الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مصر هي الحل
كتب

مصر هي الحل





كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 16 - 01 - 2010

- ما تحقق للأقباط في هذا العهد غير مسبوق في عهود أخري

- عبدالناصر كان مهتماً بالعروبة والسادات رفع شعارات إسلامية

- الدولة أكثر انفتاحاً من المجتمع في الاعتراف بالحقوق الكاملة للأقباط

- المثقفون الذين يدافعون عن الهوية المصرية.. انسحبوا من الساحة

- الإسلام السياسي والمسيحية السياسية هما الخطر الداهم علي المستقبل

- الحب والزواج المختلط هما بوابة جهنم التي تدخل منها الفتنة

- الأقباط ليسوا في حاجة إلي أنصبة ولكن الانتشار السريع في الأحزاب

- هل تفتح أمانة السياسات الملف الساخن وتضع استراتيجية المواجهة؟

مصر هي الحل، بتعاطفها وتسامحها واحتوائها لجميع أبنائها، وهي الدواء والترياق الذي يشفي جميع الأمراض، خصوصا داء الفتنة الرهيب، الذي يطل علي البلاد من فترة لأخري، فيؤرق أمنها واستقرارها، ويعرض أبناء الوطن الواحد لمخاطر جسيمة.
مصر هي الحل، وتستحق أن نعتز بهويتها، وبدلا من أن يقول البعض أنا مسلم، ويقول البعض الآخر أنا مسيحي.. لنقل جميعا أنا مصري، فلا تناقض ولا تعارض، وعاش المصريون جميعاً سنوات طويلة تحت هذه المظلة يسودهم الوئام والتفاهم والمحبة.
مصر هي الحل، لكننا نسينا هذه الكلمة العظيمة، وانصرف بعضنا يفتش عن النار تحت الرماد، فيشعلها هنا وهناك، في وقت تحتاج فيه النار لمن يطفئها لا لمن يشعلها، ويتعمد انتشارها.
اتهام الدولة بالتقاعس.. باطل
لم يحدث في العقود الثلاثة أن لقي الأقباط اهتماما ورعاية أكثر من عهد الرئيس مبارك، ورغم ذلك يحلو للبعض أن يتهم الدولة بأنها تتقاعس عن حماية الأقباط، ويروج لذلك علي نطاق واسع في الخارج، رغم أن الإنجازات التي تحققت للأقباط في عهد مبارك غير مسبوقة في التاريخ المصري، ولكن أجواء التوتر والاحتقان والحراك الكاذب هي التي تشوه معالم الصورة.
في عهد الرئيس عبدالناصر لم تكن القضية القبطية ضمن اهتماماته، وكانت توجهاته قومية عروبية، لذلك لم تهتم الدولة بأية مطالب ولم تستجب لأية ضغوط، وكان الزمن غير الزمن ولايُسمح أبدا بما نراه الآن من تظاهر واحتجاج ولجوء إلي الكنائس، كانت القبضة الحديدية للنظام في ذلك الوقت لاتسمح لأي تيار في المجتمع بأن يعارضها.
وفي عهد الرئيس السادات، رفع شعارات إسلامية، وفضل لقب الرئيس المؤمن، ودخلت الدولة في شهر عسل مع الجماعات الدينية والإخوان علي وجه الخصوص، انتهي بحادث المنصة المأساوي الذي أودي بحياة السادات، بينما كان البابا شنودة معتكفا أو محددة إقامته في دير وادي النطرون بعد اعتقالات 5 سبتمبر.
الدولة أكثر انفتاحاً من المجتمع
الرئيس مبارك هو الذي بادر بالتعديلات الدستورية التي تقر حق المواطنة، وإذا قرأنا نصوص الدستور، فسنجدها علي أرقي مستويات الدساتير في العالم، بما تقره من حقوق متساوية لجميع أبناء الوطن، دون أي نوع من أنواع التفرقة.. وهذه التعديلات حققت ارتياحاً كبيرا للمسلمين والأقباط علي حد سواء، لأنها بداية الطريق نحو ترسيخ معالم الدولة المدنية.
