السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون: إحسان عبد القدوس رائد «الحرية المسئولة».. ومتمم رسالة قاسم أمين




يمر الزمن، وتتغير الأحوال، وتتعاقب الأحداث، وتظل كتابات المبدع الراحل إحسان عبد القدوس رمزا للحرية والتحرر، ومقصدا للشباب القارئ، رواياته محطة لا يمكن أن يتخطاها قارئ، بساطة لغته وسلاسة ألفاظه جعلت لرواياته مكانا فى كل مكتبة خاصة وعامة، لم يكتب للنخبة رغم فصاحته اللغوية وثقافته الموسوعية، ولم يخدش حياء قارئ رغم جرأته ودعوته للتحرر، ما شجع العائلات على السماح لأبنائها بقراءته، بل ورشحه بعضهم لأبنائه كبداية لقراءة واعية غير مسفة.
 
 
فى ذكرى ميلاده نحاول أن نذكره ببعض مما يستحقه ككاتب وإنسان أحبه جميع من عرفوه أو قرأوا له، فاجتمعت عليه الآراء بغض النظر عن الخلفية الثقافية، فاستحق عن جدارة لقب "كاتب الحب والحرية".. فإلى عدد من الشهادات عنه":
 
قال الكاتب الصحفى لويس جريس: كانت أجمل أيام حياتى هى التى قضيتها مع إحسان عبدالقدوس، فقد كان رجلا يحسن استقبال الكتاب الشباب أمثال مصطفى محمود ويوسف إدريس بل ويقدمهم إلى القارئ أيضا، أذكر أنه قال لى أن والدته السيدة فاطمة اليوسف لم ترض أن يعمل بمؤسسة "روزاليوسف" عقب تخرجه مباشرة، واشترطت عليه ان يتدرب خارج المؤسسة أولا، فذهب وعمل فى "دار الهلال" ثم عمل فى مجلة "الاثنين" و"الدنيا"، وعندما تمكن من الصحافة واقتنعت به والدته كمحرر، عمل فى مؤسستها كمحرر مبتدئ، وعندما وصل تدرجه الوظيفى لرئيس تحرير كنت قد بدأت أنا مشوارى فى "روزاليوسف" حيث ارتضيت بمبلغ خمسة عشر جنيها فقط فى الشهر، رغم أننى كنت أحصل على خمس وعشرين من "دار الهلال" فارتضيت أن أترك الهلال بمكافآتها العالية لأكتب فى "روزاليوسف" بهذا المبلغ البسيط وفاجأونى عندما كنت أمضى العقد أنهم وقعوا عقدى بمبلغ عشرين جنيها، وأعتقد أن هذا كان بتوجيهات الراحل إحسان عبدالقدوس لتشجيعى كشاب فى مقتبل حياته المهنية، وكنت أتعمد أن أذهب للجريدة قبل وصوله وأمشى بعده، فكان بالضرورة يرانى ويتحدث معى من حين لآخر وكان يقيم فى منزله حفلة شهرية يدعو فيها نجوم الطرب والفن والسياسة وكبار الصحفيين وقتذاك وبالطبع اى صحفى كان يدعى لهذه الحفلة من قبل احسان كنا نعتبره مشهورا ومعروفا.
 
كما كان حريصا على نشر الآراء المختلفة معه وكان يكتب باب اسمه "حكاية" فى مجلة "صباح الخير" كان يستوحيها من حكايات الناس، كما كان يكتب أحيانا بابا آخر بدلا من الكاتب أحمد بهاء الدين كان اسمه "زوجة أحمد"، وفى رأيى كانت مشكلتى الرئيسية قبيل وفاته مسألة تأميم الصحافة، عندما قرر عبدالناصر أن يأخذ المؤسسات الصحفية من أصحابها ويعينهم رؤساء مجالس إدارة عليها، فغضب إحسان لذلك واعتبره اعتداء سافرا غير مبرر، وكتب عن ذلك فغضب عبدالناصر وأمر بحبسه مائة يوم عقابا على جرأته عليه، وأقول: إذا كان قاسم أمين محرر المرأة فإحسان عبد القدوس هو أحد أهم وأكبر دعاة اختيار المرأة لشريك حياتها بإرادتها الحرة.
 
