الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

معارك وخفايا ترويها «روزاليوسف» فى «مقالاتى السياسية»

معارك وخفايا ترويها «روزاليوسف» فى «مقالاتى السياسية»
معارك وخفايا ترويها «روزاليوسف» فى «مقالاتى السياسية»




إعداد : سوزى شكرى


لا يمكن لأى باحث أو مهتم بتاريخ مصر السياسى الحديث كتابته وتحليله بغير إعادة قراءة ودراسة تراث «روزاليوسف» لأنه ليس مجرد أوراق كتبت فى فترة زمنية طواها النسيان بل هى صفحات من تاريخ يتجدد، صفحات غيرت فى مسار حرية الرأى وحرية الصحافة المصرية، ولعل من أبرز تلك موضوعاتها مقالات السيدة «فاطمة اليوسف» السياسية والتى أصدرتها مؤسسة روزاليوسف مؤخرا بعنوان «مقالاتى السياسية» ويضم أبرز وأهم مقالاتها السياسية المنشورة على صفحات مجلة «روزاليوسف « طيلة 33 عاماً، وهو من إعداد وتقديم ودراسة الكاتب الصحفى والمؤرخ رشاد كامل رئيس تحرير «مجلة صباح الخير» الأسبق.
حمل الكاتب رشاد كامل على عاتقه مهمة البحث والتنقيب فى كنوز وتراث «روزاليوسف» ودراستها وتقديمها لأجيال لم تقرأ أو تعرف كيف واجهت السيدة العظيمة فاطمة اليوسف ومؤسسة روزاليوسف الصحفية العريقة المعارك ووقفت فى وجه الضغوط والمصادرات من قبل رؤساء الحكومات وزعماء الأحزاب من أجل مواقفها الصريحة والجادة واقتحامها أخطر مناطق السياسية ولم تتخل أو تتنازل يومًا عن مبادئها.
«مقالاتى السياسية» هو الجزء الثانى من سلسلة المقالات النادرة والمجهولة التى كتبتها السيدة «فاطمة اليوسف» وتضم 68 مقالة وهى ليست كل مقالاتها، بل هى بحسب شهادة فاطمة اليوسف نفسها فى مقالة لها نشرت شهر أكتوبر 1954 «التاريخ الذى سجلته روزاليوسف فيه بعض الثغرات، منها أعداد لم يرها القارئ أبدا، لأن يد البطش امتدت إليها وصادرتها، يد البطش هى يد الحكومات التى مرت على مصر».
وعن تراث روزاليوسف يقول الكاتب الصحفى رشاد كامل: «هو تراث ظل حبيسًا أو مدفونًا داخل المجلدات لسنوات طويلة إلى أن جاء الوقت تمت إعادة اكتشافها ونشرها، وتحقق هذا الحلم بفضل حماس المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس مجلس ادارة روزاليوسف وتقديره وإيمانه بأهمية توثيق ورصد تراث المؤسسة العريق».
يكمل: أغلب هذه المقالات كان بتوقيع «روزاليوسف» والبعض الآخر بتوقيع «فاطمة اليوسف» ومقال بتوقيع «فاطمة طليمات»، وطليمات هو زوجها الفنان «زكى طليمات» وهناك بعض المقالات بغير توقيع، لكنك حين قراءتها تكتشف أن فاطمة اليوسف هى التى كتبتها بالإشارة إلى نفسها فى سياق الموضوع مثل مقال «من روزاليوسف الأم إلى روزاليوسف الفتاة»، وقد أشارت فى العديد من مقالاتها إلى خلافها الشهير مع حزب الوفد مثل مقال «هدم الشخصيات المزيفة واجب وطنى»، «بطانة من ذئاب وكلاب»، «ورجل مسكين يستحق البكاء والرثاء»، وغيرها.
يواصل «كامل»: يتعلق عدد قليل من المقالات بالملك فاروق مثل مقالة « تتويج الفاروق»، بمناسبة تتويجه ملكًا على مصر، ومقال «ما رأيت وسمعت فى ثلاثة أيام» تصف فى المقالة أيام الفرح الملكى لفاروق وفريدة، كما تناولت روزاليوسف قضية الوحدة الوطنية فى مقال مهم وبديع بعنوان «أسطورة مسلم وقبطى» التى ترد فيها على اتهام الوفد لروزاليوسف بالتفريق بين عنصرى الأمة، وكان أغلب رؤساء الحكومات المصرية هدف لمقالات روزاليوسف مثل مصطفى النحاس وإسماعيل صدقى وأحمد ماهر باشا وعلى ماهر وأحمد نجيب الهلالى وغيرهم، بالإضافة إلى اهتمام روزاليوسف فى مقالاتها بأسماء نسائية مثل السيدة «أم المصريين»، والسيدة «زينب هانم الوكيل» زوجة مصطفى النحاس باشا، وغيرهم.. ومن الدروس المستفادة التى قدمتها السيدة فاطمة اليوسف من خلال مقالاتها إلى الصحافة والصحفيين ما يتعلق بحرية التعبير وحرية الرؤى وعدم التبعية لأنظمة ونصائح عن الصحفى ودوره تجاه المصلحة العامة والوطن.
يضم الكتاب 68 مقالة وخطابًا تحمل كل مقالة قدرًا كبيرًا من الأهمية ورسائل واضحة وصريحة من بين العناوين (إلى الملتقى أيها الضمير بعد أربعة أيام فى كرسى الحكم - ليس فى هذا إرضاء سعد - كلمة هادئة إلى سعادة مكرم عبيد باشا - لا حياد مع الملك يا أم المصريين - يا ترى إيه السبب! - حرب أم لا حرب هذا هو السؤال - إلى ضمير الأمة - جريمة تمثال أحمد ماهر -خطاب مفتوح مصر تبحث عن حريتها لا عن استعمار غيرها - خطاب الى النحاس باشا كم عدد المفسدين - خطاب إلى فؤاد سراج الدين أحذرك من عبود - لم يخلصنا من الاستعمار استعمار آخر - الاستعمار يخاف ولا يستحى - الإسلام حرية وشورى ومساواة - إلى نقيب الصحفيين - ومقالة تعد إحصائية مهمة تصف مدى معاناة روزاليوسف بعنوان « 638000 نسخة من روزاليوسف تصادرها الحكومة وخسائر 146 ألف جنيه على أقل تقدير فى ذمة الدولة».

