الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

باحثة تعيد إحياء علوم الإسكندرية

باحثة تعيد إحياء علوم الإسكندرية
باحثة تعيد إحياء علوم الإسكندرية




كتب - علاء الدين ظاهر 

“إذا لم تصحبنى معك إلى الإسكندرية، فلن أكتُب لك، ولن أُكلمك بعد إذن أبدًا.. ولن أحييك بما اعتدت أن أحييك به كل يوم”.. هذه بضع كلمات جاءت فى طيات رسالة بعث بها أحد الأبناء إلى أبيه، وردت فى بردية من البرديات اليونانية المؤرخة بالقرون الميلادية الأولى والمكتشفة بمدينة البهنسا بصعيد مصر.

هذه الكلمات تكشف عن الحلم الذى راود الباحثين فى العصور القديمة للدراسة فى الإسكندرية تلك المدينة العامرة، بعد أن ذاع صيتها، ليس فى مصر وحدها؛ بل بين أرجاء العالم القديم.. فهى العاصمة الثقافية العالمية التى وفد إليها معظم أبناء الطبقات الأرستقراطية لتلقى تعليمهم واستكمال دراستهم.
هذه المكانة التى يحفظها التاريخ للإسكندرية رصدتها الباحثة د.رضوى زكـى فى كتابها “إحياء علوم الإسكندرية.. من اليونانية إلى العربية”، الصادر عن إدارة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، ومن تقديم د.كمال مغيث، الخبير التربوى ورئيس تحرير سلسلة “حكاية مصر”،حيث يلقى الكتاب الضوء على التراث العلمى السكندريّ، منذ نشأته بين أروقة مؤسسات الإسكندرية الثقافية فى الحقبة الهلينستية والذى دوّن باليونانية، لغة العلوم والثقافة آنذاك حتى انتقل إلى اللسان العربي. 
كانت الإسكندرية على  رأس حواضر العلم القديمة، بفضل النهضة الفكرية والعلمية التى قامت بين أروقة مجمعها العلمى الذى احتضن حصيلة ما وصل إليه العقل البشرى من فكر ومعارف فى تلك الفترة، للحد الذى عُرفت به تلك الحقبة الزمنية فى تاريخ الحركة العلمية باسم  “العصر السكندري”، تمييزًا لها عن باقى العصور المختلفة، لما كان لها من تأثير بالغ فى تاريخ العلم القديم.
وبقيت علوم مدرسة للإسكندرية نورًا أضاء لعلماء العصور الوسطى درب المعرفة، فالعرب لم يأخذوا علومهم مباشرة عن الحضارة العراقية أو المصرية أو الفارسية القديمة؛ حيث وفدت إليهم عن طريق وسيط وهو الحضارة الهلينستية التى انصهرت فى بوتقتها العلوم القديمة بالقلم اليوناني، واتخذت من الإسكندرية مستقرًا لها، وذلك خلال القرون الأولى من عمر الحضارة الإسلامية الناشئة، فأحدثت نهضة استثنائية عُرفت باسم “العصر الذهبى للترجمة”، بعدما وفد إلى العقل العربى العلوم والمعارف اليونانية. فاستحق علماء العرب المسلمون أن يكونوا ورثة التراث العلمى اليوناني، وحلقة الوصل بين علوم العصور القديمة والحديثة، فباتت الترجمة والنقل إيذانًا بإعمال العقل العربى وانطلاقه على طريق الإبداع وخدمة الإنسانية.
ويأتى الكتاب ليساهم فى الكشف عن الحركة العلمية التى قامت بين أروقة مدرسة الإسكندرية، والوقوف على المآثر العلمية البارزة خلال العصر الهلنستى أولاً، ثم مع مطلع الحضارة الإسلامية فى قرونها الأولى، وقدمت الباحثة فى تلك الدراسة مدى التطور الذى وصلت إليه مجموعات العلوم المختلفة فى الطب والرياضيات والفلك والعلوم التطبيقية، وكذلك فى الأدب والشعر والجغرافيا والترجمة والتاريخ فى مدينة الإسكندرية. 
كما ألقت الضوء الذى لعبته الإسكندرية ممثلة فى مؤسساتها العلمية كجسر اتصال ثقافى بين حضارتى مصر واليونان من جانب، وبين حضارة اليونان والحضارة العربية من جانب آخر.
ويتناول الكتاب عبر خمسة فصول رحلة العلم اليوناني، منذ انطلاقه فى أرض الإسكندرية إبان العصر البطلمي، حتى وصوله إلى مستقره فى بغداد؛ عاصمة الخلافة العباسية. يلقى الفصل الأول الضوء من منظور تاريخى على موضع الحركة العلمية فى مدينة الإسكندرية؛ مدرسة الإسكندرية القديمة ومكتبتها.
ويتناول الفصل الثانى مآثر مدرسة الإسكندرية العلمية فى مجال العلوم الطبيعية والتطبيقية، والذى يقودنا إلى الفصل الثالث لنتابع مآثر مدرسة الإسكندرية العلمية فى مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية. 
ويبحث الفصل الرابع هُوّية علوم مدرسة الإسكندرية، بينما يعالج الفصل الخامس انتقال الحركة العلمية عبر الترجمة من الإسكندرية إلى بغداد، والتى أصبحت وريثة علوم الإسكندرية بلا منازع.