أما الدكتور جابر عصفور فقال عنه: مفكر سياسى محنك يبث رواياته همومه السياسية.
 
قرأت اغلب روايات احسان فى مرحلة الشباب وتابعته فى معظم رواياته لأن لغته سهلة فهو يتعرض لطبقة اجتماعية برجوازية كبيرة يعرض مشاكلها بشكل واضح وجرىء وواقعى متميز بالجرأة السياسية والجنسية فى كتاباته وبشكل شخصى لا انسى له روايته "فى بيتنا رجل" لأنها صدرت فى الخمسينيات وكنا تواقين انذاك لطرد المستعمر فمست قلوبنا جميعا، وأحب أن أوضح أن سيناريو فيلم "الارهابى" الذى قدمه الفنان عادل إمام مأخوذ عن هذه الرواية، وقد كتبت مقالة أناقش فيها الفرق بين الرواية والفيلمين "الإرهابى" و"فى بيتنا رجل" والقيمة المشتركة بينهما على اختلاف التفاصيل والأحداث.
 
ولم تكن اهمية عبدالقدوس فقط ككاتب وأديب وانما كمفكر سياسى يضع افكاره وآرائه السياسية فى ابداعاته الروائية، ولا يغفل له انه سمح بالحرية الفكرية لاولاده، فنرى ابنه محمد عبدالقدوس وقد اعتنق الفكر الاسلامى الاخوانى، فهو شخص ذو ميول اسلامية معتدلة غير متطرفة ومستنير بقدر كبير عن الاخوان انفسهم، وهذا بفضل والده وافكاره.
 
وقال الشاعر والناقد شعبان يوسف: تقديرى للكاتب احسان عبدالقدوس كبير ليس لآن معظم اعماله الرائعة تحولت بالفعل لأعمال سينمائية وتليفزيونية فقط وانما لانه برأيى امتداد صحى وطبيعى للكاتب محمد عبدالحليم عبدالله كما انه صاحب تجربة صحفية فريدة منذ ان ترأس تحرير «روزاليوسف» فى اوائل الخمسينيات وخاض معارك ضارية تجاه الاقطاع فى ذاك الوقت، وما لا يعرفه الكثيرون عن عبدالقدوس انه قبل عمله فى الصحافة عمل فى محل بيع اقمشة صاحبه رجل مصرى يهودى الديانة، لذلك نجد فى رواياته ذكرا وحضورا لليهود، وربما يكون قد نال عبدالقدوس حظه لدى القراء وحتى الآن نظرا الى ان كتاباته لا ترتبط بزمن وليست قاصرة على فئة بعينها فكتب عن كل الفئات العمرية خاصة الشباب وقضاياه المختلفة وله أيضًا رواية مهمة فى وجهة نظرى بعنوان "غابت الشمس وظهر القمر" وهى ترمز لأحد الصحفيين الكبار الاحياء بيننا وقيل من البعض انها ترمز لصعود الكاتب محمد حسنين هيكل، واجمالا يمكن ان نقول ان ممارسة احسان عبدالقدوس للصحافة والسياسة والابداع ومعاركه التى لم تتوقف وكتابته عن الاسلحة الفاسدة كل هذه الآليات التى جعلت منه كاتبًا لكل زمان ومكان.
 
الروائية سهير المصادفة: لا يوجد أديب فى مصر لم ولن يمر على الكاتب احسان عبدالقدوس وقرأ كل كتاباته فى مرحلة الثانوية العامة وهو بالفعل له تأثير كبير فى آرائنا السياسية عندما كنا نخطو أولى خطواتنا بها فعندما نذكر الأدب لا يمكن ان نغفل ذكر اسمه فى المشهد المصرى الأدب اضافة الى رؤيته وثقافته الموسوعية وكل ما طرحه من قضايا تثار بالفعل حتى الآن حتى إننا لو قرأناه الآن سوف نجد رأيه فيما يحدث فى مصر من تراجع خاصة فيما يخص حقوق المرأة وحريتها ونحن الآن نحتاج الى الف احسان عبدالقدوس فى ظل ما يحدث وعلينا نحن الادباء ان نعمل على نشر افكاره التى تدعو الى التحرر والحرية فى مواجهة من ينادى بالرجوع الى الوراء.
 