صداقة الإنسان السياسى وتقييمه

عن كيفية تقييم السياسى كإنسان ذكرت «فاطمة»: أغلب الزعماء يتحدثون فى مجالسهم بالطعن فى الآخرين إلا «مصطفى النحاس» لا يتحدث عن الآخرين حتى لو كان الآخر أعنف خصومه، فقد تستطيع تقيم الإنسان من اللقاء الأول ولكن حكمك على السياسى يختلف فى كل لقاء ولا تستطيع أن تقول هذا السياسى صديقى لأن صداقتك له معرضة كل يوم وكل ساعة لأزمة قد تقلبها إلى عداوة، والصداقة مع السياسى مصلحة هم أصدقاؤك إذا كنت صديقًا لمصالحهم».

مبادئ الصحفى وأخلاقه

عقب مصادرة الحكومة لعدد روزاليوسف رقم (134) جاء إلى «فاطمة اليوسف» مندوب من «النحاس باشا» يطلب منها مهاجمة «مكرم عبيد» ذاكرين لها وقوفه ضد مصالحها وأنه سبب ضياع جريدة «روزاليوسف اليومية» وقتها وتسبب فى خسائر مالية جسيمة، إلا أنها رفضت أن تهاجم «عبيد» وهو ضعيف أعزل يقف فى مواجهة الحكومة والأحكام العرفية، وكتبت «فاطمة اليوسف»: سألنى كثير من الأصدقاء لماذا لم أكتب ضد من أضر بى وأن هذه فرصتى، ولكنى لم أفعل هذا وقد رفضت نشر كل ما وصلنى بالمستندات والصور لأنها عن أمور شخصية وقضيتى عامة وهى مصلحة مصر، أما الأمور الخاصة فلا تهمنا، هذا هو المبدأ السياسى الذى كافحت والتزمت به خمس وعشرين عاما.. أقول الحق للصالح العام مهما تعرضت للتجريح».

