الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«شهر العسل» لم يكتمل فى «الغائب» و«يوتوبيا».. و«أنا» فوق التوقعات..!

«شهر العسل» لم يكتمل فى «الغائب» و«يوتوبيا».. و«أنا» فوق التوقعات..!
«شهر العسل» لم يكتمل فى «الغائب» و«يوتوبيا».. و«أنا» فوق التوقعات..!




كتبت - هند سلامة

 

انطلقت الأسبوع الماضى فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان «البقية تأتى» والتى بدأت فى الفترة من 13 إلى 15 فبراير الجارى على خشبة مسرح الفلكي، لم تقتصر عروض  المهرجان على القاهرة فقط؛ بل تجولت ولأول مرة بمحافظة الإسكندرية بمركز الجيزويت ثم قصر ثقافة الأقصر، وتضمنت أربعة عروض مسرحية «شهر العسل» إخراج سمر جلال، «أنا» إخراج مصطفى خليل، «يوتوبيا» تصميم وإخراج نغم صلاح، «الغائب» تصميم وإخراج على خميس.

«شهر العسل»
اتبع المهرجان أسلوبًا مختلفًا فى عرض أعماله بتقديمها جميعًا فى يوم واحد، والتى بدأت ب»شهر العسل» إخراج سمر جلال العرض مستوحى من كتابة لعلى سالم، تتناول المسرحية فكرة كاتب شاب مشتت ومتشكك دائمًا فى كل شيء فبعد أسبوع من قضاء إجازة شهر العسل مع زوجته بأحد الفنادق، يفاجئها بشكوكه وشعوره بمراقبة من حوله له، حتى بائع البطاطا الذى يظن أن لديه كاميرات مراقبة فى عربته، وتحاول زوجته إقناعه بلا جدوى أنه مريض ويحتاج إلى طبيب نفسى كى يخرج من هذه الحالة الحرجة إلا أنها تفشل فى ذلك وتقرر فى النهاية هجره وطلب الطلاق، استخدمت سمر جلال ديكور وإضاءة بسيطة لغرفة الفندق التى تدور فيها أحداث العرض ويعد من أكثر الأعمال تميزًا بهذا المهرجان القصير نظرًا لاعتماده على البساطة فى الشكل وعمق المضمون، بعذوبة شديدة تناولت سمر محورين بالعمل الأول حالة الوضوح والمكاشفة التى تظهر بعشرة الأشخاص فبعد الزواج بدأت تلاحظ الزوجة هذه التغيرات والتقلبات بشخصية زوجها وهو ما لم تعهده من قبل، بجانب حالة الفتور التى انتابته تجاهها وتراجع اهتمامه بها فكلما اقتربت الصورة وضحت الرؤية، ثم الحالة المرضية التى يعانى منها كاتب شاب فى مقتبل عمره فهو لا يشعر بالأمان في من حوله ولديه هواجس مؤكدة بأنه مراقب من الجميع فهناك من يدبر له مؤامرة كبيرة وهو فى طريقه إلى كشفها، جمع العرض بين الكوميديا وتراجيديا الشعور بالذات والمبالغة فى تقديرها إلى حد الجنون، قدم الممثلان مها عمران، وأحمد رضوان دوريهما بمهارة وبساطة شديدة وشاركهما بطولة العرض فهد إبراهيم فى دور الجرسون، كما كان من أكثر العروض تكثيفًا فى الوقت وإيضاحًا فى المعنى بالتركيز على القضية التى أراد إيصالها للجمهور، عمل مكثف عميق وبسيط لمخرجة محددة الهدف والرؤية.
«الغائب»..و»يوتوبيا»
 على النقيض كان العمل الثانى والتالى لـ»شهر العسل» والذى جاء بعنوان «الغائب» فقد العمل المتعة والمعنى فى الأداء والتصميم الحركي، فعادة ما تتهم عروض الرقص المعاصر بأنها بلا معنى أو أنها أعمال نخبوية يتعمد مقدومها التنظير والفلسفة أكثر من تقديم شيء له معنى واضح وحقيقى بالأداء الحركي، وحتى يواجه البعض هذا الاتهام قرر أن يكون أكثر إيضاحًا وقربًا من الجمهور بتقديم أعمال لها معنى أو تصميم له دلالات وتأويلات من السهل أن يندمج معها ويستسيغها الجمهور، أو قد يلجأ البعض إلى تقديم عمل فنى راقص ممتع دون أن يقصد إفساد هذه المتعة بوضع فلسفة أو فكرة متحذلقة، لكن فى الغائب قرر على خميس أن يعلو بحدود الحذلقة والفلسفة حتى النهاية، كتب فى توصيف العرض أنه يتناول «الوشوش التايهة فى الشوارع، والكفوف اللى بتلم عظم الحيوانات وعن الأشياء الإنسانية المفتقدة فى الفراق والخوف والحب حتى الموت، عن حروب مضطر تكسبها هكذا أصبحنا الغائب»..وهكذا أصبحنا بلا هدف ولا معنى من وراء عمل اعتمد على حركات راقصة عشوائية منفردة ومتفرقة لأكثر من ممثل ثم تخللت هذه الحركات الجسدية الغريبة وغير المفهومة والتى لا تحمل أى رؤية أو روح بعض الكلمات المتقطعة بالميكروفون التى تخرج بعدها ناسيًا أو متناسيًا هذا العمل بكلامه وتعبيره الحركى من شدة الملل باستثناء الموسيقى التى كانت أكثر عناصر العمل تعبيرًا وتميزًا فلولا العزف الموسيقى الحى لمحمد بونجا وعبد الله سليم لخرج الجمهور هاربًا من قاعة المسرح.