وكنت اتمنى تخليد ذكراه فى صورة جائزة باسمه وقد بدأت بالفعل أمنيتى تتحقق ولكنها توقفت بعد ان بدأت بقليل ولا احد يعرف السبب حتى الآن وربما المشكلة تكمن فينا فنحن فمصر مازال امامها بعض الوقت حتى تنضج وتصبح مستعدة لاحتضان ورعاية الجوائز والحفاظ على سمعتها بعيدا عن المصالح تخدم الادب وتطوره فقط والحقيقة ان بيننا وبين الاوروبيين مثلا فى هذا سنوات ضوئية.
 
الشاعر احمد سراج: هل تحولت أعماله إلى تاريخ أدبى لمرحلة عاشتها مصر؟ هل كانت قضية الأسلحة الفاسدة التى تناولها إحسان فى مقالاته تفوق قضاياه التى ناقشها فى أعماله؟ هل ما بقى من إحسان هو أنه اكثر من كتب فى الجنس؟
 
أن يثير كاتب بعد موته بهذه السنين تلك الأسئلة ومئات غيرها يثبت أنه كاتب لا يموت، كاتب حداثى يعبر عن آنه بما يصلح لآننا إن طرحت ذات القضية أو غيرها، لقد اخترق عبدالقدوس مساحة المحرمات الشاسعة ؛الدين عن طريق مؤلفاته العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، الجنس عن طريق جل مؤلفاته، السياسة عن طريق عدد من رواياته وعديد من مقالاته.
 
الكاتبة رشا سمير: رغم ما كان يطلق عليه ككاتب متحرر لا ينبغى للشابات المحافظات ان يقرأوه فقد كانت اول رواية تهدينى اياها امى وترشحها لى لاقرأها روايته "انا حرة" وهذا ما فعلته بعد ذلك مع ابنائى ولا ارى فيه اى شىء خارج فهى رواية تربوية تعمق مفهوم الحرية بشكل صحيح بل ومن شدة اعجابى بها طالبت بعض المسئولين بوزارة التربية والتعليم بتدريس رواية انا حرة فى المدارس لانها تدرس مفهوم الحرية بشكل مختلف.
 
واكثر ما اسعدنى عندما كتبت روايتى الاخيرة هى اشارة الدكتور جابر عصفور الكاتب الجميل جمال الغيطانى لى بأن كتابتى تشبه الى حد ما كتابة الكاتب الراحل احسان عبدالقدوس فى سلالة اللغة وبساطتها كما انه كان يكتب عن مشكلات الطبقة الراقية وكان يوظف الجرأة دراميا بشكل عالى الدقة وليس مجرد اقحام بعض الجرأة لاضافة عنصر الجذب. ومع ذلك اعتقد انه لو كان كاتبا ناشئا فى عصرنا هذا وبعد تولى الاخوان لشئون الدولة لمنع من الكتابة فى ظل ما نراه من تحريمات وافتراءات على المثقفين والمبدعين، واخشى ان يتم استبعاد كتاباته فى مرحلة ما كنوع من التشدد بل التطرف الفكرى للبعض.
 
الروائى: يوسف نبيل حاصل على "جائزة احسان عبدالقدوس": لم يكن مجرد أديبًا أو روائيًا أو قاصًا، بل يكاد دوره وكفاحه الثقافى والاجتماعى أن يتجاوز بمساحات إبداعه الأدبى. يمكن اعتباره مؤسس كتابة جديدة تكاد تقترب الآن مما يسميه البعض "الأدب النسوى"، مشاكسًا طوال الوقت وملفتًا الأنظار إلى تلك المناطق النائية فى حياتنا فى مصر برقة وعذوبة شديدة تكاد تتناقض مع الصورة البائسة لها. إبداعه الأكبر والأهم يكمن فى كون مثقفًا حقيقيًا لم ينجر إلى مهادنة السلطة أبدًا، على وعى بدوره الشديد الأهمية فى الحقل الثقافى المصرى ساعيًا إلى الحرية طوال الوقت كحق أساسى للإنسان فلا حياة دونها، راعيًا للأدب من خلال كل ما يمكنه عمله من تأسيس مؤسسات أدبية تعمل على تشجيع ورقى الآداب فى مصر، فهو صاحب فكرة إنشاء نادى القصة والمجلس الأعلى للفنون والآداب.