الدولة المصرية كانت أكثر انفتاحاً من المجتمع وأكثر تقدماً ووعياً بمتطلبات المرحلة الصعبة التي تمر بها، والتي تتطلب تضافر كل الجهود والقوي الوطنية، ولكن يجب الاعتراف بأن التيارات المنغلقة زاد نفوذها وانتشارها في المجتمع، وأصبحت تعرقل أية خطوات جادة نحو تحقيق المواطنة بمعناها الشامل:
أولها: التيارات الدينية المتطرفة من الجانبين التي ركبت الفضائيات وحولتها إلي حرب منابذة بين الأديان، واحتلت هذه البرامج مساحات شاسعة من الشاشات، وأصبحت تحاصر المواطنين البسطاء، بالليل والنهار، فغرست فيهم عادات وتقاليد وآراء سيئة بعيدة تماما عن جوهر الأديان.
ثانيها: انسحاب المثقفين من الساحة، وكانوا يلعبون دور رمانة الميزان لحماية استقرار الأمة ومزاجها، والدمج بين الأفكار الشاذة والمنافرة، وصياغتها في قالب واحد قوامه الهوية المصرية.
ثالثها: داء الإسلام السياسي والمسيحية السياسية وهما من أخطر أمراض السنوات الأخيرة، حيث جعلا مظلة المسجد والكنيسة تعلو فوق قبضة الدولة والقانون، فيحدث ما نراه الآن من أسلمة وتنصير حوادث جنائية عادية.. وإظهارها في شكل ديني.
المشرحة مش ناقصة قُتلي
لابد أن نعترف أن هناك عناصر في المجتمع احترفت اللعب في الأديان سواء بإغواء بعض المسلمين وتنصيرهم، أو بغواية بعض المسيحيين وأسلمتهم، وكانت تلك هي بدايات الشرارة الأولي لنيران التطرف في السنوات الأخيرة، ولم يجد هذا العبث مقاومة جادة من المؤسسات الدينية في الجانبين، بل كان كل طرف يعتبره فتحا مبينا، وانتصارا مظفرا.
كأن المشرحة ناقصة قُتلي أو أن المسلم الذي يتنصر سيعيد أمجاد المسيحية أو المسيحي الذي يشهر إسلامه سيعيد فتوحات الإسلام.. كان هذا وذاك وبالا علي مصر، وعلي تسامحها النبيل الذي تميزت به علي مر العصور، وجعل أبناءها يعيشون تحت سماء واحدة بمحبة ومودة ووئام.
كان من الضروري الضرب بيد من حديد علي أيدي العابثين الذين يوقعون في براثنهم هواة اللعب بالأديان، وكان من الضروري القيام بحملات مكثفة للتصدي لحالات الحب أو الزواج الديني المختلط، التي انتشرت بشكل ما في السنوات الأخيرة، وسببت أذي كبيرا لمشاعر المسيحيين.
اضطر بعض الشباب المسيحيين للرد علي هذا الأسلوب بالمثل، وكان من يستطيع أن يوقع في شباكه فتاة مسلمة، ينال البطولة والتشجيع والثناء من أقرانه وأبناء ديانته.. ولو راجعنا دفتر أحوال الحوادث التي وقعت بين الجانبين في الفترة الأخيرة، سنجدها من هذا النوع.. قصص الحب المختلطة التي تنتهي بمأساة.
من هذه البوابة الجهنمية تحدث معظم المشاكل الآن، وهي تحتاج لجهود ضخمة من الإعلام وعلماء الاجتماع والنفس والمشايخ والقساوسة المستنيرين، لينبهوا الشباب لمخاطرها التي تهدد أمن واستقرار البلاد، وتدفع عنصري الأمة إلي مثل هذه المواجهات الدامية.
