الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«العيال رجعت» وباعت بيت رمضان السكرى!

«العيال رجعت» وباعت بيت  رمضان السكرى!
«العيال رجعت» وباعت بيت رمضان السكرى!




كتبت - هند سلامة

من المثير للدهشة والخشية معا بناء فن على فن سابق؛ أوتقديم تجربة امتداد لتجربة أخرى لم تكن فقط ناجحة؛ لكنها راسخة فى وجدان الشعب المصري، مثل مسرحية «العيال كبرت» تعتبر هذه المسرحية من الأعمال الخالدة والمحفورة كالنقش على الحجر فى قلوب المصريين، بدءاً من افيهات المسرحية التى تتردد على الألسنة بشكل متكرر ولافت، ونهاية بشغف المشاهد المصرى بها وإعادة مشاهدتها مهما قدمت على شاشات الفضائيات ولو آلاف المرات، والضحك على نفس الإفيهات التى حفظها عن ظهر قلب، وبالتالى تجربة تقديم عرض امتداد للعيال كبرت هو درب من الجرأة والجنون..!

كانت مسرحية «العيال كبرت» أرضاً خصبة لينة رحبة تحتمل حصد ما زرعه الآباء؛ كى يجنيه اليوم الأبناء فى «العيال رجعت»، وهو العمل الجديد الذى يقدمه مجموعة من شباب المسرحيين، راهنوا فيه على شيئين سمعة ونجاح «العيال كبرت» وموهبتهم وقدرتهم على تقديم عمل فنى بسيط، «العيال رجعت» تعيد نسائم ورحيق الزمن الجميل فى منزل رمضان السكرى الذى أصبح يسكنه اليوم أحفاده وهم ابناء عاطف وكمال وسلطان، بصحبة عمتهم الفنانة نادية شكرى وزوجها وابنتها العائدة من رحلة دراسية فى أوروبا، فلم تبق من ذكريات العائلة سوى هذا المنزل وبعض الصور الفوتوغرافية للآباء والجد والجدة المتوفين، فى حبكة درامية ذكية وبسيطة استطاع علوى الحسينى مؤلف وبطل العرض أن ينسج قصة تجمع هذه العائلة من جديد لتعيدهم مرة أخرى على خشبة المسرح، يبدأ الصراع بعودة ابنة عمتهم من الخارج واصطدامها معهم بسبب فكرة بيع المنزل، حتى يتمكن كل منهم من تحقيق أحلامه المؤجلة، بالطبع تغضب العمة بشدة وتصدم فى أبناء أخواتها  لاستخفافهم بالمكان الوحيد الذى جمع ذكرياتهم وذكريات آبائهم، فمنزل الجد هو الوحيد القادر على لم الشمل، وفى جملة شديدة التعبير عن حسرتها وألمها من طرح فكرة بيع المنزل باعتباره ميراثهم.. قالت نادية شكرى «العيال كبرت وماتت..والعيال رجعت وباعت»..!

الحنين إلى الماضى

تربطنا علاقة وطيدة بالنوستالجيا أو الحنين إلى الماضى بتفاصيله، عندما نستنشق رائحته فى اى شيء مقطوعة موسيقية، أغنية مرتبطة فى أذهاننا بأحداث معينة أو بإعادة عمل فنى ارتبطنا به خلال شهر رمضان، عادة ما تحتلنا مشاعر مختلطة ممزوجة بالفرحة والشوق والتمني، تمنى العودة لهذه الأيام وتلك التفاصيل التى أسرنا بها ونحيا داخلها ولم ولن ننساها مهما طال الزمن وطال علينا الشوق والحنين إليها، هذه هى شكل المشاعر التى تسيطر عليك أثناء مشاهدتك لمسرحية «العيال كبرت» تمثل جزء كبير من النوستالجيا بحياة المصريين، لا تقتحمنا مشاعر الحنين فقط عند إعادة مشاهدتها وبعودة أبنائها بينما تتمثل فيها أيضا الرغبة والحنين فى إعادة هذا الشكل من مسرح القطاع الخاص، المسرح الذى حمل كل عناصر الفن والنجاح معا واستطاع تحقيق المعادلة الصعبة بين صناعة عمل فنى متكامل وبين تحقيق عنصر الجذب الجماهيرى وارضاء متطلبات السوق فى المكسب والخسارة بتقديم توليفة فنية كوميدية نادرة مازالت حتى اليوم فاكهة الأسرة المصرية.

استغلال ديكور العرض القديم!