العيب فى الجمهور..!
شاركه الأزمة نفسها إلى حد كبير عرض «يوتوبيا» وإن تضمن بعض التصميمات الحركية الجيدة، لكن وقع أيضًا العرض فى فخ عدم وضوح الرؤية والملل وكذلك فى تقديم حركات مسرحية خلت من المتعة، كتبت أيضًا مصممة العرض فى توصيفه نحن أبناء السؤال، أبناء الشغف، أبناء المعرفة، والبحث الدائم عن الصحيح والأصح لإيجاد الراحة اللازمة لنا حيث «اليوتوبيا»، يختلق هذا الشكل السيريالى من عروض المسرح الراقص أفكار متناثرة ومطلقة فى الفراغ وقد يوحى أصحابها أنهم يحملون فلسفة ما وعليك أيها المتلقى الفهم والاندماج بل والاستمتاع وإن لم تصلك الرسالة.. «العيب فيك»!، فقد يحيل صناع هذه الأعمال فشلهم فى إيصال رسالة العرض أو فى تقديم عمل ممتع على المتلقى فى عدم حصوله على قدر كاف من العمق الفكرى والنظرة الفلسفية بعيدة المدى التى يشيرون إليها دائمًا، لكن الأزمة لم تكن أبدًا فى حامل هذه الرسالة الذى لم يشغله ولو لحظة واحدة الجمهور الجالس معذبًا داخل قاعة العرض لمشاهدة عمل ليس له معنى سواء فى «يوتوبيا» أو «الغائب»، وإذا تجاوزنا أزمة المعنى، فأين المتعة التى عادة ما تكون من صميم البناء الفنى لهذه العروض بجانب المبالغة فى الثرثرة بجمل حوارية ليست لها قيمة أو فائدة سوى أنها توحى بالفقر فى تقديم مفردات حركية مبتكرة وممتعة!!
«أنا»..
 أما فى العرض الأخير «أنا» كان المخرج مصطفى خليل قادرًا على صناعة حالة من الدهشة وإيقاظ الفكر فى عمله المسرحى المأخوذ عن صموئيل بيكيت وهو مونولوج قصير لامرأة لا يظهر فيه سوى فمها وأسنانها فقط، وظهر هذا الفم بحجم كبير وكأنه مقدم بتقنية الـ3D»»، يقول بول شاؤول فى نقده لصمويل بيكيت «كل شخصيات بيكيت وحيدة تعيش فى مونولوج أبدي»، وفى هذا العرض تعيش البطلة فى مونولوج طويل أمام الجمهور ولا نرى منها سوى شفاه فقط التى تكبر وتصغر على حسب وضعية الكاميرا على خشبة المسرح حيث أغلق المخرج المسرح من حولها من الأمام والجوانب وبدت وكأنها تخرج من فتحة شاشة صغيرة وتركزت الكاميرا على وجهها الذى دهن معظمه باللون الأسود، ولم نر سوى عينين وسواد غطى أركان المسرح بالكامل ثم الإضاءة التى ركزت على تكبير وتضخيم الفم أثناء الحديث الذى جاء باللغة الإنجليزية وهو حديث سريع متواصل بلا توقف إلا فى سكتات بسيطة ثم تعود كى تسرع بالحديث مرة أخرى، وكأنها حالة من الكبت والمعاناة التى يجلس فيها الإنسان لمناجاة نفسه واستعراض واقعه غير المرئى له ولمن حوله وغير المفهوم ففى ظلام تام وملامح غير بارزة ووجه غير معروف نستمع ونرى فمًا كبيرًا يتحدث بمفرده على المسرح بكلام مرسل غير مترابط وليس له معنى حرفى دقيق كى يتم تفسيره كما أنه من شدة السرعة قد لا يلحق المتلقى تفسير ماذا تقول، وكأن بيكيت تعمد ألا يعلم أحد ماذا أراد أن يقول لأنه لا شيء، كما نعيش فى اللا شيء، فنحن مجرد أفواه ضخمة تتحدث باسترسال وبلا توقف ودون هدف وفى النهاية لا نصل إلى شيء حقيقى من هذه الأفواه أو هذه الأقاويل فنحن فى مكلمة لا تتوقف، هكذا كتب بيكيت مسرحيته وبهذا التكنيك الفنى المميز وشديد الخصوصية عبر عنه المخرج الشاب مصطفى خليل الذى ربما عاب عليه البعض احتفاظه باللغة الإنجليزية إلا أنه يرى أن فلسفة العمل تكمن فى احتفاظه بلغته لأن كثيرين رفضوا ترجمته ففى النهاية اللغة غير مهمة لأن الكلام ليس له معنى، وإن كان العرض يعبر عن عبث وعدمية بيكيت فى مسرحه الذى اعتاد فيه تقديم أعمال خالية من الهدف، إلا أن هذا العمل قد يكون له معنى قوى وواضح فى الوضع الراهن والواقع المزدحم بثرثرة وكلام كبير بلا معنى، ومن هذه النقطة يحمل العرض خصوصية أخرى وهو انفتاحه على أكثر من تأويل وخضوعه لأكثر من شكل فى تفاعل وتعاطى الجمهور معه فهناك من أخذه العمل وقرر استكشافه والجلوس فى قاعة المسرح حتى النهاية، وهناك من خرج من المسرح نافرًا وهناك من ضحك على الشكل الغريب الذى قدم عليه العرض وعلى حسب قول مخرجه هكذا خرج «أنا» كما أراد له صاحبه فبيكيت كان يعلم أنه سيكون هناك من يضحك ومن يتفاعل ومن يصمت مفكرًا ومن يحزن ومن يخرج من قاعة المسرح ضجرًا من هذا العرض.