الحلم الأفريقي
عبد الله كمال
نفذ يا وزير.. كلفي ياموازنة.. هذه هي القاعدة التي أعتقد أن أحمد أبوالغيط أراد أن يرسيها وهو يلاحق بمجموعة من أسئلة أعضاء الحزب الوطني.. في مؤتمره السنوي حول التواجد المصري في الفضاء الأفريقي.. ويبدو أنه قد وجدها فرصة مواتية للمصارحة ببعض الحقائق التي تهبط بالحالمين من السماء التي يحلقون فيها.
أفريقيا التي كانت في 1960 تغيرت.. كانت تسعي إلي التحرر.. وكانت مصر تقدم لها يد العون.. واليد كانت تمد في كثير من الأحيان بالبندقية.. ويقول الوزير أبوالغيط: تم التحرر.. ومصر لم تعد تقدم البندقية.. والمطلوب أن نقدم الاستثمار.. وأن نتاجر ونتبادل معها.. ولكن رجال الأعمال المصريين لا يتشجعون في هذا الاتجاه ويفضلون أسواقًا أخري.
وقد أطاح الوزير بكثير من ثوابت الذهنية العامة حول هذه المسألة.. وكشف عن مفاجآت متوالية.. قال: أنتم تقولون إن إسرائيل تغزو أفريقيا.. هذا أيضًا ليس صحيحًا.. كما أن لهم سفارات لنا سفارات.. وكما أن لهم تواجدًا سياسيا لنا تواجد سياسي.. لكن أفريقيا تولي وجهها شطرًا آخر.. شطر من يدفع ويساعدها في التنمية.. والصين علي سبيل المثال دفعت لتنمية دول أفريقية خلال الخمس سنوات الماضية 10 مليارات دولار.. ولها في غرب أفريقيا ما لا يقل عن 750 ألف صيني.
في الشرق تنافس الهند الصين.. وهناك أيضًا التواجد الأمريكي والفرنسي.. فهل نناطح هؤلاء.. وإذا ما أردنا.. هل علينا أن ندفع.. وإذا ما دفعنا هل علينا أن نبخل بتلك الأموال التي سوف نوجهها للتوسع السياسي عن المواطن المصري لكي نقدمها للمواطن الأفريقي؟.. أسئلة من الصعب الإجابة عنها.. ولكن الكثيرين مازالوا يطمحون في مداعبة أفريقيا..خاصة أن بينهم من يعتقد أن الأصوات الأفريقية تناثرت من حول المرشح المصري لليونسكو لأسباب لها علاقة بعدم تواجد مصر أفريقيا.
لكن الوزير فاجأ الجميع أيضًا حين قال: جنوب أفريقيا.. ولديها ضعف ما لدينا من حجم الناتج القومي.. وعلاقاتها متشابكة مع كثير من الدول الأفريقية جنوب الصحراء.. لم تستطع أن تنجح مرشحها لمنصب مدير عام وكالة الطاقة الذرية علي الرغم من أنه صدر قرار بإجماع أفريقي عليه.. وتسربت من بين يديه الأصوات الأفريقية أيضًا.. لأسباب يمكن فهمها.
المسألة تحتاج إلي وقفة.. فالطموح يدفع البعض إلي أن يطرح علي صناعة القرار الخارجي ضغوطًا مختلفة.. بحيث تسائل لماذا لم تذهب إلي أقصي الأرض.. ولماذا لم تسافر إلي مجاهل العالم لكي تتواجد.. وهنا يثور التساؤل: ما هي الأولويات.. وهل علينا أن نبعثر جهودنا في كل مكان.. حتي ونحن نعرف أن ذلك لن يجدي نفعًا.. لأننا لا نقوي علي الإغراق بالمال كما تفعل دول أخري.
كل وزير خارجية يأتي إلي منصبه يتحدث عن الملفات الأفريقية.. وعن العمق الأفريقي لمصر.. سمعت ثلاثة وزراء علي الأقل يقولون ذلك.. لكن أبوالغيط يمتلك من الشجاعة بحيث يصارح الحالمين بالحقائق: سياسة مصر الخارجية تريد تحقيق 3 أهداف: السلام ـ الاستقرار ـ التنمية.. وهي تسعي إلي ذلك بكل السبل.. فإذا ما كان من أجل ذلك متطلب أفريقي فإن مصر تقوم به.. ولكن ليس عليها أن تبعثر جهودها هباءً.
وبالتالي فإن مصر تعطي تركيزًا سياسيا لدول حوض النيل الأفريقية أكثر من غيرها.. لديها ما لا يقل عن 300 طبيب ومدرس وصيدلي يعملون في إطار الصندوق الفني للتعاون الأفريقي.. تجدهم في مجاهل قري في دول النيل.. والقرن الأفريقي وبعض دول جنوب الصحراء.. ومصر أيضًا لديها اتفاق الكوميسا.. الذي يسبب لها خسارة سنوية تقدر بـ300 مليون دولار نتيجة التسهيلات التي تقدمها للتجارة مع تلك الدول.. وهو مبلغ يمكن أن يكون مفيدًا للخزانة العامة والمواطن المصري.. لكنه ثمن مقبول للسياسة التي تركز علي دول الكوميسا.
نحن دولة إقليمية مركزية محورية.. لديها تأثير متنوع في دول وأقاليم مختلفة.. لكن بعض المصريين يريدون من مصر أن تدير شئونها كما لو أنها دولة عظمي عالمية.. وهناك فرق كبير بين هذه وتلك.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]