشعل فيه النار.
- الأخطاء معروفة ومرصودة، وأماكن التوتر في القطر المصري عليها دوائر حمراء، ولكن «كل يغني علي ليلاه».. قضية الوحدة الوطنية ليس لها صاحب ولا كفيل.
- الوحدة الوطنية مجرد شعار نرفعه وقت الأزمات وننحيه بقية أوقات السنة، مثل الكتاب العتيق الذي تغطيه الأتربة والعفار، ولا ننفضها عنه إلا إذا وقعت مأساة.
9
- سوف يهدأ الناس بالقبض علي الجناة الثلاثة، ولكن لن تطمئن النفوس لأن أسباب القلق مازالت حية، وتمشي في الشوارع والحارات وتسكن في المساجد والكنائس.
- المشكلة تحتاج أن نتعامل معها باهتمام أكبر وبجدية أكبر لأنها أكبر بكثير من المظاهر الهشة التي نعالج بها الأمر.. والأسبرين قد يخفف الألم ولكنه لا يقضي علي أسبابه.
- ليس لنا وطن آخر نعيش فيه، ولا طائرة خاصة ترابط في الصالة رقم «4» ولا سكن ولا مقهي ولا مقبرة سوي في أرض مصر، فحافظوا عليها، إنها حياتنا مثوي الأبناء والأحفاد.


E-Mail : [email protected]