كان المخرج شادى الدالى وفريق العمل شديدى الذكاء فى احتفاظهم بديكور المنزل القديم مع إضفاء بعض التغييرات البسيطة عليه بجانب وضع صور كل ابطال المسرحية القدامى على جدران المنزل حسن مصطفى، كريمة مختار، سعيد صالح، أحمد زكي، ويونس شلبي، مع الدقة فى اختيار زوايا وضع الصور على خشبة المسرح ضمن ديكور المنزل القديم الذى صنع بمهارة فنية عالية لابد أن تصيبك حالة من القشعريرة والبهجة فور فتح الستار مع بدء أحداث المسرحية، ثم الشعور براحة وحميمية وسكينة ممزوجة بالحنين إلى الماضى ستشعر أنك حقيقة عدت إلى الوراء داخل منزل أحفاد رمضان السكري، كى تشاركهم أحداث حياتهم الجديدة بعد رحيل آبائهم..!

«رجعوا العيال»!

رجعوا العيال» على خشبة مسرح النهار وحافظ المؤلف علوى الحسينى والمخرج شادى الدالى على روح هذا النجاح وعلى الإطار الفنى الذى يضمن للعمل ولادة جديدة، كتب علوى الفكرة والنص المسرحى ببساطة دون فزلكة أو تعقيد فلم يفتعل مشاهد كوميدية بل قام ببناء الكوميديا على تفاصيل الشخصيات الرئيسية للمسرحية حيث جعل كل ابن امتدادا لأبيه سواء فى البناء الجسمانى أو فى الشكل أو حتى فى طريقة التفكير واسلوب الكلام وممارسة نفس السلوك فإبن عاطف يشبه اباه فى الشكل الجسمانى فهو بدين يحب الطعام ويتمتع بقدر كبير من البلاهة واللامبالاة، وكذلك ابن كمال الولد العاقل الرزين المسؤول والذى لا يقبل حياة وسلوك ابناء عمه المستهترة حتى ان ابنة عمته تقع فى حبه من أول وهلة، وكذلك ابن سلطان شاب مستهتر مندفع يفعل ما يشاء دون اعتبار لأحد، ليس هذا فحسب بل بنى علوى أيضا سياق الحكاية على نفس الشكل الذى بنيت عليه من قبل فلم يخرج عن الإطار الدرامى للمسرحية الرئيسية فى بناء المواقف الكوميدية فعندما أرادت ابنة عمتهم أن تقنعهم بالرجوع عن بيع المنزل دبرت مع والدايها خطة أوهمتهم باختطاف أمها وأن العصابة تطلب فدية مبلغًا كبيرًا من المال فيضطرون لبيع المنزل على الورق لاستعادة عمتهم بعد أن يكتشفوا أنه لا مخرج ولا مفر من التنازل لإنقاذها، ساهم هذا البناء الدرامى فى كتابة العرض وكذلك الإخراج ثم الاستعانة بأحد أبطال العرض القدامى الفنانة نادية شكرى فى خروج تجربة مسرحية ممتعة ومميزة، تفتح الآفاق نحو صناعة قطاع خاص بمنطق فنى وإطار إبداعى مبتكر، فهو لا يشبه مسرح الفضائيات ولا يشبه القطاع الخاص التجارى الذى يعتمد على الإفيهات الكوميدية الرخيصة، محا هؤلاء الشباب تهمة الابتذال والكوميديا الهابطة عن المسرح التجاري، ورسخوا إلى نوع أكثر رقيًا وإبداعًا فى صناعة قطاع خاص ممتع وإعادة التفكير فى كيفية العودة للتراث والابتكار على أساسه دون الوقوع فى فخ المقارنة معه، وكذلك فى شكل أدائهم لشخصيات الأبناء التى جاءت تشخيصًا لآبائهم بحكم بقاء عوامل الوراثة فيهم، فكل منهم كان يشخص والده فى أسلوب الكلام والأداء وردود الأفعال على المواقف وربما كان أكثرهم دقة وإتقانًا فى تجسيد وتشخيص دور أبيه سلطان الفنان علوى الحسينى الذى جاء ادائه شديد القرب من سعيد صالح وكأنه ابنه بالفعل وراعى الشباب الدقة فى لعب دور المشخصاتية ليس تقليدًا للفنانين الكبار الراحلين ولكن تشابهًا وتماسًا معهم وكأنهم بالفعل أبناؤهم فخرجوا بحرفة من فخ سماجة التقليد.
قام بدور نجل عاطف السكرى محمد محسن، ونجل كمال محمد عبد الرؤوف وشاركهم البطولة الفنانة منة تيسير الذى جاء أداؤها تلقائيًا وبسيطًا وأضفت حالة من الوهج على العرض مشاركة الفنانة نادية شكرى أخت الأشقاء الراحلين وساهمت بشكل كبير فى تحقيق مصداقية وثقل فنى على هذه التجربة الوليدة، وكذلك أدى دوره ببساطة وخفة ظل الفنان رضا إدريس، العرض ديكور أحمد عبد العزيز، أزياء مروة ماهر وسارة خالد، استعراض ضياء شفيق ومحمد مصطفى، إضاءة وليد درويش وإخراج شادى الدالي.