الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«صوفيا» .. جدلية الحلم والواقع والارتحال عبر الزمن

«صوفيا» .. جدلية الحلم والواقع والارتحال عبر الزمن
«صوفيا» .. جدلية الحلم والواقع والارتحال عبر الزمن




كتب – خالد بيومى


مريم الشريف كاتبة صحفية واعدة، اقتحمت عالم الرواية مبكراً فأصدرت مؤخرا روايتها الثانية «صوفيا» وكانت قد صدرت لها روايتها الأولى بعنوان «فيكرام».
وفى روايتها الجديدة «صوفيا» تقتحم مريم الشريف عالم التجريب بجرأة محسوبة حيث إننا أمام بناء روائى محكم، وإن كان بالغ التداخل والتشابك والتعقيد، من حيث الأحداث والأزمنة تربط بينهما جميعا حركة «صوفيا» بطلة الرواية التى تعيش حياة مزدوجة بين عالمى الحلم والواقع ولكل عالم شخصياته وأحداثه.
ففى عالم الواقع تعيش صوفيا فى أسرة مسلمة مكونة من الأب محمد الذى يعمل طبيباً، والأم فريال، اللذين يعالجان ابنتهما الوحيدة من مرض نفسى ألم بها عقب وفاة شقيقتها التوءم فى حادث سيارة بسبب رعونة والدها فى القيادة.
وفى عالم الحلم تعيش صوفيا فى أسرة يهودية ذات أصول أسبانية مكونة من الأم «ريتا» وزوج الأم «إنريك» الذى يعانى أزمة مالية طاحنة ويريد تزويجها من شاب رجل أعمال مسلم «كمال» كى يعوض خسارته، ولكن صوفيا تحب شاباً يهوديا « جيمس» ولكن أسرتها ترفضه، وينتهى الأمر بمقتل جيمس ليلة زفاف صوفيا عندما حاول اختطافها، فقتله إنريك وبذلك لم تكتمل قصة الحب فى عالم الحلم.
استخدمت الكاتبة تقنية الفلاش باك لتفسير ظاهرة الحلم «الكابوس» الذى تعيشه البطلة واسترجاعها الواعى واللاواعى وتدفقاتها الشعورية التى تفجرها صدمة العودة إلى الواقع حينما فسر لها والدها محمد أن مصدر هذه الاضطرابات النفسية يعود إلى مرحلة الطفولة حينما حكى لابنته صوفيا حكاية والدته «جدة صوفيا» وكان اسمها صوفيا ذات أصول إسبانية يهودية، ونشأت قصة حب بينها وبين شاب من إسبانيا بالرغم من أنها كانت مخطوبة فى ذلك الوقت من والده «كمال»، وقد كان عمها قاسيا وتسبب فى موت حبيبها «جيمس»، بعدم تزوجت من كمال، وبعد سنوات من قدومه إلى الحياة انتحرت والدته حزناً على جيمس، ويبدو أن صوفيا قد تقمصت هذه الحكاية وعاشت أحداثها فى الحلم.
الشساعة الزمنية بين عالمى الحلم والواقع حوالى أربعين عاما بين صوفيا الجدة التى عاشت فى ستينيات القرن الماضي، وصوفيا الحفيدة التى عاشت فى مستهل الألفية الجديدة، والرواية مقارنة بين جيلين وكأن التاريخ يعيد نفسه، وما أشبه الليلة بالبارحة.تجيد الكاتبة استخدم مفردات الواقع وعناصره وإعادة تشكيله وخلق الوعى الجديد به، كما أنها على إطلاع بطقوس الديانة اليهودية مثل عيد الفصح الذى يقتضى تناول الخبز بمفرده عقب العودة من المعابد اليهودية. كما أن الشخصيات تهزنا بغرائبيتها، حيث تتجلى نزعة التعصب والعنصرية من قبل والدتها « ريتا» التى كانت مصممة على عودة الأسرة بالكامل إلى إسرائيل حتى لا تتزوج صوفيا من حبيبها جيمس الذى تمقته لفقره وانتهازيته .فالكاتبة تضعنا أمام أنفسنا فى مرآتها الصقيلة لنرى حقيقتنا وملامحنا وحجم انتصاراتنا وانكساراتنا،قبل أن تنقلنا المواجهة إلى معرفة الآخر، ومن خلال اقتراب حميم غير مغرض،بدون أحكام قاطعة مسبقة،نفهمه ونزنه الوزن الصحيح ونضعه فى موضعه من الوعى الكاشف دون غطرسة أو عقد أو ثارات. فشخصية العم إنريك رجل الأعمال لا يتورع عن قتل « جيمس» فى سبيل مصالحه التجارية التى سوف تنتعش بمجرد ارتباط صوفيا بالشاب الثرى كمال .
فى رواية « صوفيا» تصوغ مريم الشريف تعويذة للروح المتعبة والمثقلة،وهى ترى خلاص الروح بالخيال السامى وكأنها تقول: استعينوا على الواقع بالخيال، وقاوموا قسوته به.
رصدت الكاتبة حالات الضعف الإنسانى مثل ارتكاب الخادمة جريمة سرقة مجوهرات الأم « ريتا»، فالرواية تنوس بين الحلم والواقع، كما أن جيمس وعد ريتا بالموت فى سبيل حبه لها، وقد أوفى بوعده بعد نهاية تراجيدية لافتة. استخدمت الكاتبة مفردات الحياة اليومية فهل اللغة هى الحياة أم أن الحياة هى اللغة  وهل هى التى فجرت فى اللغة ضالتها أم اللغة هى التى فجرت براكينها فى تربة أصابعها الرقيقة؟
جاءت الرواية فى 130 صفحة من القطع الصغير وهذا التكثيف يواكب إيقاع العصر حيث إن زمن الروايات الطويلة قد انتهى، والقارئ المعاصر لا يجد وقتاً لقراءة الروايات المطولة .
الكاتبة تصر على تيمة أن الاختلاف طبيعة البشر، كما تكشف طبيعة المرأة العربية الجديدة فى صراعها المستميت من أجل حرية الاختيار وحرية الانتماء، واللاانتماء، الزواج واللازواج، والعمل واللاعمل، وهى إيجابية تُصنع ولا تكتسب، تفرضها صاحبتها ولا تتسولها.