الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كلام عيال» ابتسامة الطفولة المفقودة فى كتاب

«كلام عيال» ابتسامة الطفولة المفقودة فى كتاب
«كلام عيال» ابتسامة الطفولة المفقودة فى كتاب




كتبت- مروة مظلوم

 

» مكعبات « السكر المسروقة من مطبخ الجدة.. دق جرس الباب والاختباء.. العبث فى أغراض الكبار والجلسة الملائكية البريئة.. توسلاتنا ودموعنا التى لا يراها أحد وتعبر معنا بوابة المدرسة وفرحتنا فى الخلاص منه.. الجميع عرف فى طفولته لحظات كانت بمثابة ولادة جديدة، وعندما نعود بالذاكرة إلى تلك اللحظة نقول لأنفسنا إنه اليوم الذى أصبحت فيه ما نحن عليه الآن.. يدعون فهم كل شيء لكنهم يستهلكون من الأطفال وقتا ومجهوداً ليشرحوا لهم.. أياماً عشناها وأسقطتها الذاكرة سهواً أو عمداً وأعادتنا إليها أسئلة الصغار.. إلى أيامنا الأكثر براءة يعيدنا هشام أبو المكارم بين صفحات وسطور كتابه كلام عيال.
يستهل أبو المكارم أول فصول كتابه بالحديث عن يومه الدراسى الأول بمدرسته الريفية بقلب طفل صغير، يصف حالة الرعب التى انتابته إثر خروجه من مملكته وعالمه الصغير الذى لا يشاطره فيه أحد واليد الذى دفعته رغماً عنه إلى عالم يعج ببشر لايكترثون كثيراً لوجوده فهناك طوفان من الأطفال .. يحاولون استقطاب الطفل الغريب ودمجه فى عالمهم ولو بالقوة.. حتى يرسل القدر إلى قلبه المدد الحب الأول .. ذلك الذى ينتشله من براثن الأوغاد المتنمرين ويبنى له قلاعا تمنعهم منه.. كيف يبدأ حب الطفولة ويظل رغم عمره القصير ذكرى عالقة فى أذهاننا مهما تقدم بنا العمر مأوى لأحلامنا البريئة.
يتطرق أبو المكارم إلى أهم ما فى طفولتنا الخيال، عقل الطفل يعطى للأشياء الصغيرة مساحة وأحجاما تفوق ما هى عليه فى الحقيقة فهو يجيد تضخيم الأشياء وتحويلها إلى معجزات كارتباطه بالمسحراتي، وإضفاء قدرات خارقة على هذا الشخص الذى شبهه بالملائكة، فهو لا يخاف نباح الكلاب ويسير فى الظلام، ثم يتناول بالشرح عادات قريته وقتها فى الإفطار والسحور والمشقة التى يكابدها طفل فى مثل عمره للالتزام بتعليمات الأسرة فى اتباع عاداتهم فى شرب الماء ونوعية الطعام المقدم، وكعادة الكبار يعترفون مؤخراً بأن ما كانوا يخرقونه من قواعد أمرهم بها الأهل فى الصغر كانت هى الأصوب لكنه عناد الطفولة الذى يغذى غرور الطفل فى مخالفة القواعد ثم الندم على ما اقترفت يداه.
كلام عيال كتاب يحملك إلى أغوار الصعيد.. أكلاته وتجمعات العائلات لصناعتها مثل الكشك الصعيدي الذى وصف الكاتب رحلة صناعته بالطويلة، فهى تستمر لأكثر من شهر وتكون نتيجتها صومعة مصنوعة من الطين مليئة بـالكشك ، لتأكل منه الأسرة طوال العام، حيث يبدأ تجهيزه بتنقيته وسلقه فى حلل من الصفيح على أفران مبنية من الطوب اللبن ، ثم يتم تجفيفه على أسطح المنازل ويعده الأهالى مؤشراً للحالة الاقتصادية، فالمنزل الذى  يصنعه يعنى أنه فى ضائقة مالية ويبدأ الغمز واللمز بين فلان وعلان، كذلك يصور الكاتب مشهد المرحلة الأخيرة لـ الكشك وحلقات الفتيات المراهقات وأحاديثهن الجريئة التى تفوق أعمارهن وضحكاتهن ومحاولاتهن رسم علامات الخجل وإخفاء وجوههن خلف أثوابهن.
من ذاكرة أبو المكارم يشير إلى شغفه بسماع العديد فى عزاء النساء رغم عدم فهمه لمعانيه، لكنه كان على حد تعبيره يستمتع بحالة الشجن التى يبعثها فى نفسه فيقول:  عندما يموت أحد أقاربنا، أتسلل إلى حيث عزاء السيدات أقف منصتاً لرتيبة وزميلاتها النائحات، أسمعهن وأبكي، أبكى كثيراً، أحيانا أتذكر الموتى من أعمامى وأخوالي، وأحياناً أخرى أبكى بلا سبب».
الخلاصة «كلام عيال» الصادر حديثاً عن دار «أوراق» هو حالة خاصة لكل قارئ يتفاعل معها وفقاً لبيئته، فساكن المدينة سيكتشف عالماً مغايراً فى عاداته وتقاليده يقع فى نفس حدوده الإقليمية وربما يشده للبحث عن جذوره التى لا يعرفها، وساكن القرية شغوف فى البحث عن ذكرياته وصوره القديمة بين الأهل والأصدقاء، سواء كان صبيا بسروال قصير وشعرا أشعثا أو فتاة بضفائر مشدودة.. لا يهم الهيئة التى كنا عليها أطفالاً مهندمين أم لا.. المهم تلك الابتسامة التى كانت تحمل براءة ومرح لاندرى مصدرها، ذكراها فقط تعيد إلينا أيامنا الخوالى أيام ما كنا عيال.