حقوق الأقباط ليست تقسيماً للأنصبة
من الخطأ الفادح أن يطالب بعض الأقباط بحقوقهم التي يجب أن يتمتعوا بها علي قدم وساق مثل المسلمين، وأن يطالبوا بها بطريقة تقسيم الأنصبة، بأن يكون لهم كذا وزير وكذا محافظ وكذا رئيس جامعة، وهكذا، دون أن يدركوا مخاطر هذه القسمة التي كانت سببا لبلاوي ونكبات أمم كثيرة، وأدت إلي حروب وصراعات لا تنتهي مثلما حدث في لبنان.
ولايجب، من الناحية الأخري، أن يتذرع المسلمون بأن للأقباط وزيرين ومحافظا ومدربا لمنتخب الناشئين، وغيرها من عبارات التقسيم التي تهين ضمير الأمة وتقلل من شأنها وتحقرها، وتظهرها في صورة الدول التي تمارس التمييز العنصري بين أبنائها، وكلها معان ليست موجودة في مصر، إلا عند بعض العناصر التي تحاول الصيد في الماء العكر.
القانون الموحد للبناء - مثلا - ينهي المعاناة الشكلية للأقباط في بناء الكنائس، وهي الشكوي الدائمة التي تتردد من حين لآخر، مع أن المعلومات الرسمية تشير إلي أنه لم يتم رفض طلب لبناء أو ترميم كنيسة في عهد الرئيس مبارك، وقد حدثت نهضة كبري في تطوير وتحديث وصيانة المناطق الدينية المسيحية.. مع الوضع في الاعتبار أن مصر تحتاج لمن يتبرعون لبناء المستشفيات والمدارس أكثر من المساجد والكنائس.
الأقباط يجب أن يحصلوا علي حقوقهم من الوظائف العامة والوظائف الرسمية وفقا لمعايير الكفاءة والشفافية، حتي لو أصبح منهم خمسة وزراء أو عشرة.. ولكن هذه الخطوة تحتاج لثقافة مجتمعية أكثر تسامحا وتفهما، ثقافة تعلي شأن الهوية المصرية، وتخفف من حدة النزاعات الدينية والطائفية.
الأقباط لن تحميهم سوي مصر
الضغوط الخارجية لا تنفع ولا تشفع، لأن الدولة المصرية لا تألو جهدا في حماية الأقباط وتحقيق المساواة الكاملة بينهم وبين المسلمين، والضغط علي الدولة في هذا المجال سوف يشوه دورها الذي تقوم به، ويحتاج إلي الدعم والتأييد وليس التشويه والهجوم.
أقباط مصر لن يحميهم سوي حضن مصر، فهم ليسوا فقط شركاء في الوطن ولكن أصحاب الوطن مثلهم مثل المسلمين، وصاحب الحق يحمي حقه بالقانون والدستور، وليس باللجوء إلي الضغوط والابتزازات التي تأتي بعكس نتائجها.
أقباط مصر ليسوا في حاجة إلي أسوار تزيد من عزلتهم، ولكنهم في حاجة إلي هدم كل الأسوار والموانع، وأن يندمجوا في الحياة السياسية المصرية، وأن يعيدوا ذكريات الأيام الجميلة، حين كان مكرم عبيد المسيحي يفوز في قنا في دائرة معظمها من المسلمين، ولكن كانت الهوية المصرية والانتماء السياسي يعلوان فوق النظرة الطائفية الضيقة.
أقباط مصر ليسوا في حاجة إلي كوتة في البرلمان مثل المرأة، ولكنهم في حاجة إلي الانتشار السريع بين مختلف الأحزاب، كمصريين وليس كمسيحيين، يرفعون شعار المواطنة، ويندمجون في مشاكل المجتمع أيا كان الذي يعاني منها مسلما أو مسيحيا.
