السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روح وحياة» رؤية تشكيلية ترسم ملامح المجتمع

«روح وحياة» رؤية تشكيلية ترسم ملامح المجتمع
«روح وحياة» رؤية تشكيلية ترسم ملامح المجتمع




كتبت : سوزى شكرى
 

انفردت بنفسها سيرا على الأقدام فى شوراع القاهرة.. تأملت حولها فلمحت شخوص باسمة تسكنها ملامح كادحة مستسلمة مكتوفة الأيدى.. شفاة تتكتم أوجاعها.. وأطراف مترهلة يفوح منها عطر الصبر.. شخوص ترتدى ثوب الحياة وتتحدث بلغة لا يدركها إلإ من يجيد ترجمة لغة الصمت.. أرواح تجلس على مفترق طرق تبحث عن باب رزق وعن لقمة العيش، ولأنها فنانة تشكيلية تملك قدرا كبيرا من الإحساس وليس لديها قدرة على نسيان تلك الوجوه، ذهبت إلى مسطح لوحاتها، وأمسكت بفرشاتها وغمستها بألوانها وإذ بتلك الوجوه تظهر تباعاً من بين فضاء اللوحة، فعادت ملهوفة مسرعة مرة أخرى إلى الشارع.. إلى نفس المكان وطلبت من أحد الوجوه أن تكون رفيقة وشريكة وداعمة لفنها، كنموذج حى يجسد الأمل والصبر والإصرار والتحدى النبيل.. إنها روح وحياة.
كان هذا عنوان المعرض الجديد للفنانة التشكيلية إيمان حكيم ، والذى أقيم مؤخراً بقاعة ارت كونر، حيث جاء المعرض من حيث اختيار الموضوع الفنى استكمالاً لمسيرتها ومشروعها الفنى الإنسانى والاجتماعى النابع من قناعاتها الخاصة وإيمانها بالنظرية الاجتماعية الجمالية للفن التى تزعمها دوركايم ونادى بأن الفن يجب ألا يعبر عن الأنا أو الذات بل يعبر عن نحن المجتمع ككل، ولا يحدث اندماج كامل بين الأنا ونحن إلا عن طريق الفنون الإبداعية، ولا تقلل هذه النظرية من قيمة الأثر الفردى وفاعليته فى العمل الفني، فالفنان بأدواته الفنية: أسلوبه ومعالجاته وصياغاته وتقنياته بالإضافة لأدواته الحسية هو من يسرد الحياة الاجتماعية لمجتمعه.
يذكر أن حكيم عرضت مجموعة من لوحاتها التصويرية التأثيرية التقنية والتعبيرية الصياغة التشكيلية ، التى تميزت بها على مدار مسيرتها التشكيلية، وبالرغم من تفردها فى تأثيرتها إلا أنها تخوض فى كل معرض تجربة جديدة لتطرح تأثيرية حداثية التشكيل من حيث تراكيب لونية ، قدمت ما يقرب من خمسين لوحة منفذة بخامات مختلفة الألوان الزيتية والاكيريلك والألوان المائية والباستيل ، الأعمال مختلفة الأحجام ، من واقع أن السعى والكفاح هما من يمنحان الإنسان روح وحياة ، لذلك اعتمدت على عنصر المرأة لما فيها من ثراء تعبيرى، المرأة الكادحة، المرأة العاشقة، المرأة على قائمة الانتظار، المرأة الوحيدة، المرأة المعيلة التى تحتضن أسرتها وأولادها وتجمعهم بعشق حول مائدة الخبز، إنها «الأم التى تسعد بشقائها وعطائها لم تتخاذل، إنها المرأة المصرية التى تقبلت الحياة بكل ما فيها من تناقضات وتقلبات معقدة من أجل لحظة حياة كريمة.
»  حاملى الخبز «فى لوحاتها ليس المقصود بها المعنى المباشر، وإنما رمزا للرزق المرتقب، وتكرار وجود عنصر الخبز فى لوحاتها مدى حرصها لوجوده كرمز لتعبير عن قيمة نحن كقيمة اجتماعية، يتطابق مع النظرية الاجتماعية للفن لينتج تباعا قيمة جمالية.
 وفى مقابل ثراء الحالة الإنسانية الاجتماعية جاء ثراء المسطح التصويرى، حيث قامت حكيم بوضع طبقات تحضيرية للمسطح منحه خشونة وعمقا وملمسا أضفيا بصمة درامية على عناصر العمل الفنى كثافة لونية تقترب من التجريد اللونى، لا يشغلها الإضاءة المعتادة النمطية، فهى إضاءة سيكولوجية نابعة من ملامح شخصيات العمل، وضربات فرشاة ناعمة تحمل قدر من التعاطف الوجدانى على شخصيات العمل وان كانت تبدو قوية من أول وهلة، تكوينات عميقة الحس بسيطة حميمية تتعايش فى انسجام وتناغم تقنى ولونى .
 وأخيرا ارتكزت حكيم فى لوحاتها على مجموعة لونية متنوعة مجموعة رمادية، مجموعة الألوان الساخنة يتصدرها اللون الأصفر الرملي، ومجموعة لونية زرقاء روحانية الدرجة، أكثرهما درامية البوتريهات التى نسجت من المجموعة اللونية الرمادية حيث يفوح منها شجن يجعلك تتحاور معها، أما المجموعة اللونية الساخنة تؤكد بها مدى قسوة المعاناه للمرأة الكادحة، أما المجموعة اللونية الزرقاء جاءت متسقة مع حالة المرأة العاشقة والوحيدة المنتظرة أملاً قادما.