الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سيف الرومانسية فى وجه فساد السياسة




ضحكة صافية نكاد نسمعها منطلقة من كل صورة.. يأخذك فى دهاء بعيدا عن تلك النظرات القوية الواثقة التى تدرك الطريق لأهدافها بكل وضوح.. ملامح هادئة تشكل منها وجه حامل لتاريخ طويل من الفكر والنضال والثقافة، إنما تبقى الضحكة الآسرة هى المميزة لوجه إحسان عبدالقدوس، الذى عرف طريقه للكتابة مبكرا، ليكتب أولى مسرحياته وهو فى سن العاشرة بل ويمثلها أمام أقرانه من الجيران، ثم يعود مرة أخرى فى سن السابعة عشر لكتابة القصص التى كانت أقرب فى شكلها لقصيدة النثر.
 
مشوار طويل تخبط فى بدايته حتى وصل لشخصيته الأدبية النهائية لتأثره بوالديه، الأب محمد عبدالقدوس متعدد المواهب بدأ مهندسا لكنه ما لبث أن تفرغ تماما للفن بأشكاله المتنوعة فكتب للمسرح وكتب الشعر والزجل كما مثل لمسرح وأدى المونولوج بعد كتابته والتلحين له، تقابل ووالدة إحسان ممثلة للمسرح فاطمة اليوسف أو "روزاليوسف" كما لقبوها، لكن اختلاف نزعاتهما الفنية فرقت بينهما لينشأ الطفل إحسان مع جده الأزهرى أحمد رضوان وتولت رعايته وتربيته عمته نعمات اللى فتحت أمامه كل المجالات لتزرع فيه الفكر الحر والمرن القادر على النقد والتحليل حتى كبر وتخرج فى كلية الحقوق لكنه سرعان ما هجر المحاماة من أجل عيون الصحافة التى تأثر فيها بوالدته وهى المرأة الثانية فى حياته بعد جدته التى اهتمت بتنشئته مفكرا سياسيا وصحفيا ثوريا يكون حاملا لواء «روزاليوسف» من بعدها.
 
من الحكايات الطريفة التى حدثت له حين كان طالبا بالإسكندرية اتصلت به والدته تطلب منه التوجه فورا للوكاندة وندسور ليحصل على أخبار من الوزراء والمسئولين الموجودين هناك لأن مندوب المجلة سقط على الأرض وكسرت ساقه... ذهب الابن إحسان وهو معروف لديهم بواقع أنه ابن «روزاليوسف» وقال لهم: ماما بتسلم عليكم .. وبتقول لكم إنها عايزة شوية أخبار!"
 
بدأ حياته المهنية متأثرا بثلاثة صحفيين هم محمد التابعى عميد الأسلوب الصحفى المعاصر ومحمود عزمى صاحب النظرة التقدمية فى مشاكل الحياة والمجتمع وعباس محمود العقاد ذى الجرأة والبصيرة، فتبلورت شخصيته وفكره الرافض للفساد والظلم المنحاز دوما للحق دون انضمامه أبدا لأى حزب سياسي، بدايته الصحفية كانت فى أربعينيات القرن الماضى.. حين توقفت مجلة «روزاليوسف» عن الصدور عام 1943 عمل إحسان لدى مجلة "آخر ساعة" وجريدة "الزمان" وجريدة "المصري" فى وقت قريب من ثورة يوليو 1952 حيث كان الشارع السياسى فى حالة من الغليان، فى عام 1945 دخل إحسان السجن لأول مرة فى حياته وكان يبلغ السادسة والعشرين من عمره بسبب مقاله " هذا الرجل يجب أن يذهب" الذى يطالب فيه برحيل اللورد كيلرن المندوب السامى البريطانى أقوى رجل فى مصر آنذاك، لكنه لم يلبث سوى أربعة أيام فقط! فالنقراشى رئيس الوزراء وقتها كان من أقرب السياسيين لأسرة إحسان.
 
تاريخ من النضال الصحفى خاضه إحسان ضد كل ما هو فساد أدخله السجن، من أشهر معاركه الصحفية بعد معركة المندوب السامى كانت فى عام 1948 الخاصة بالأسلحة الفاسدة التى كانت سببا فى قيام الثورة فيما بعد، معركته الثالثة كانت 1950 عند تحريره لخبر يكشف عن عمالة أحد الوزراء لأمريكا ضد مصر، الذى كان له دوى كبير فحبسه وزير الداخلية آنذاك فؤاد سراج الدين ثم أطلق سراحه بعد فترة قصيرة، أثناء أزمة مارس 1954 كتب إحسان مقالا يطالب فيه بإبعاد الجيش عن السياسة والبعد عن السرية فى الحكم والسلطة فى مصر!
 
كان بعنوان "الجمعية السرية التى تحكم مصر" ليدخل السجن الحربى لمدة ثلاثة أشهر.
 
إحسان الأديب لم تكن بداياته الأدبية القوية التى لم يصقلها سوى خبرته الصحفية واحتكاكه أكثر بالمجتمع ومشاكله التى انتبه فيها إلى مشاكل الشباب وحرية المرأة، فالمرأة لازالت حتى اليوم تطالب بحريتها رغم مشاركتها فى بناء المجتمع ومشاركتها فى الثورة المصرية وكل الحركات النضالية المصرية، فجاءت كتابات إحسان بواقع المحاكاة أو المرآة العاكسة لأوضاع المجتمع المصرى ما بعد ثورة يوليو من خلال وضع المرأة والتعامل معها ونضالها للحصول على حريتها، لكن ربما أخذ على إحسان أن بطلاته كن من الطبقة البرجوازية أو الطبقة العليا فى حين ظهرت إلى جانبها أيضا باقى أنماط المجتمع وتميزت كتاباته الأدبية بالانطلاق وحرية التعبير.
 
فالمرأة كانت هى الباعث والمحرك المحورى لإحسان عبدالقدوس الأولى هى عمته نعمات والثانية هى أمه «روزاليوسف» والثالثة هى زوجته ورفيقة كفاحه لولا التى كانت ربة منزل ومصدر استقراره العائلى التى تقابل بشخصيتها شخصية والدته الطموحة فى الحياة العملية ذات التوجهات السياسية الثورية... يقول إحسان عبدالقدوس: بهذا المنطق اكتشفت الفرق بين أمى السيدة فاطمة اليوسف - أقصد «روزاليوسف» - التى عاشت حياتها فى أوسع وأشق وأخطر مجالات العمل العام، وزوجتى التى لا تعمل خارج مسئوليات حياتنا العائلية .. كل منهما كان صادقا فى الاستجابة لحاجته الفعلية... ونجحت أمى... ونجحت زوجتى".