هذا ليس كلاما خياليا ولا نظريا، ولكنها مسألة حياة أو موت، فهذا الوطن مثل العربة التي تسير علي عجلتين، ولايصلح أن يكون معوجا أو أعرج، أو تعاني فيه فئة من الشعور بالظلم، أيا كانت الأسباب، ودون أن نعود إلي شعارات الماضي، فالمستقبل ينذر بالخطر، ولن يكون هناك فريق بمنأي عن كارثة الفتنة الطائفية إذا حدثت - لاقدر الله -.
ماذا يمكن أن يفعل الأمن؟
هل يستطيع الأمن أن يضع كردونات دائمة حول الأقباط، ليمنع بعض الاعتداءات التي تقع من حين لآخر؟.. وهل يستطيع الأمن أن يدخل في حروب أهلية مع القري والنجوع والمدن التي تقع فيها حوادث طائفية؟.. ولماذا اختفت كل القوي الأخري التي يجب أن تلعب دورها في مثل هذه الأحداث، وظهر الأمن وحده في الساحة.
الأمن هو الطرف الذي يتعرض للهجوم والنقد في كل حادث، وتنصب المحاكم للضباط والجنود، وتزداد المطالبات بمحاكمتهم أو عزلهم من مناصبهم، مع أن الأمن في أي دولة في العالم، له دور محدد هو سرعة ضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة، وهذا ما يفعله، بجانب الأدوار الأخري التي يقوم بها.
سوف تتراجع الشكوي من الأمن، إذا تم التعامل مع هذه الجرائم في جانبها الجنائي وليس الديني، فالقاتل هو القاتل سواء كان مسلما أو مسيحيا، والضحية هو الضحية سواء كان مسلما أو مسيحيا، والقانون هو القانون الذي لا يعرف التفرقة بين المصريين حسب ديانتهم، ولكن بعض المتربصين بالوحدة الوطنية، يثيرون هذه الزوابع من حين لآخر.
ليس في استطاعة الأمن أن يضع عسكريا لكل مسيحي أو مسلم، ولا يستطيع أن يبني جدارا عازلا حول الأقباط ليحقق لهم الحماية كما يحلو للبعض أن يصور الموقف، والدولة تحكم بهيبتها وليس بعساكرها، ولن تتحقق هذه الهيبة، إلا إذا أصبحت السطوة للقانون ولسلطة الدولة.
نقطة البداية للأحزاب السياسية
قد تكون حوادث نجع حمادي ضارة نافعة، يتحرك فيها المجتمع، وتفيق الأحزاب من غفوتها، وما يدعو للطمأنينة هو أن الحزب الوطني بدأ يتحرك في هذا الملف المهم، سواء علي مستوي الدراسات والأبحاث التي تضع روشتة لعلاج المشاكل الطائفية، أو علي مستوي التحركات الحزبية علي أرض الواقع.
الأثر النفسي يكون كبيرا وعظيما حينما تبادر القيادات الحزبية في القاهرة بزيارة نجع حمادي، وتقدم التعازي للإخوة الأقباط وتخفف من آلامهم وأوجاعهم، وتعيد إليهم الشعور بالثقة والطمأنينة، وأن هذا الوطن يحتويهم ويضمهم لأنهم جزء من جسده ولاينفصل عنه أبداً.
أتصور أن أمانة السياسات - أيضا - سوف تدرس في الفترة القادمة هذه القضية الوطنية المهمة، وتضع لها استراتيجية مصرية خالصة، خصوصا أن الأمانة تضم في عضويتها عددا لا بأس به من الشخصيات القبطية المحترمة، التي يمكن أن ترفع من شأن المناقشات، وتقدم حلولا ومقترحات مهمة.
مصر هي الحل.. وعندي ثقة كبيرة في أن مصر أكبر بكثير من حادث هنا أو فتنة هناك، فما يربط بين المسلمين والأقباط أكبر بكثير مما يفرقهم، وحياتهم في وحدتهم وليس في تناحرهم، والمثل يقول: السم الذي لا يميتني، يزيدني قوة.

كرم جبر

Email:[email protected]