إحسان عبد القدوس وآراؤه عن استقلال الصحف والصحفى

كتب «عبد القدوس» مقالة بعنوان «روزاليوسف 25 عاماً» ذكر فيه: توليت رئاسة التحرير فى24 أكتوبر1945وذلك بعد خروجى من السجن، السيدة فاطمة اليوسف أبلغتنى عن مبادئ المجلة وأننا مجلة مستقلة عن جميع الأحزاب وجميع الجهات وأن الجريدة التى تقف على الحياد بين الآراء السياسية لا يمكن أن تكون مصرية، والاستقلال بمعنى نقد الجميع ومعارضة الجميع من أجل المصلحة العامة وليس لأهداف أخرى، وكل الحكومات حينما تعجز عن أن تجعلنا فى صفها بادرت بمصادرة المجلة والتعطيل والتحقيق والسجون والنيابة وحقق معنا فى عهد أربعة وعشرين حكومة، وكتابات وأرواق فاطمة اليوسف تبوح بمدى قوتها وكيف استطاعت هذه المرأة العظيمة أن تستمر بإصرار على مبادئها وهذا هو سر بقاءها.

نصيحة فاطمة اليوسف إلى ابنها إحسان عبد القدوس

 يقول «عبد القدوس»: «قضيت فى السجن 95 يومًا متهمًا بقلب نظام الحكم وكنت نزيل الزنزانة رقم 19 بالسجن الحربى، كنت دائمًا ما أسأل نفسى ما هو موقف أمى «فاطمة اليوسف» وموقف المجلة رغم ثقتى الكاملة أنها مؤمنة بالحرية والديمقراطية وحرية الشعب ولكنى خشيت ثورة أمى وأستاذتى، فى سجنى لم أنس كلماتها فقد قالت لى: قلمك ليس ملكًا لك يا إحسان، إنه ملك القارئ إذا أردت أن تكون كما أريد لك، فاذكر دائمًا أنك لم تكتب لنفسك، ولا تنطق عن هواك بل تكتب للناس الذين هم أصحاب الحق الأول فى كل حرف تنشره فلا تفرط فيما تملك وتهبه لمن ترى «، ظللت أسال نفسى وأتعذب فى أيام السجن الانفرادى: هل أفرطت وفرطت فيما لا أملك ووهبته لمن لا يستحق؟. وإذا كانت مقاييس أمى «فاطمة اليوسف» قد أخطأت فعلًا فكيف ستصلح هى هذا الخطأ، وفوجئت أن روزاليوسف الأم والمجلة اتخذت موقفًا حاسمًا وصارمًا فقد تجاهلت الثورة بكل ما فيها وكأن الثورة لم تقم.

رفض مقابلة جمال عبد الناصر

يشير «عبد القدوس» إلى ما حدث له فترة السجن، بأنه فوجئ بزيارتين متتابعتين، زيارة الرقيب العسكرى على الصحافة المصرية وزيارة محمد حسنين هيكل وقت كان رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» وكان وثق العلاقة بجمال عبد الناصر، والاثنان الرقيب وهيكل موفدان من جمال عبد الناصر ليتفاوضا على الشروط التى تؤدى إلى رفع الحظر الذى فرضته روزاليوسف على عدم نشر أخبار الثوار فى مجلتها، لكن «فاطمة اليوسف» رفضت أن تذهب للقاء جمال عبد الناصر فى قيادة الثورة وكان ردها قاطعًا وقالت: إن كان يطلبنى كحاكم لنتحدث حديث الأصدقاء، فعلى أصغر الأصدقاء سنا أن يسعى لأكبرهم، وبخاصة إذا كان مكان اللقاء «مجلة»، وأضافت: آسفة لن اكتب حرفًا واحدًا عنكم حتى لو أعدمتم ولدى»ـ واستمرت روزاليوسف فى عدم الكتابة عن ثورة يوليو بل كتب كلمات قوية التأثير وعنيفة مثل «لن يخلصنا من الاستعمار استعمار آخر».

فاطمة اليوسف وجمال عبدالناصر وأهمية وجود المعارضة

بعد تسعة شهور من قيام ثورة 23 يوليو 52 كتبت روزاليوسف مقالاً وخطابًا مهمًا إلى جمال عبد الناصر جاء فيه: الحرية هى الرئة الوحيدة التى يتنفس بها الشعب وانك فى حاجة إلى الخلاف تماما كحاجتك إلى الاتحاد»، ونشرت روزاليوسف رد جمال عبد الناصر عليها فى 11 مايو 1953 بعنوان « لا نريد أن يشترى الحرية أعداء الوطن وحاجتنا إلى الخلاف من أسس النظام».