السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

منصف المرزوقى يبحث عن «الإنسان الحرام»




هل فقد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان قيمته بعد فشله فى تحقيق غاياته وإيقاف ظلم الشعوب واستخفاف القوى الدولية القوية ببنوده؟ وكأنه وضع للتطبيق –فقط- على الضعفاء؟ هل آن الأوان للحديث عن وثيقة جديدة تحفظ حقوق الإنسان؟، هل ستكون ثورات الربيع العربى الناقوس الذى سينبه العالم للحاجة لإعلان جديد حقيقى يحفظ حقوق الشعوب، بعدما أكدت الشعوب المنتفضة أن الإعلان الذى ظهر للوجود عام 1966 لم ينجح فى تحقيق هدفه وهو حماية حقوق الشعوب، لاسيما فى الدول الفقيرة، أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث، التى هى فى حقيقة الأمر أكثر الدول حاجة له، والتى لم ينقذها هذا الإعلان من عبوديتها وعذابها وانتهاك حقوقها،
 
 وهو ماحاولت بعد عقود من الزمن تحقيقه بانتفاضاتها ضد القمع فى ثورات لم يظهر لها –حتى الآن- هدف حقيقى سوى الحصول على حق شعوبها من الحرية والكرامة الإنسانية؟!
 
 

 
ما إن انطلقت الثورة التونسية، تلك الثورة التبشيرية، التى ما إن انطلقت شرارتها حتى انفك تلقائيا عقد ثورات العديد من الدول العربية، خاصة أن هذه الدول تعيش منذ عقود نفس النظام ونفس الفساد ونفس القهر وكبت الحريات، ها هو الدكتور منصف المرزوقي، أحد رموزها، وقادة المعارضة للنظام الذى قامت ضده، على مدار سنوات قضاها فى المنافي، يقدم قراءة متعمقة للإعلان العالمى لحقوق الإنسان، أهم ما يميزها أنها صدرت عن شخصية احتكت بمجال حقوق الإنسان، بل ويمكن القول أنه كان أحد ضحايا انتهاك هذه الحقوق، فلم تأت قراءته نظرية فوقية، وإنما من عمق الإنسان بالحاجة لها.
 
كشف المرزوقى فى قراءته التى منحها اسما رفع به الإنسان للمرتبة التى يستحقها، وخلع عليه الصفة التى لو آمنت بها البشرية حق إيمان لحافظت على حقوقه، وهو «الإنسان الحرام»، الذى كتبت مقدمته الدكتورة فيوليت داغر رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، التى لم تحاول تعريف الكتاب الصادر عن «الدار المتوسطية للنشر»، أو اختصار فكرته فى مقدمتها، قدر ما أدلت هى الأخرى برأيها فى شكل مختصر فى الأزمة الحقيقية التى تواجه حقوق الإنسان فى العالم، وكأنه نص على نص.
 
أكد المرزوقى فى كتابه أولا على أمر مهم، وهو ضرورة أن يكون الإنسان مؤمنا بما يقره من حقوق له ولغيره، حتى يكون تحقيقها ممكنا وواقعيا وليس محض قيم أخلاقية راقية وعالية يتعامل من يقرأها معها باعتبارها مشهدا مقتطعا من يوتوبيا خيالية يتمناها الإنسان ولا يعيش بها.
 
ينتقد المرزوقى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى كتابه مطبقا عليه معايير المشروع العلمى القابل للتحقق بفقرة لخصت المشكلة يقول فيها: «»المهم أننا أمام مشروع إلزامي، بما أن النص استعمل فعل «يجب» فى جملته، محملا كافة الشعوب وكافة الأمم مسئولية تحقيقه. لكننا لسنا أمام مشروع عملى كالذى عودتنا عليه السياسة أو الاقتصاد أو الصحة العمومية، أى بأهداف واضحة، معقولة، قابلة للتقييم بعد زمن محدد من أعمال مضبوطة.
 
فهذا مشروع له أهداف ضخمة تكاد تدخل فى باب المستحيل، ومن ثمّ وصفها بأنها «مثل أعلى». كذلك ليس له زمن محدد لبلوغ أهدافه. أما المكلفون بإنجازه فهم من الإبهام والغموض والتعميم بما لا يسمح برصد أى مسئول فعلى يمكن أن نحاسبه يوما على تعثر أو تأخر أو سوء تطبيق. ها قد تعطلت أدواتنا المعتادة لتحليل المشاريع والحكم عليها»... انتهى الاقتباس بعدما أطلق المرزوقى رصاصة أصابت الإعلان فى مقتل بالمعايير، بعدما أثبت عدم وجود ضمانات حقيقية لتحقيق بنوده.
 
لم يكتف المرزوقى بإظهار فشل الإعلان الحالي، وإلقاء مسئولية ما شهدته وتشهده الحقوق والحريات بالعالم من انتهاكات عليه، وإنما حمّل الإنسان بكل صراحة ووضوح جانبا من المسئولية، إن لم تكن المسئولية نفسها، ويظهر هذا جليا فى تأمله فى معاملة الإنسان للإنسان على اختلاف العصور والثقافات، مستعرضا ميراثا بغيضا من انتهاك الإنسان لحقوق غيره تحت مسميات ومبررات عديدة، يحاول من خلالها إيجاد مبرر قانونى أو أخلاقى لما يفعله من قتل وحبس وتعذيب، رافعا شعارات سامية، مرة تحت مسمى الحفاظ على الأوطان ومرة رافعا شعار الحفاظ على الدين والهوية، ومرة تحت شعار البحث العلمى والطبي، حيث أتاح الإنسان لنفسه قتل وتعذيب وبتر أعضاء أعدائه بحجة البحث العلمى والطبى لخدمة البشرية، هكذا يتم تغليف الانتهاكات الفظيعة بغلاف سامٍ.
 
بل وربط خلال هذا التأمل فى العلاقة بين البشر بين استبعاد الإنسان للحيوان، واستعباده لأخيه الإنسان، لدرجة حفظ التاريخ لأخبار متنوعة ومتفرقة عن «أكل لحوم البشر» حتى ولو تعامل التاريخ مع هذه الأخبار بشيء من الغموض والحرج، كما ربط بين فكرة الصيد وفرض السيطرة واللجوء للعنف بكل أشكاله الحسية والمعنوية، ورأى أن جميع المشاعر الإنسانية كالأبوة والبنوة والحب والصداقة والإخاء كلها مشاعر لها تبريرات مادية حسية، تتلخص فى النهاية إلى الرغبة فى الاستقواء أو الحفاظ على الجماعة البشرية من تهديدات خارجية أو حتى الحفاظ على النوع.
 
وفى نهاية كتابه قدم المرزوقى «الرئيس التونسي» اقتراحا لإعلان عالمى جديد، هو فى الحقيقته إضافة للنص السابق، وفضل أن يطلق عليه «عقد البقاء بين.... وبين الإنسانية» يكتب كل فرد اسمه كاملا فى بداية العقد، أورد فيه الثلاثين مادة التى يتضمنها الإعلان القديم، مع إضافة التزام شخصى من كل فرد بكل مادة وردت بالإعلان، بحيث لا يكتفى الفرد بالتمتع بحقوقه فقط، وإنما يلتزم أيضا هو شخصيا بتوفير هذه الحقوق لغيره من البشر، مثل: لى حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة دون أى تمييز، ثم عليّ الالتزام بحق كل شخص بالتمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة دون أى تمييز.