الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«التجربة الصينية» جديد «مصطفى الباقى»

«التجربة الصينية» جديد «مصطفى الباقى»
«التجربة الصينية» جديد «مصطفى الباقى»




كتب - تامر  أفندى
 

رواية «التجربة الصينية» للكاتب مصطفى عبدالباقى هى وثبته الثالثة فى عالم الرواية، بعدما دلف إليه من الجنوب حينما سجل أولى رواياته بعنوان «من أيام العراكي»، التى لم يلبث بعدها إلا قليلا حتى خرج بروايته الثانية «من واقع النفق» ليجد نفسه فى تجربة ثالثة جديدة لكنها مختلفة، فهى تجربة صينية.
«عبد الباقي» ذلك الشاب الصعيدى الذى نشأ فى بيئة أشبه بالاشتراكية، صاحب طموحات بسيطة مشروعة، اصطدمت بواقع رأسمالى متوحش، فخلقت لديه نوعا من السخرية المرة التى انعكست على كتاباته، وإن كان لم يفقد أولويات الخير ولا يرفع رايته البيضاء ويستسلم للعالم، إلا أنه سرد الواقع كما هو دون أن ينجرف لوجهته، سرد ما حوله دون رتوش ولا مبالغات، فانساب قلمه فى فضاء مكانى وزمانى كبير، مليء بالشخصيات والأحداث والقضايا الإنسانية الملحة.. وإن كان هناك تكرار فى بعض المواطن لحدث تم تناوله من ذى قبل فى أعمال كثيرة.. إلا أنك مع ذلك تتأثر بسرده وذكره وتدمع عينيك عند قراءته.. وليس أدل من ذلك أكثر من ذلك المهندس الأجنبى «جين تاو» أحد أبطال «التجربة الصينية»،  والذى نقتطع من دوره فى هذه الرواية ذاك الحديث كدلالة على بساطة اللغة عند «عبد الباقي»: «كان المهندس جين تاو قد قرأ كثيرا عن الإسلام إلا أنه لما قدم إلى مصر، رأى أمامه نماذج بشرية ثرية بالإخلاص لله، أقوالهم تطابق أفعالهم.. قال لنفسه ما هذا الدين العظيم، الذى يجعل الفر يتفانى فى ذاته ويرتقى بنفسه عن هذه الشهوانية الحقيرة؟ ويصفو مع ذاته ليسمو على تفاهات دنيوية فانية بمادياتها الزائلة.. وكان يشغله هاجس التفكير فى الحياة بعد الموت، وما يحدث وقد قرأ فى الديانات السابقة عن الحياة بعد الموت والبحث عن هذه الحقيقة الغائبة، وقد قرأ عنها فى الإسلام حيث كان يسأل نفسه عن الهدف من وجوده فى الحياة فاقتنع بذلك من خلال ما قرأه.. ولما أتى مصر رأى أناسا يعبدون الله من خلال الصلاة التى يؤدونها فى كل مكان سواء فى بيوت الله «المساجد» أو على الطرقات، حيثما يأتى النداء لذلك ترددت عنه قناعات تامة بأن هذا الدين الحق وأن الله يعبد فى كل مكان وأن الله موجود فى كل زمان ومكان لدى المسلمين».
وأخيرا بساطة اللغة التى استخدمها «عبدالباقي»، والتى تعد انعكاسا لطبيعته أسقطته أحيانا فى توظيفات فى غير محلها لبعض الألفاظ، مما جعلت القارئ يتعثر عندها ويشعر بنشازها عن السياق، كأن قال: «الله موجود فى كل زمان ومكان لدى المسلمين»..وكان الأحرى به الاكتفاء بالجملة عند «مكان» لكنه أراد أن يبرز الاختلاف بين الإسلام وغيره من الديانات، فأكد ما لا يحتاج إلا تأكيدا لفظيا علنيا..  هذا وكان «عبد الباقي» فى احتياج إلا أن يطلق العنان قليلا لخياله، ففى سماء الإبداع كل لحظ جديد، فإذا ما وصل إلى هناك كان سيستقدم تشبيهات أو استعارات أو كنايات لم تكن مدرجة من زى قبل، وكان سيبتعد عن أن يسوق ما هو دارج مثل «كأنه قطعة حديد تنجذب نحو مغناطيس مثبت ناحيته».
ويبقى أن نقول «عب الباقي» أجاد فى توظيف «روكي» تلك الدمية التى أعطاها بجرأة دور بطولة فى روايته، واستخدمها ليجلد المجتمع بسوط سخرية لاذع دون أن يكون فيه فجاجة».